شعبة مواد البناء: أسعار الأسمنت ارتفعت 100% رغم ضعف الطلب    بعد إعلان القرعة.. منتخب الشباب يبدأ الاستعداد لكأس العالم    الداخلية تضبط المتهم بالنصب على المواطنين بزعم العلاج الروحانى بالإسكندرية    «أوقاف الدقهلية» تفتتح مسجدين وتنظم مقارئ ولقاءات دعوية للنشء    محافظ الشرقية يستقبل مفتي الجمهورية بمكتبه بالديوان العام    الرئيس السيسي يتلقى اتصالاً هاتفيًا من رئيس الوزراء اليوناني ويؤكدان دفع العلاقات الإستراتيجية بين البلدين    الرقابة المالية تجدد تحذيرها للمواطنين بعدم التعامل مع جهات غير مرخصة بما يعرضهم لمخاطر مالية جسيمة    فتح باب التقدم والحجز إلكترونيًا عبر منصة مصر الصناعية الرقمية خلال الفترة من 1 إلى 15 يونيو 2025    فيدان: محادثات إسطنبول أثبتت جدوى التفاوض بين روسيا وأوكرانيا    وصمة عار في جبين الحضارة.. أستاذ قانون دولي يطالب بمقاطعة شاملة لإسرائيل فورًا    فرنسا: الاعتراف بدولة فلسطينية واجب أخلاقي ومطلب سياسي    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش الأثر التشريعي لقانون التأمين الصحي والضريبة على العقارات المبنية    «عشان زيزو يسافر» خالد بيبو مفاجأة بشأن موعد نهائي كأس مصر.. وعبد الواحد السيد يرد    وفد من جامعة نوتنغهام يشيد بالإمكانيات العلمية لجامعة المنصورة الجديدة    محافظة الجيزة تنهي استعداداتها لاستقبال امتحانات نهاية العام الدراسي للشهادة الإعدادية    فى ليلة ساحرة.. مروة ناجى تبدع وتستحضر روح أم كلثوم على خشبة مسرح أخر حفلاتها قبل 50 عام    الليلة.. مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية يختتم دورته الخامسة بتكريم اسم الراحل بشير الديك والمؤرخ محمود قاسم والنجمة شيرى عادل    المنطقة الشمالية العسكرية تستكمل تنفيذ حملة " بلدك معاك " لدعم الأسر الأولى بالرعاية    حسن حسني.. «القشاش» الذي صنع البهجة وبصم في كل الفنون    مفتى السعودية: أداء الحج دون تصريح مخالفة شرعية جسيمة    قافلة طبية مجانية بقرية البرشا بملوي تقدم خدمات لأكثر من 1147 حالة    السيسي يؤكد التزام مصر بالحفاظ على المكانة الدينية لدير سانت كاترين    8 مصابين في تصادم سيارتين أعلى محور 26 يوليو    أسامة نبيه: أثق في قدرتنا على تحقيق أداء يليق باسم مصر في كأس العالم    خطيب المسجد الحرام: الحج بلا تصريح أذية للمسلمين والعشر الأوائل خير أيام العام    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض الزيت واللحوم والذهب    4 وفيات و21 مصابا بحادث انقلاب أتوبيس بمركز السادات    حكم من شرب أو أكل ناسيا فى نهار عرفة؟.. دار الإفتاء تجيب    الإفتاء تحذر: الأضحية المريضة والمَعِيْبَة لا تجزئ عن المضحي    في لفتة إنسانية.. بعثة القرعة تعيد متعلقات حاجة فقدتها في الحرم    بعد «come back to me» الشعبية.. يوسف جبريال يشكر تامر حسني عبر السوشيال ميديا (فيديو)    ترامب يتحدّى أوامر القضاء.. وواشنطن تُخفي الأزمة الدستورية تحت عباءة القانون    دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة لتيسير الأمور وقضاء الحوائج.. ردده الآن    108 ساحة صلاة عيد الأضحى.. أوقاف الإسماعيلية تعلن عن الأماكن المخصصة للصلاة    تحرير 146 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    ليلة في حب وردة وبليغ حمدي.. «الأوبرا» تحتفي