أن تشتري ما هو محظور بيعه هذا أمر غير قانونيًا لا جدال فيه، لكن أن تحتار بين تصريحات وإهمال وضبابية تلك هي المشكلة. مركز صحة أسرة إمبابة أو الوحدة الصحية كما يطلق عليها سكان المنطقة، مكان.. يرتاده المرضى المجاورين للمركز كما تعودوا عليه، لكن شكواهم تكمن في "إزاي اشتري علبة دواء مكتوب عليه غير مخصصة للبيع". بعد أن تفاقمت تلك الشكاوي، زارت شبكة الإعلام العربية "محيط" المركز لمحاولة الوقوف على حقيقة الوضع، وخرجت بالحصيلة التالية.. "تذكرة بقيمة ثلاثة جنيهات لطفل يبلغ من العمر ثماني سنوات.. والانتقال بعدها لحجرة الكشف وتشخيص المرض وتحديد الدواء الملائم له، إلى هنا يبدو الأمر طبيعيًا.. نصل إلى مرحلة صرف الدواء من صيدلية المركز، فتجد ورقة بخط اليد مفادها أن المواطنين أصحاب الملفات بالمستشفى ومؤمن عليهم يصرفون الدواء بثلث ثمنه لكن المواطنين العاديين يدفعون السعر الجبري. بعد أن يأخذ الصيدلي التذكرة يحدد قيمة الدواء ويطلب من المواطن دفع المقابل المادي من شباك التذاكر ويحصل بعدها على قسيمة تحصيل بقيمة المبلغ الذي دفعه، ويصرف بعدها الدواء الذي هو غير مصرح ببيعه وتابع لوزارة الصحة وقطاع التأمين الصحي وعبارة "محظور بيعه" أو "غير قابل للبيع" مدونة على العبوات. المركز يعمل وفق برنامج طب الأسرة الذي شرعت وزارة الصحة في تنفيذه منذ عام 1998؛ إلا أن عام 2009 كان محوريا في طريقة التعامل داخل المركز. قبل هذا العام كان العلاج حكومي واقتصادي وسعر تذكرة الكشف بجنيه واحد حتى تحول لنظام الأسرة مع بدء عهد مديرة المركز الدكتورة عواطف محمد، حسبما أوضح أحد المواطنين من قاطني المنطقة المحيطة بالوحدة الصحية. وفقا لمعلومات حصلت عليها شبكة الإعلام العربية "محيط" من أحد المواطنين الذين يشكون من أداء الوحدة الصحية ويدعى محمد عبد السلام والذي ردد بعض الاتهامات، فإن مخصصات المركز المالية لتوفير الأدوية اللازمة له من الشركات العاملة في هذا المجال، يتم اقتطاعها لحساب مديرين المركز ووزارة الصحة والحصول على الأدوية المجانية المتراكمة داخل مخازن وزارة الصحة وتحديدًا من مخزن بالعمرانية تابع لمديرية الشئون الصحية بالجيزة. بحسب قوله، فمراكز طب الأسرة ليس لها حق الحصول على أدوية وزارة الصحة، فمن المفترض أن تحصل على الأدوية من الشركات عن طريق المناقصات، ورغم وجود مخصصات من صندوق المركز تبلغ قيمته حوالي 36% لتوفير عروض من شركات الأدوية لكن ما يتم هو الحصول عليها من وزارة الصحة عن طريق الإدارة المركزية للشئون الصيدلية. أحد المواطنين المتواجدين ويدعى حسان محمود بالمركز، قال إن هناك طريقتين في التعامل داخل المركز الأولى عن طريق ما يسمى بالملفات وهو نظام يسمح للمريض أن يحصل على الدواء بثلث ثمنه كذلك الأشخاص المؤمن عليهم، والطريقة الأخرى هي التعامل بالسعر الطبيعي المعتاد. وأضاف: "أحيانا في بعض الأدوية تكون الأسعار أغلى من الصيدليات الخارجية.. لا نعرف أين تذهب أموالنا التي ندفعها في دواء مجاني ولا نعرف لصالح من، لكن مجبرين على الكشف هنا". إقرار بالموافقة "صمت وزارة الصحة والوزير عن المركز هو إقرار بالموافقة عما يحدث به".. هذا ما قاله مدحت محيي الدين مسئول الاتصال السياسي بحملة "مين بيحب مصر"، مضيفا "هم يسترزقون من أدوية الغلابة ويحصلون على الدخل منها، وكلهم مستفيدون من مدير المركز حتى المسئولين، لأن الأدوية مجانية ومحظور بيعها". وتابع: "إذا كان هناك قرارًا لبيع الأدوية في تلك المراكز الصحية فليخرجوه إلى العلن بدلا من الصمت.. هي قرارات شفوية وغير مكتوبة لأنها مخالفة للقانون وفي ظل غياب الرقابة والتشريع". وأشار إلى أن النيابة الإدارية تجري تحقيقات في هذا الشأن منذ شهور مع المسئولين بالوزارة والوزير شخصيا لأنه يعلم بما يحدث ويسكت عنه، بحسب قوله. واعتبر أن عدم اتخاذ قرارات حتى الآن بسبب "التواطؤ"، مبينا أن إدارة التفتيش التابعة للوزارة تغلق الصيدليات التي تباع فيها الأدوية الخاصة، متسائلا عن أسباب تطبيق ذلك القرار في المراكز الصحية الحكومية. وقال محيي الدين في ختام حديثه ل"محيط": "الأدوية المدعمة مثل الخبز المدعم.. فكيف نضيع ملايين