الأمر الذى لا شك فيه أن الحرب التى تقودها الولاياتالمتحدة على الإرهاب تحت مسمى الحرب على تنظيم (داعش) بعد أن استطاع هذا التنظيم السيطرة على مناطق واسعة تضم محافظات مهمة فى سوريا والعراق والتهديد بالتمدد نحو بغداد، سوف تؤدى ضمن نتائجها المتعددة إلى تأسيس تحالفات إقليمية-دولية جديدة، وإلى تفكيك تحالفات كانت قائمة من بين هذه التحالفات، ذلك التحالف الفرعى الذى يتأسس على أسس من التداعيات المترتبة على تأسيس التحالف الأكبر الدولى-الأمريكى، الذى تقوده واشنطن بين كل من قطروتركيا. فالدوحة متهمة مع دول أخرى من بينها تركيا والسعودية ومنظمات وهيئات أهلية فى عديد من الدول العربية الخليجية بتمويل المنظمات الجهادية التى تقاتل فى سوريا منذ منتصف عام 2011، أى بعد أشهر من اندلاع الثورة الوطنية السورية فى مارس عام 2011، عقب تفجر ثورتى تونس ومصر ذات العام. التمويل امتد إلى التسليح وربما القتال غير المباشر فى ليبيا، وكان أيضًا له أصداؤه فى اليمن والثورة اليمنية، وهذه التدخلات هى المسؤولة الآن عن انتكاسة الثورة اليمنية والمأزق الخطر الذى يواجه اليمن الآن تحت تهديد الحوثيين (قطاع من الزيديين المنتسبين قبليًّا وطائفيًّا «شيعيا» إلى عبد الملك الحوثى). لكن إذا كانت هذه الأدوار قد استطاعت أن تسقط أنظمة (حالة ليبيا)، وأن تحتوى ثورات (اليمن)، فإنها فى سوريا كانت مؤسسة لظاهرة الإرهاب، عندما تحولت المنظمات الجهادية إلى «إرهابية» لأسباب كثيرة منها عنف النظام، ومنها التقاعس الدولى عن دعم الثورة السورية لإسقاط النظام، لكن الأهم هو اختراق تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهرى معظم هذه المنظمات التى أخذت تتحول نحو «الإرهاب» والانحراف بالثورة السورية من ثورة وطنية، هدفها إقامة دولة «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية»، إلى إقامة «دولة الخلافة الإسلامية»؛ لذلك تحولت إلى مقاتلة ما كان يسمى ب«الجيش السورى الحر» الذى كان يحظى بالدعم الغربى والعربى والسعودى بصفة خاصة. هذا الدور القطرى المتحالف مع تركيا وأطراف عربية أخرى اصطدم مع السياسة السعودية إزاء الثورة السورية، وكذلك مع سياسة الإمارات فى فترة حكم الإخوان مصر، لكن صدامه مع الإمارات والسعودية تجلَّى بعد سقوط حكم الإخوان، حيث دعمت السعودية والإمارات الحكم الوطنى الجديد فى القاهرة، بينما انحازت قطر إلى الإخوان، ومنحت «ملاذًا آمنًا» على أراضيها، بعد أن غادر معظم القادة مصر هروبًا من استدعاءات قضائية إلى قطروتركيا، وبعد أن قامت البلدان بالدور (الدعم المالى والإعلامى والسياسى)، خصوصًا فى المحافل الدولية للإخوان وتحركهم لإسقاط ما يسمونه ب«حكم الانقلاب فى القاهرة»، الأمر الذى فاقم العلاقة بين السعودية والإمارات ومعهما البحرين مع قطر، خصوصا بعد تورط قطر فى إيواء قيادات إخوانية من هذه البلدان مطلوبة للعدالة، لكن الأهم هو تورطها فى التحالف المعادى للقاهرة والمنحاز إلى أنقرة، هو تورطها أيضا فى تجنيس أعداد كبيرة من مواطنين بحرينيين أبناء عائلات وقبائل لها وزنها التاريخى والسياسى فى