بروائع زمن الفن الجميل    بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من مسجد الشهيد بالقليوبية    كأس العالم للأندية.. ريال مدريد يعلن رسميا ضم أرنولد قادما من ليفربول    الرئيس اللبنانى يزور العراق الأحد المقبل    تعرف على إيرادات فيلم ريستارت في أول أيام عرضه    طهران: تقرير الاستخبارات النمساوية المشكك في سلمية برنامجنا النووي كاذب    نائب وزير الصحة يتفقد عددا من المنشآت الصحية فى البحر الأحمر    رئيس هيئة الاعتماد والرقابة الصحية يستقبل وفد اتحاد المستشفيات العربية    رئيسة المجلس القومي للمرأة تلتقي الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر    بحضور محافظ القاهرة.. احتفالية كبرى لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة بكنائس زويلة الأثرية    ريا أبي راشد: أجريت مقابلة تلفزيونية مع مات ديمون بعد ولادة ابنتي بيومين فقط    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن البحر الأحمر    وزير الإسكان: بدء إرسال رسائل نصية SMS للمتقدمين ضمن "سكن لكل المصريين 5 " بنتيجة ترتيب الأولويات    بنيامين نتنياهو يدخل غرفة العمليات.. ومسؤول آخر يتولى إدارة إسرائيل    مصرع وإصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بطريق مصر السويس الصحراوي    «عانت بشدة لمدة سنة».. سبب وفاة الفنانة سارة الغامدي    3 ساعات حذِرة .. تحذير بشأن حالة الطقس اليوم : «شغلوا الكشافات»    موعد مباراة الاتحاد والقادسية في نهائي كأس خادم الحرمين والقنوات الناقلة    «اعتذرتله».. ياسر إبراهيم يكشف كواليس خناقته الشهيرة مع نجم الزمالك    "فوز إنتر ميامي وتعادل الإسماعيلي".. نتائج مباريات أمس الخميس 29 مايو    «مالوش طلبات مالية».. إبراهيم عبد الجواد يكشف اقتراب الزمالك من ضم صفقة سوبر    نجاحات متعددة.. قفزات مصرية في المؤشرات العالمية للاقتصاد والتنمية    تقارير: أرسنال يقترب من تجديد عقد ساليبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوضى عربية وشرق أوسطية مدمرة
نشر في محيط يوم 06 - 04 - 2015

يبدو المشهد العربى لمن يتابع صورته الكلية مروعا وملتبسا بالفعل وينذر بامتداد الأزمات القائمة وتفاقم ما تنطوى عليه من احتقانات ومآس إنسانية بدلا من حلها. وتبدو الشعوب المغلوبة على أمرها هى الوقود لهستيريا الدم والنار التى تجتاح عددا من البلدان العربية بفعل حكوماتها أو جماعات دينية أو مذهبية متطرفة أو تدخلات إقليمية ودولية تشعل الأزمات فيها.
فحرائق الحروب صارت تغطى اليمن بشماله وجنوبه مخلفة دمارا مروعا وأعدادا هائلة من الضحايا والمشردين فى بلادهم فى مأساة إنسانية جديدة فى عالم عربى متخم بالمآسى ولا يحتمل المزيد. كما أن الحرائق تغطى منذ سنوات سوريا والعراق فى الهلال الخصيب الذى صار مسرحا لصراعات طائفية وعرقية وهجمات إرهابية هائلة الحجم والتمويل والتسليح ومدمرة لوحدة الشعوب والدول، وتهدد بالعصف بالاستقرار الهش فى البلدان المجاورة وبالذات فى لبنان. وحرائق الحروب تدمى ليبيا بدورها. لكن القوى المؤمنة بوحدتها القائمة على أساس المواطنة وليس الدين أو القبيلة، تقاتل بضراوة من أجل استعادة تلك الوحدة ودحر قوى التطرف والإرهاب التى تعملقت برعاية أطلنطية فى هذا البلد العربى المنكوب بتدخلات بعض القوى الدولية والإقليمية فى شئونه.
