إخطار المقبولين بكلية الشرطة للعام الدراسي الجديد هاتفيًا وبرسائل نصية    وزير الري يتابع موقف مشروعات الخطة الاستثمارية للعام المالى الحالى 2025 / 2026    77 عامًا وحقوق الإنسان لم تعرف فلسطين والدعم المصرى مستمر    البوصلة    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 14 ديسمبر 2025    استقرار اسعار الذهب اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    وزارة التموين والتجارة الداخلية تؤكد توافر كميات كبيرة من زيوت الطعام بالأسواق والمنظومة التموينية    ارتفاع أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 14 ديسمبر 2025    بروتوكول تعاون بين الاتصالات والنيابة العامة لتنفيذ 10 مشروعات تطوير رقمى    تعرف على سعر الدولار أمام الجنيه في بداية تعاملات اليوم 14 ديسمبر    في اتصال هاتفي .. بدر عبدالعاطي يبحث مع وزيرة خارجية بريطانيا سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتبادل الرؤى بشأن التطورات الإقليمية    جوتيريش: استهداف قوات حفظ السلام بجنوب كردفان جريمة حرب    وزيرا خارجية مصر ومالي يبحثان تطورات الأوضاع في منطقة الساحل    قائد الجيش الأوكراني: نتصدى لأكبر هجمات روسية منذ بدء الحرب على طول خط الجبهة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب مدينة «كراتشي» الباكستانية    اختبار صعب لمرموش مع مانشستر سيتي قبل الانضمام لمعسكر المنتخب    كأس عاصمة مصر.. الأهلي يبدأ استعداداته لمواجهة سيراميكا    100 مليون جنيه إسترليني تهدد بقاء محمد صلاح في ليفربول    الميركاتو الشتوى على صفيح ساخن.. الدورى السعودى يغرى محمد صلاح بعرض جديد.. روما يخطط لإنقاذ عمر مرموش من دكة مانشستر سيتي.. رادار جيرونا يرصد شوبير.. و3 أندية أوروبية تهدد حلم برشلونة فى ضم جوهرة الأهلى    الأرصاد: انخفاض كبير في درجات الحرارة وأمطار متفاوتة الشدة على عدد من المحافظات    الداخلية تنفى وجود تجمعات بعدد من المحافظات.. وتؤكد: فبركة إخوانية بصور قديمة    اليوم.. محاكمة الشيخ سمير مصطفى بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    اليوم.. انطلاق اختبارات التقييم لطلاب الصفين الأول والثاني الابتدائي    محمد الخشت: شكل نظام الحكم وطبيعة المؤسسات السياسية يدخلان في نطاق الاجتهاد البشري المتغير    معرض عن رحلة العائلة المقدسة بمتحف الطفل بالتعاون مع المركز الثقافي المجري    لماذا تسخرون من السقا؟!    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    هام من الصحة بشأن حقيقة وجود فيروس ماربورغ في مصر.. تفاصيل    الصحة: تقديم 19.2 مليون خدمة طبية بالمنشآت الطبية في محافظة القاهرة    اليوم..