مملكة البحرين. هذه السياسة القطرية دفعت الدول الثلاث إلى سحب سفرائها من الدوحة بعد الفشل المتواصل فى إنجاح كل الوساطات التى استهدفت منع قطر من مواصلة سياستها العدوانية، التى تهدد الأمن الوطنى للدول الثلاث، لكن ظهور خطر «داعش» فرض على كل الأطراف تقديم تنازلات، وكانت زيارة الوفد السعودى عالى المستوى الدوحة، الذى ضم الأمراء: سعود الفيصل وزير الخارجية، وخالد بن بندر رئيس الاستخبارات العامة، ومحمد بن نايف وزير الداخلية، فاتحة لمرحلة جديدة من العلاقات بين السعودية والإماراتوالبحرين مع قطر، وظهرت معالم التحول الجديد فى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الذى عقد فى جدة، والذى أظهر تقاربًا مع قطر وإشارات إلى تجميد الخلافات وتلميحات بعودة قريبة للسفراء إلى الدوحة، الأمر الذى أثار تساؤلات حول دوافع ذلك: هل هو محاولة تجمع كل القوى ضد الحرب على «داعش» والإرهاب، أم أن قطر قدمت تنازلات ورد النص عليها فى ما يعرف ب«إعلان الرياض»؟ الإجابة جاءت لتقول إن قطر تتجه فعليا مع أشقائها الخليجيين فى الاتجاهين: الانخراط فى معركة الحرب على الإرهاب، والتجاوب مع مطالب الأشقاء فى «إعلان الرياض»، وعبرت الدوحة عن ذلك فى قرارين، الأول المشاركة فى مؤتمر جدة الذى حضره وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى لتأسيس تحالف دولى-إقليمى للحرب على «داعش»، والمشاركة بعد ذلك فى «مؤتمر باريس» للغرض نفسه، والثانى هو إبعاد سبعة من قادة الإخوان عن الدوحة. لكن لم تمضِ أيام إلا وتأكد أن قطر ما زالت تدعم الإرهاب، خصوصا تنظيم «النُّصرة» فى سوريا التابع لتنظيم «القاعدة»، كما تبين بالدليل القاطع أن قطر تناور فى موقفها مع الإخوان، وأنها تتفاهم مع تركيا لتوفير ملاذات آمنة لهم، وأنها سوف تتولى رعايتهم والإنفاق عليهم أينما كانوا، كما تأكد وعلى لسان مسؤولين بحرينيين كبار أبرزهم وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، الذى أعلن أن بلاده «قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات معاكسة ضد قطر، نتيجة استمرار الدوحة فى إغراء المواطنين البحرينيين بالحصول على الجنسية القطرية والتخلى عن جنسيتهم البحرينية الأصلية»، حدث هذا فى ذات الوقت الذى رفضت فيه تركيا الانخراط فى الحرب ضد «داعش»، والتوجه نحو تكثيف علاقاتها مع الدوحة. وكانت زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى قطر فى ذروة المواجهة مع «داعش» يوم 14 سبتمبر الجارى، تعبيرا صارخًا عن تحدى أنقرةوالدوحة الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب. أردوغان كان حريصًا على أن يؤكد وهو فى طريقه إلى الدوحة «استمرار العلاقات الوثيقة مع قطر فى ظل رئاسته للجمهورية، كما كانت فى فترة رئاسته للحكومة»، ومشيرا إلى أن «رؤية تركياوقطر للمسائل الإقليمية تتقاطع بشكل كبير». تأكيدات مفادها أن «محور الدوحة-أنقرة» سيكون من أبرز المحاور الجديدة التى ستفرض نفسها على المنطقة ضمن تداعيات الحرب الجديدة على الإرهاب، وربما يكون هذا المحور هو أبرز معالم التحالف مع هذا الإرهاب.