اليمن.. مجمع الخطايا الداخلية والإقليمية والدولية
إذا بدأنا بأكثر المواقع اشتعالا على الخريطة العربية فى الوقت الراهن وهو اليمن، فإن الاختلال فى ميزان القوى الداخلية فى هذا البلد بدأ مع تحالف الديكتاتور السابق على عبد الله صالح والموالين له مع الحوثيين فى ظل عدم توصل السلطة إلى تسوية داخلية مقبولة معهم تنهض على أساس الحقوق العادلة ويكون من شأنها تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى الحقيقى والقائم على التراضى فى البلاد. وكانت مجموعة الدول الخليجية وبموافقة أمريكية وغربية هى التى ضمنت خروج على عبد الله صالح من السلطة بصورة «آمنة» ودون محاسبة بعد ثورة الشعب على حكمه الفاسد.
ومع حريته هو وأنصاره فى الحركة، واستنادا إلى التراكم المالى الكبير والفاسد الذى كونه فى سنوات حكمه الطويلة، تمكن من تمويل تنظيم وتسليح الموالين له وبخاصة من أبناء قبيلته. ولأن الغاية بالنسبة لديكتاتور مثل على عبد الله صالح تبرر استخدام أسوأ الوسائل للوصول إليها فإنه لم يجد أى غضاضة فى التحالف مع الحوثيين الذين كان يحاربهم وهو فى السلطة، من أجل هدم النظام الجديد وإثارة فزع إقليمى فى شبه الجزيرة العربية ربما يفضى ذلك إلى اعتباره المنقذ ويتيح له العودة للسلطة التى أدمن هوس الاستحواذ عليها. ولم يأبه فى ذلك بأن هدم الدولة اليمنية وأجهزتها قد يجعل عملية إعادة بنائها واستعادة لحمتها وتماسكها مهمة بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة. وهنا قد يضيع الوطن ثمنا لجنون الاستحواذ على السلطة.
أما الحوثيون أنفسهم فقد تعاملوا مع ضعف الدولة اليمنية وعجزها عن حماية مؤسساتها وكيانها بنزق الصغار وقرروا بجهالة حقيقية تدمير الطابع المؤسسى لها والاستيلاء عليها ضاربين بحقائق التوازن السياسى الداخلى والإقليمى والتكوين السكانى والقبلى عرض الحائط. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هى انفجار الاضطراب فى كل أرجاء اليمن وتهديد كيان الدولة بالمصير الصومالي.
أما الحسابات الإقليمية فقد تضاربت بين الطموح الإيرانى للهيمنة الإقليمية وما يرتبط به من مساندة الحوثيين، ورغبة المملكة العربية فى تأمين حدودها الجنوبية وضمان سلطة موالية لها فى اليمن، أو على الأقل سلطة مأمونة الجانب ولا تشكل تهديدا لها ولا ترفع أى مطالب بشأن بعض الأراضى فى جنوب غرب المملكة. لكن خلفيات العلاقات بين اليمن والمملكة العربية واستحضار مشهد المليون يمنى الذين تم ترحيلهم من المملكة إثر اجتياح العراق للكويت وتأييد على عبد الله صالح للعراق آنذاك، شكلت عاملا مسهلا لتحالف الحوثيين وعلى عبد الله صالح للنظر للحرب باعتبارها مواجهة لأطماع خارجية فى بلادهم ولاستدعاء مخزون الاحتقان التاريخى فى هذا الشأن.
كما أن مصر كقوة سلام إقليمية قائدة ترغب فى تأمين الملاحة فى باب المندب لمصلحة التجارة العالمية من جهة، وباعتباره المدخل الجنوبى للبحر الأحمر ولقناة السويس المصرية من جهة أخرى. كما أنها بالتأكيد تنظر بقلق لما يجرى من تحطيم وحدة أجهزة الدولة اليمنية بآثاره الوبيلة على الشعب اليمنى الشقيق، بما قد يهدد بصوملة اليمن وتحوله لمصدر للاضطراب الإقليمى والعنف وحاضنة عملاقة لقوى الإرهاب. ومن المؤكد أن تمايز الأهداف المصرية إزاء اليمن وارتباطها الوثيق بالحرص على الشعب اليمنى وعلى الدولة اليمنية وعلى مكافحة الإرهاب وضمان المصالح الدولية والمصرية العادلة فى أمان المرور فى باب المندب، يجعل منها طرفا قادرا على بدء الحوار لمعالجة الأزمة السياسية فى اليمن، خاصة بعد أن تحولت لمأساة إنسانية رهيبة فى ظل الحرب الراهنة بما يستوقف أى ضمير للجنوح إلى المعالجة السلمية للأزمة بين الأشقاء.