«الداخلية» تعلن نتيجة دفعة جديدة لكلية الشرطة    بمشاركة اشرف عبد الباقي.. ختام مهرجان المنيا الدولي للمسرح في دورته الثالثة (صور)    دون خسائر بشرية.. اندلاع حريق في منزل بساحل سليم أسيوط    اليوم.. محاكمة المتهمين بقتل طفل شبرا الخيمة بقضية الدارك ويب    إعلام إسرائيلى : إيطاليا أعربت عن استعدادها للمشاركة فى قوة الاستقرار بغزة    بدء الصمت الانتخابي فى 55 دائرة ضمن المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الاحد 14-12-2025 في محافظة قنا    45 دقيقة متوسط تأخيرات قطارات «طنطا - دمياط».. 14 ديسمبر    حادث جامعة براون وتحذير الأرصاد الأبرز.. جولة إخبارية لأهم الأحداث الساخنة (فيديو)    مصرع حداد سقطت عليه رأس سيارة نقل بالدقهلية    ستار بوست| عبلة كامل تتحدث بعد غياب.. وقرار غير حياة عمرو يوسف    الشرطة الأمريكية تفتش جامعة براون بعد مقتل 2 وإصابة 8 في إطلاق نار    لميس الحديدي: اتفرجت على "الست" مرتين.. الناس بتصفق بعد كل مشهد    الصحة: لا توصيات بإغلاق المدارس.. و3 أسباب وراء الشعور بشدة أعراض الإنفلونزا هذا العام    رئيس الإنجيلية يبدأ جولته الرعوية بمحافظة المنيا    فيلم فلسطين 36 يفتتح الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية بحضور مخرجته وكامل الباشا    نائب وزير الصحة: حياة كريمة كانت السبب الأكبر في إعلان مصر خالية من التراكوما المسبب للعمى    الكتب المخفضة تستقطب زوار معرض جدة للكتاب 2025    باريس سان جيرمان يفوز على ميتز في الدوري الفرنسي    المستشار عبد الرحمن الشهاوي يخوض سباق انتخابات نادي قضاة مصر    آرسنال ينتزع فوزًا مثيرًا من وولفرهامبتون ويواصل الابتعاد في الصدارة    طفل يلقي مصرعه خنقًاً.. ويُكشف عنه أثناء لعب أصدقائه بقرية اللوزي بالداقهلية    توروب عن إمام عاشور: عودته من الإصابة تمنح الأهلي قوة إضافية    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوضى عربية وشرق أوسطية مدمرة

يبدو المشهد العربى لمن يتابع صورته الكلية مروعا وملتبسا بالفعل وينذر بامتداد الأزمات القائمة وتفاقم ما تنطوى عليه من احتقانات ومآس إنسانية بدلا من حلها. وتبدو الشعوب المغلوبة على أمرها هى الوقود لهستيريا الدم والنار التى تجتاح عددا من البلدان العربية بفعل حكوماتها أو جماعات دينية أو مذهبية متطرفة أو تدخلات إقليمية ودولية تشعل الأزمات فيها.
فحرائق الحروب صارت تغطى اليمن بشماله وجنوبه مخلفة دمارا مروعا وأعدادا هائلة من الضحايا والمشردين فى بلادهم فى مأساة إنسانية جديدة فى عالم عربى متخم بالمآسى ولا يحتمل المزيد. كما أن الحرائق تغطى منذ سنوات سوريا والعراق فى الهلال الخصيب الذى صار مسرحا لصراعات طائفية وعرقية وهجمات إرهابية هائلة الحجم والتمويل والتسليح ومدمرة لوحدة الشعوب والدول، وتهدد بالعصف بالاستقرار الهش فى البلدان المجاورة وبالذات فى لبنان. وحرائق الحروب تدمى ليبيا بدورها. لكن القوى المؤمنة بوحدتها القائمة على أساس المواطنة وليس الدين أو القبيلة، تقاتل بضراوة من أجل استعادة تلك الوحدة ودحر قوى التطرف والإرهاب التى تعملقت برعاية أطلنطية فى هذا البلد العربى المنكوب بتدخلات بعض القوى الدولية والإقليمية فى شئونه.