الجنيهات في قناة صحتي الفضائية التي لا يتابعها أحد ونهمل تطوير المستشفيات وإمدادها بالأدوية اللازمة.. فالأمر الآن هو بيزنس وتجارة في آلام المرضى". نظام فاشل من جانبه، قال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق في الصحة، إن نظام طب الأسرة معمول به منذ مشروع الإصلاح الصحي في الفترة بين عامي 2003 و2004، وهي مراكز تقدم خدمة للمريض بمقابل مدفوع بخلاف المستشفيات الحكومية، مضيفا أنه كان يطبق على أي مواطن ليس له تأمين صحي في البداية ويصرف العلاج بثلث الثمن بعدها شمل المؤمن عليهم أيضا وهم من يصرفون الأدوية بدون مقابل. ووصف الدكتور خليل بأن مشروع نظام طب الأسرة ب"الفاشل"، مشيرا إلى أن الهدف منه كان خدمة مشروع خصخصة القطاع الصحي والطبي. وأوضح وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي حين أصدر قرار رقم 736 لسنة 2007 بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية كان الهدف هو أن تمتلك تلك الشركة التأمين الصحي وتدار بعدها المنظومة على أساس تجاري ربحي ويحق لها بيع مستشفيات القطاع العام كما تشاء". وأبيّن أن هذا المخطط فشل بعد رفع دعاوي قضائية من ثلاث هيئات، وقبلت هذه الدعاوي وتم الحكم فيها في سبتمبر 2008 بوقف إنشاء هذه الشركة، منوها إلى أن في حالة إتمام ذلك المخطط كان نظام طب الأسرة هو النظام الأساسي المعمول به في كل المستشفيات". وأكد رئيس لجنة الدفاع عن الحق في الصحة أنه في بداية عمل مراكز طب الأسرة كانت تصرف الأدوية للمرضى بثلث الثمن، لأنها كانت تمتلك ميزانية من الاتحاد الأوروبي، لكن بعد أن انتهت أصبح المواطن يدفع نسبة من ثمن الدواء، موضحا أنه لا يمتلك معلومات كافية بشأن ما إن كان يحق لهذه المراكز الحصول على الأدوية من التأمين الصحي أم شركات الأدوية. لكنه قال، إن بيع أدوية التأمين الصحي المحظور بيعها في أي مكان أمر غير قانوني. اللائحة وصندوق الخدمات تنص المادة 18 من الدستور المصري أن "تلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين في اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم، ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة." وتنفيذا لتلك المادة أصدر رئيس مجلس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، قرارا رقم 1063 لسنة 2014، والذي نص على إلزام جميع المنشآت الطبية الجامعية والخاصة والاستثمارية المرخص بإنشائها طبقا لأحكام القانون رقم "51" لسنة 1981، والمستشفيات التابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، بتقديم خدمات العلاج لحالات الطوارئ والحوادث بالمجان لمدة "48" ساعة. ووفقا للقرار فإن بعد ذلك الزمن يخير المريض أو ذويه في البقاء بالمنشأة على نفقته الخاصة بالأجور المحددة المعلن عنها أو النقل الآمن لأقرب مستشفى حكومي. وطبقا للائحة المعدلة من اللائحة الصادرة عام 1997 الخاصة بتشغيل المستشفيات العامة والمركزية والنوعية والوحدات التابعة لوحدات الإدارة المحلية، فإن تقديم الخدمة للمرضى مجانا بالمستشفيات من الساعة التاسعة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، وبعدها يكون تقديم العلاج بأجر، على أن يتم تخصيص ما لا يقل عن 40% من أسرة المستشفى للعلاج المجاني، وأن يكون لمجلس إدارة المستشفى الحق في زيادة أسعار العلاج 10% عند التعاقد مع الشركات والهيئات والتأمين الصحي. وطبقا للائحة نفسها فإن صندوق تحسين الخدمة بالمستشفيات والوحدات الصحية توزع حصيلته بعد تجنيب ثمن الأدوية وأفلام الأشعة والمستلزمات الطبية لأقسام العلاج بأجر وثمن عبوات الدواء بالمستشفى والتي تبلغ قيمتها 40%، ويحصل الأطباء والعاملين بالمستشفى على 48% وفقا لقواعد المادة 17 من اللائحة ذاتها. بروتوكول بين المركز والمديرية حملت شبكة الإعلام العربية "محيط " كل هذه الاتهامات إلى الدكتور حسام عبد الغفار المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، ورفض الإدلاء بأي تفاصيل سوى الاكتفاء بالقول إن مراكز طب الأسرة لا تصرف الدواء بالمجان، ولكن تشتريها من الوزارة بموجب بروتوكول تم توقيعه بين هذا المركز ومدرية الصحة بالجيزة.