أما الولايات المتحدة التى يتملكها هوس الهيمنة والسيطرة عالميا فإنها تزداد سعارا وتخبطا كلما أدركت أن حقائق الواقع الاقتصادى ستزيحها عاجلا أو آجلا عن موقع الهيمنة العالمية. ورغم أنها كانت طرفا فى ضمان الخروج الآمن للديكتاتور الفاسد على عبد الله صالح، إلا أنها لم تستطع السيطرة على تحالفاته الداخلية التى وصلت به للتحالف مع الحوثيين. وقد تعاملت الولايات المتحدة مع هذا التحالف كأمر واقع يمكن الاستفادة منه بخلق نزيف مالى وعسكرى ممتد فى شبه الجزيرة العربية يبرر استمرار وتزايد طلب دولها على الأسلحة الأمريكية لتغذية غول المجمع الصناعي-العسكرى الأمريكى ذى النفوذ الكبير فى السياسة الخارجية الأمريكية.
ويبدو واضحا أن أخطاء السياسة الأمريكية والخليجية إزاء الثورة الشعبية اليمنية ضد على عبد الله صالح وعدم السماح بإزاحته كليا وبناء نظام جديد، قد أنتجا فى النهاية هذا التحالف الذى يجمعه بالحوثيين والذى يحاول ابتلاع الدولة اليمنية حتى ولو بالتحالف مع إيران. ويخطئ من يتصور أن الحرب اليمنية الراهنة ستنتهى سريعا أو أن الهزيمة العسكرية لأى طرف ستؤمن استقرارا للأوضاع فى هذا البلد وفى الدول المجاورة له، لقد انفتحت طاقات الجحيم وأصبح المصير الصومالى شاخصا فى الأفق، وعلى كل حريص على مستقبل اليمن أن يعمل على فتح باب التفاوض لإدارة الخلافات السياسية الداخلية فى اليمن بآليات ديمقراطية والاحتكام للشعب عبر انتخابات جديدة تحت إشراف دولى كامل مع فتح باب المحاسبة على المال والدم لأن التساهل مع من نهب ومن أراق الدماء لا ينتج سوى تجدد رغبته هو وحلفائه وعصابته فى العودة للسلطة مرة أخرى.
الهلال الخصيب.. الطائفية والإرهاب المدعومان إقليميا ودوليا
أما بالنسبة للعراق فى أقصى المشرق العربى فالمأساة لم تبدأ اليوم وإنما بدأت عندما انطلق الغزو الأمريكى الإجرامى للعراق من القواعد الأمريكية فى الخليج وعلى رأسها قاعدة العديد فى قطر. وأدى ذلك الغزو والجهالة الأمريكية فى التعامل مع الشأن العراقي، والتى لم تكتف بهدم النظام، إلى هدم الدولة القائمة على المواطنة أيضا. وتم بناء نظام قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية فانفتحت بوابات جحيم الصراعات الطائفية والعرقية على مصاريعها. وإزاء اتجاه نظام ما بعد الاحتلال الأمريكى لإقامة علاقة استراتيجية مع إيران، باتت بعض دول الخليج التى ساهمت فى الإتيان به بصورة غير مباشرة متحفظة ثم وصلت الأمور لدرجة العداء المعلن فى بعض الأحيان التى وصلت لاتهامات عراقية لبعض دول الخليج بدعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، فضلا عن المشاعر غير الودية المضمرة دائما. والغريب أن ذلك التحول فى نظام قائم على المحاصصة الطائفية كان من الممكن التنبؤ به بسهولة فى ظل حقيقة انقسام السنة فى العراق بين العرب والكرد بما يُضعف كلا منهما منفردا، مقابل الترابط الجغرافى والعرقى للمكون الشيعى حتى ولو كانت نسبته أقل من نسبة السنة العرب والكرد مجتمعين.