اليمن.. مجمع الخطايا الداخلية والإقليمية والدولية

إذا بدأنا بأكثر المواقع اشتعالا على الخريطة العربية فى الوقت الراهن وهو اليمن، فإن الاختلال فى ميزان القوى الداخلية فى هذا البلد بدأ مع تحالف الديكتاتور السابق على عبد الله صالح والموالين له مع الحوثيين فى ظل عدم توصل السلطة إلى تسوية داخلية مقبولة معهم تنهض على أساس الحقوق العادلة ويكون من شأنها تحقيق الاستقرار السياسى والأمنى الحقيقى والقائم على التراضى فى البلاد. وكانت مجموعة الدول الخليجية وبموافقة أمريكية وغربية هى التى ضمنت خروج على عبد الله صالح من السلطة بصورة «آمنة» ودون محاسبة بعد ثورة الشعب على حكمه الفاسد. ومع حريته هو وأنصاره فى الحركة، واستنادا إلى التراكم المالى الكبير والفاسد الذى كونه فى سنوات حكمه الطويلة، تمكن من تمويل تنظيم وتسليح الموالين له وبخاصة من أبناء قبيلته. ولأن الغاية بالنسبة لديكتاتور مثل على عبد الله صالح تبرر استخدام أسوأ الوسائل للوصول إليها فإنه لم يجد أى غضاضة فى التحالف مع الحوثيين الذين كان يحاربهم وهو فى السلطة، من أجل هدم النظام الجديد وإثارة فزع إقليمى فى شبه الجزيرة العربية ربما يفضى ذلك إلى اعتباره المنقذ ويتيح له العودة للسلطة التى أدمن هوس الاستحواذ عليها. ولم يأبه فى ذلك بأن هدم الدولة اليمنية وأجهزتها قد يجعل عملية إعادة بنائها واستعادة لحمتها وتماسكها مهمة بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة. وهنا قد يضيع الوطن ثمنا لجنون الاستحواذ على السلطة.
أما الحوثيون أنفسهم فقد تعاملوا مع ضعف الدولة اليمنية وعجزها عن حماية مؤسساتها وكيانها بنزق الصغار وقرروا بجهالة حقيقية تدمير الطابع المؤسسى لها والاستيلاء عليها ضاربين بحقائق التوازن السياسى الداخلى والإقليمى والتكوين السكانى والقبلى عرض الحائط. وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هى انفجار الاضطراب فى كل أرجاء اليمن وتهديد كيان الدولة بالمصير الصومالي.
أما الحسابات الإقليمية فقد تضاربت بين الطموح الإيرانى للهيمنة الإقليمية وما يرتبط به من مساندة الحوثيين، ورغبة المملكة العربية فى تأمين حدودها الجنوبية وضمان سلطة موالية لها فى اليمن، أو على الأقل سلطة مأمونة الجانب ولا تشكل تهديدا لها ولا ترفع أى مطالب بشأن بعض الأراضى فى جنوب غرب المملكة. لكن خلفيات العلاقات بين اليمن والمملكة العربية واستحضار مشهد المليون يمنى الذين تم ترحيلهم من المملكة إثر اجتياح العراق للكويت وتأييد على عبد الله صالح للعراق آنذاك، شكلت عاملا مسهلا لتحالف الحوثيين وعلى عبد الله صالح للنظر للحرب باعتبارها مواجهة لأطماع خارجية فى بلادهم ولاستدعاء مخزون الاحتقان التاريخى فى هذا الشأن.
كما أن مصر كقوة سلام إقليمية قائدة ترغب فى تأمين الملاحة فى باب المندب لمصلحة التجارة العالمية من جهة، وباعتباره المدخل الجنوبى للبحر الأحمر ولقناة السويس المصرية من جهة أخرى. كما أنها بالتأكيد تنظر بقلق لما يجرى من تحطيم وحدة أجهزة الدولة اليمنية بآثاره الوبيلة على الشعب اليمنى الشقيق، بما قد يهدد بصوملة اليمن وتحوله لمصدر للاضطراب الإقليمى والعنف وحاضنة عملاقة لقوى الإرهاب. ومن المؤكد أن تمايز الأهداف المصرية إزاء اليمن وارتباطها الوثيق بالحرص على الشعب اليمنى وعلى الدولة اليمنية وعلى مكافحة الإرهاب وضمان المصالح الدولية والمصرية العادلة فى أمان المرور فى باب المندب، يجعل منها طرفا قادرا على بدء الحوار لمعالجة الأزمة السياسية فى اليمن، خاصة بعد أن تحولت لمأساة إنسانية رهيبة فى ظل الحرب الراهنة بما يستوقف أى ضمير للجنوح إلى المعالجة السلمية للأزمة بين الأشقاء.