وفى مواجهة السيطرة الشيعية على الدولة العراقية وارتباطها الوثيق بإيران، وانسلاخ المنطقة الكردية عمليا، أصبح الوضع فى العراق يجسد تمددا للنفوذ الإيرانى ويشكل خطرا على الدول الخليجية. ومن يتأمل عملية استعادة الدولة العراقية لمدينة تكريت مؤخرا ومشاركة الميليشيات الشيعية المسماة الحشد الشيعى فى المعركة، وما قامت به من عمليات تخريب وتدمير وسلب ونهب وتقتيل بعد استعادة المدينة، سيدرك أى منحدر طائفى مروع قد هوى إليه العراق.
وكانت بعض الدول النفطية مصدرا حكوميا أو أهليا لتمويل الجماعات السنية السلفية. وقد تحولت بعض تلك الجماعات إلى منظمات متطرفة وإرهابية تستهدف تقويض السيطرة الطائفية الشيعية على العراق والتى أسس لها الأمريكيون عبر نظام المحاصصة الطائفية. كما أن هناك مشاركة قوية فى أعمال المقاومة للنظام العراقى الراهن من قبل القوى القومية المرتبطة بحزب البعث الذى تم التنكيل به وبأعضائه بصورة مروعة بعد الاحتلال الأمريكي. وكان العراق منذ ذلك الاحتلال مفتوحا لكل أعمال التنكيل بأعضاء حزب البعث وبالقيادات العسكرية العراقية من قبل أجهزة الاستخبارات الصهيونية والإيرانية والأمريكية.
وإزاء تعملق ظاهرة «داعش» وتحولها إلى تهديد للجميع، بات على تلك الدول النفطية هى وتركيا التى لم تكن بعيدة عن تطور وتعملق داعش أن تتخذ موقفا معلنا ضد تلك المنظمة الإرهابية. واختلطت الأوراق فى العراق الذى ترتبط الأزمة فيه بنظيرتها فى سوريا فى الوقت الراهن. ويبدو أن هناك موقفا معلنا من البعض يتناقض مع السلوك الفعلى فى هذا الشأن. وهناك غياب حقيقى للمصارحة مع النظام العراقى بشأن ضرورة إنهاء الميليشيات الشيعية المحمية من النظام والتى قتلت وخربت ونهبت جبالا من الأموال والموارد العامة، وليس استدعاؤها للتخريب فى المنطقة السنية وإحياء كل المرارات والحساسيات. وهناك غياب للمصارحة أيضا بشان ضرورة إعادة بناء النظام السياسى العراقى على أسس وطنية وليس على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية التى وضع الأمريكيون أسسها التخريبية منذ احتلالهم الإجرامى للعراق.
وفى كل الأحوال يبدو هذا البلد العربى الكبير والذى شكل الجدار الشرقى للوطن العربى مسرحا للدمار والقتل وعبث أعدائه وتطرف وطائفية بعض أبنائه ومن توافد إليهم من إرهابيين من خارج العراق. ويحتاج الأمر لمعجزة فعلا لإعادة الوحدة الحقيقية لبنية المجتمع والدولة القائمة على أساس المواطنة والمساواة بين الجميع أمام القانون دون النظر للدين أو المذهب أو الأصل العرقي.
أما الأزمة السورية فإن العديد من الدول النفطية شاركت بقسط كبير فى توفير التمويل والتسليح والتعبئة للمجموعات الإرهابية مثل جبهة النصرة والقاعدة و»داعش»، والمجموعات التى تستخدم العنف المسلح مثل «الجيش الحر». وساهمت فى عسكرة الاحتجاجات فى سوريا لتفقد حقوقها المدنية وتتحول إلى ألعوبة بيد من يملك التمويل والتسليح. كما ساهمت فى تمويل ودفع قطعان همجية من آلاف الإرهابيين الأجانب لتخريب سورية وتفتيتها. والنتيجة هى مقتل أكثر من 200 ألف وتشريد قرابة نصف السكان فى الداخل السورى او فى دول المنطقة فى ظروف مأساوية. باختصار حولت التدخلات الإقليمية والدولية سوريا إلى وطن يتعرض للحرق والتدمير. والغريب أن الدول النفطية التى تقول أنها تسعى لتثبيت الشرعية فى اليمن ومن قبلها البحرين هى نفسها التى فعلت كل شئ لتدمير الشرعية المناظرة فى سوريا!!
وتواجه سوريا موقفا بالغ الحرج، فوحدة الشعب والدولة صارت على حد السيف، وليس هناك من حل إلا عندما تكف قوى الشر الإقليمية والدولية عن التدخل فى هذا البلد العربى الكبير، ويتم القضاء على قوى الإرهاب المدعومة دوليا وإقليميا مثل جبهة النصرة وداعش وكلاهما منتجات سلفية وهابية متخلفة، ليتم بعدها الاحتكام للشعب فى انتخابات ديمقراطية حرة وخاضعة لرقابة عربية ودولية نزيهة لا تتضمن كل من شارك فى تخريب سوريا.
وإذا كان تنظيم داعش قد تعملق فى سورية قبل انتقاله للعراق، فإن تركيا وبعض الدول النفطية والقوى الدولية التى تدعى مواجهته هى نفسها المسئولة عن تمويله وتسليحه وإدخاله لسورية وتعملقه!! ويبدو الأمر أقرب للكوميديا السوداء. وإذا كان من أخرج الشيطان من قمقمه هو المنوط به إعادته إليه، فإن الأمر فى غاية الصعوبة فى الواقع فى ظل تعقد شبكة المصالح التى أخرجت شيطان الطائفية من قمقمه لإشعال الاقتتال الأهلى وهدم الدول الوطنية فى المشرق العربى واستمرار رغبتها فى تحقيق هذا الهدف رغم كل ما ينطوى عليه من مخاطر للجميع.
ليبيا ومعركة المصير للدولة الموحدة
فى شمال إفريقيا تبدو ليبيا تجسيدا حيا للفوضى المدمرة التى أصابت الوطن العربى بفعل التدخلات الغربية التى دفعت فى اتجاه عسكرة الاحتجاجات ضد النظام السابق واستصدرت قرارا دوليا للتدخل فى ليبيا ضد ذلك النظام. ولم يفرق حلف شمال الأطلنطى بين تغيير النظم وهدم الدول، فهدم مؤسسات الدولة الليبية وهى أساس وحدتها. ووضع هذا البلد العربى المثقل بتركة قبلية حاضرة على حافة التشظى لولا وجود الجيش وبعض القوى المؤمنة بالدولة الوطنية والتى تحاول إنقاذ ليبيا من المصير الصومالي، ومن التحول إلى بؤرة جامعة للقوى الإرهابية ومهددة للاستقرار والسلم فى الدول المجاورة. ورغم صعوبة المعركة فإن التعاون بين ليبيا والدول المجاورة يعزز من إمكانيات انتصار القوى التى تقاتل من أجل إبقاء وحدة الدولة الوطنية الليبية. لكنها معركة صعبة يتوقف عليها مصير ليبيا ووحدة ترابها الوطنى وقدرتها على مكافحة الإرهاب الذى يهدف للتوطن فيها.
وإجمالا يمكن القول إن حالة الفوضى المدمرة التى تنتشر فى بعض البلدان العربية هى فوضى مخربة للدول والمجتمعات، وهى مجمع لخطايا النظم الحاكمة والتدخلات الإقليمية والدولية المدمرة. وإذا كان هناك من أمل فى أى بناء اجتماعى وسياسى مستقر وآمن وقادر على التطور فى المستقبل فلابد أن ينهض من خلال العودة لموائد المفاوضات وحل الأزمات سلميا واحترام إرادة الشعب كحكم حاسم من خلال الانتخابات الحرة الديمقراطية. ولابد من أن ينهض أى بناء جديد على احترام الحريات وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة بين البشر بغض النظر عن الدين أو المذهب او النوع أو الأصل العرقى والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وهذه القواعد وحدها هى التى تؤسس لبناء التلاحم الاجتماعى والاستقرار القائم على التراضى والانتماء والاستعداد للتضحية من أجل الوطن، وليس الاقتتال الأهلى الذى يخربه ويتيح لقوى الشر الإقليمية والدولية التدخل فيه بصورة مدمرة.
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.