أما الولايات المتحدة التى يتملكها هوس الهيمنة والسيطرة عالميا فإنها تزداد سعارا وتخبطا كلما أدركت أن حقائق الواقع الاقتصادى ستزيحها عاجلا أو آجلا عن موقع الهيمنة العالمية. ورغم أنها كانت طرفا فى ضمان الخروج الآمن للديكتاتور الفاسد على عبد الله صالح، إلا أنها لم تستطع السيطرة على تحالفاته الداخلية التى وصلت به للتحالف مع الحوثيين. وقد تعاملت الولايات المتحدة مع هذا التحالف كأمر واقع يمكن الاستفادة منه بخلق نزيف مالى وعسكرى ممتد فى شبه الجزيرة العربية يبرر استمرار وتزايد طلب دولها على الأسلحة الأمريكية لتغذية غول المجمع الصناعي-العسكرى الأمريكى ذى النفوذ الكبير فى السياسة الخارجية الأمريكية.
ويبدو واضحا أن أخطاء السياسة الأمريكية والخليجية إزاء الثورة الشعبية اليمنية ضد على عبد الله صالح وعدم السماح بإزاحته كليا وبناء نظام جديد، قد أنتجا فى النهاية هذا التحالف الذى يجمعه بالحوثيين والذى يحاول ابتلاع الدولة اليمنية حتى ولو بالتحالف مع إيران. ويخطئ من يتصور أن الحرب اليمنية الراهنة ستنتهى سريعا أو أن الهزيمة العسكرية لأى طرف ستؤمن استقرارا للأوضاع فى هذا البلد وفى الدول المجاورة له، لقد انفتحت طاقات الجحيم وأصبح المصير الصومالى شاخصا فى الأفق، وعلى كل حريص على مستقبل اليمن أن يعمل على فتح باب التفاوض لإدارة الخلافات السياسية الداخلية فى اليمن بآليات ديمقراطية والاحتكام للشعب عبر انتخابات جديدة تحت إشراف دولى كامل مع فتح باب المحاسبة على المال والدم لأن التساهل مع من نهب ومن أراق الدماء لا ينتج سوى تجدد رغبته هو وحلفائه وعصابته فى العودة للسلطة مرة أخرى.

الهلال الخصيب.. الطائفية والإرهاب المدعومان إقليميا ودوليا

أما بالنسبة للعراق فى أقصى المشرق العربى فالمأساة لم تبدأ اليوم وإنما بدأت عندما انطلق الغزو الأمريكى الإجرامى للعراق من القواعد الأمريكية فى الخليج وعلى رأسها قاعدة العديد فى قطر. وأدى ذلك الغزو والجهالة الأمريكية فى التعامل مع الشأن العراقي، والتى لم تكتف بهدم النظام، إلى هدم الدولة القائمة على المواطنة أيضا. وتم بناء نظام قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية فانفتحت بوابات جحيم الصراعات الطائفية والعرقية على مصاريعها. وإزاء اتجاه نظام ما بعد الاحتلال الأمريكى لإقامة علاقة استراتيجية مع إيران، باتت بعض دول الخليج التى ساهمت فى الإتيان به بصورة غير مباشرة متحفظة ثم وصلت الأمور لدرجة العداء المعلن فى بعض الأحيان التى وصلت لاتهامات عراقية لبعض دول الخليج بدعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، فضلا عن المشاعر غير الودية المضمرة دائما. والغريب أن ذلك التحول فى نظام قائم على المحاصصة الطائفية كان من الممكن التنبؤ به بسهولة فى ظل حقيقة انقسام السنة فى العراق بين العرب والكرد بما يُضعف كلا منهما منفردا، مقابل الترابط الجغرافى والعرقى للمكون الشيعى حتى ولو كانت نسبته أقل من نسبة السنة العرب والكرد مجتمعين.
وفى مواجهة السيطرة الشيعية على الدولة العراقية وارتباطها الوثيق بإيران، وانسلاخ المنطقة الكردية عمليا، أصبح الوضع فى العراق يجسد تمددا للنفوذ الإيرانى ويشكل خطرا على الدول الخليجية. ومن يتأمل عملية استعادة الدولة العراقية لمدينة تكريت مؤخرا ومشاركة الميليشيات الشيعية المسماة الحشد الشيعى فى المعركة، وما قامت به من عمليات تخريب وتدمير وسلب ونهب وتقتيل بعد استعادة المدينة، سيدرك أى منحدر طائفى مروع قد هوى إليه العراق.
وكانت بعض الدول النفطية مصدرا حكوميا أو أهليا لتمويل الجماعات السنية السلفية. وقد تحولت بعض تلك الجماعات إلى منظمات متطرفة وإرهابية تستهدف تقويض السيطرة الطائفية الشيعية على العراق والتى أسس لها الأمريكيون عبر نظام المحاصصة الطائفية. كما أن هناك مشاركة قوية فى أعمال المقاومة للنظام العراقى الراهن من قبل القوى القومية المرتبطة بحزب البعث الذى تم التنكيل به وبأعضائه بصورة مروعة بعد الاحتلال الأمريكي. وكان العراق منذ ذلك الاحتلال مفتوحا لكل أعمال التنكيل بأعضاء حزب البعث وبالقيادات العسكرية العراقية من قبل أجهزة الاستخبارات الصهيونية والإيرانية والأمريكية.
وإزاء تعملق ظاهرة «داعش» وتحولها إلى تهديد للجميع، بات على تلك الدول النفطية هى وتركيا التى لم تكن بعيدة عن تطور وتعملق داعش أن تتخذ موقفا معلنا ضد تلك المنظمة الإرهابية. واختلطت الأوراق فى العراق الذى ترتبط الأزمة فيه بنظيرتها فى سوريا فى الوقت الراهن. ويبدو أن هناك موقفا معلنا من البعض يتناقض مع السلوك الفعلى فى هذا الشأن. وهناك غياب حقيقى للمصارحة مع النظام العراقى بشأن ضرورة إنهاء الميليشيات الشيعية المحمية من النظام والتى قتلت وخربت ونهبت جبالا من الأموال والموارد العامة، وليس استدعاؤها للتخريب فى المنطقة السنية وإحياء كل المرارات والحساسيات. وهناك غياب للمصارحة أيضا بشان ضرورة إعادة بناء النظام السياسى العراقى على أسس وطنية وليس على قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية التى وضع الأمريكيون أسسها التخريبية منذ احتلالهم الإجرامى للعراق.
وفى كل الأحوال يبدو هذا البلد العربى الكبير والذى شكل الجدار الشرقى للوطن العربى مسرحا للدمار والقتل وعبث أعدائه وتطرف وطائفية بعض أبنائه ومن توافد إليهم من إرهابيين من خارج العراق. ويحتاج الأمر لمعجزة فعلا لإعادة الوحدة الحقيقية لبنية المجتمع والدولة القائمة على أساس المواطنة والمساواة بين الجميع أمام القانون دون النظر للدين أو المذهب أو الأصل العرقي.
أما الأزمة السورية فإن العديد من الدول النفطية شاركت بقسط كبير فى توفير التمويل والتسليح والتعبئة للمجموعات الإرهابية مثل جبهة النصرة والقاعدة و»داعش»، والمجموعات التى تستخدم العنف المسلح مثل «الجيش الحر». وساهمت فى عسكرة الاحتجاجات فى سوريا لتفقد حقوقها المدنية وتتحول إلى ألعوبة بيد من يملك التمويل والتسليح. كما ساهمت فى تمويل ودفع قطعان همجية من آلاف الإرهابيين الأجانب لتخريب سورية وتفتيتها. والنتيجة هى مقتل أكثر من 200 ألف وتشريد قرابة نصف السكان فى الداخل السورى او فى دول المنطقة فى ظروف مأساوية. باختصار حولت التدخلات الإقليمية والدولية سوريا إلى وطن يتعرض للحرق والتدمير. والغريب أن الدول النفطية التى تقول أنها تسعى لتثبيت الشرعية فى اليمن ومن قبلها البحرين هى نفسها التى فعلت كل شئ لتدمير الشرعية المناظرة فى سوريا!!
وتواجه سوريا موقفا بالغ الحرج، فوحدة الشعب والدولة صارت على حد السيف، وليس هناك من حل إلا عندما تكف قوى الشر الإقليمية والدولية عن التدخل فى هذا البلد العربى الكبير، ويتم القضاء على قوى الإرهاب المدعومة دوليا وإقليميا مثل جبهة النصرة وداعش وكلاهما منتجات سلفية وهابية متخلفة، ليتم بعدها الاحتكام للشعب فى انتخابات ديمقراطية حرة وخاضعة لرقابة عربية ودولية نزيهة لا تتضمن كل من شارك فى تخريب سوريا.
وإذا كان تنظيم داعش قد تعملق فى سورية قبل انتقاله للعراق، فإن تركيا وبعض الدول النفطية والقوى الدولية التى تدعى مواجهته هى نفسها المسئولة عن تمويله وتسليحه وإدخاله لسورية وتعملقه!! ويبدو الأمر أقرب للكوميديا السوداء. وإذا كان من أخرج الشيطان من قمقمه هو المنوط به إعادته إليه، فإن الأمر فى غاية الصعوبة فى الواقع فى ظل تعقد شبكة المصالح التى أخرجت شيطان الطائفية من قمقمه لإشعال الاقتتال الأهلى وهدم الدول الوطنية فى المشرق العربى واستمرار رغبتها فى تحقيق هذا الهدف رغم كل ما ينطوى عليه من مخاطر للجميع.

ليبيا ومعركة المصير للدولة الموحدة

فى شمال إفريقيا تبدو ليبيا تجسيدا حيا للفوضى المدمرة التى أصابت الوطن العربى بفعل التدخلات الغربية التى دفعت فى اتجاه عسكرة الاحتجاجات ضد النظام السابق واستصدرت قرارا دوليا للتدخل فى ليبيا ضد ذلك النظام. ولم يفرق حلف شمال الأطلنطى بين تغيير النظم وهدم الدول، فهدم مؤسسات الدولة الليبية وهى أساس وحدتها. ووضع هذا البلد العربى المثقل بتركة قبلية حاضرة على حافة التشظى لولا وجود الجيش وبعض القوى المؤمنة بالدولة الوطنية والتى تحاول إنقاذ ليبيا من المصير الصومالي، ومن التحول إلى بؤرة جامعة للقوى الإرهابية ومهددة للاستقرار والسلم فى الدول المجاورة. ورغم صعوبة المعركة فإن التعاون بين ليبيا والدول المجاورة يعزز من إمكانيات انتصار القوى التى تقاتل من أجل إبقاء وحدة الدولة الوطنية الليبية. لكنها معركة صعبة يتوقف عليها مصير ليبيا ووحدة ترابها الوطنى وقدرتها على مكافحة الإرهاب الذى يهدف للتوطن فيها.
وإجمالا يمكن القول إن حالة الفوضى المدمرة التى تنتشر فى بعض البلدان العربية هى فوضى مخربة للدول والمجتمعات، وهى مجمع لخطايا النظم الحاكمة والتدخلات الإقليمية والدولية المدمرة. وإذا كان هناك من أمل فى أى بناء اجتماعى وسياسى مستقر وآمن وقادر على التطور فى المستقبل فلابد أن ينهض من خلال العودة لموائد المفاوضات وحل الأزمات سلميا واحترام إرادة الشعب كحكم حاسم من خلال الانتخابات الحرة الديمقراطية. ولابد من أن ينهض أى بناء جديد على احترام الحريات وحقوق الإنسان وكرامته والمساواة بين البشر بغض النظر عن الدين أو المذهب او النوع أو الأصل العرقى والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وهذه القواعد وحدها هى التى تؤسس لبناء التلاحم الاجتماعى والاستقرار القائم على التراضى والانتماء والاستعداد للتضحية من أجل الوطن، وليس الاقتتال الأهلى الذى يخربه ويتيح لقوى الشر الإقليمية والدولية التدخل فيه بصورة مدمرة.
لمزيد من مقالات أحمد السيد النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.