75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    الأوقاف تعلن أسماء المرشحين للكشف الطبي للتعاقد على وظيفة إمام وخطيب من ذوي الهمم    لمدة 15 يوما.. وزير الإسكان: غداً.. بدء حجز الوحدات السكنية في «بيت الوطن»    «الإحصاء»: 4.1 مليار دولار صادرات مصر لتركيا خلال عام 2023    الأردن.. الخصاونة يستقبل رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للمملكة    مؤشر egx70 يرتفع.. البورصة تقلص خسائرها في منتصف تعاملات اليوم الثلاثاء    «مياه أسيوط» تستعرض تنفيذ 160 ألف وصلة منزلية للصرف الصحي    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    بنك مصر شريكا ومستثمرا رئيسيا في أول منصة رقمية للمزادات العلنية «بالمزاد»    بوتين يوقع مرسوم استقالة الحكومة الروسية    أوكرانيا: مقتل وإصابة 5 أشخاص في قصف روسي على منطقة سومي شمالا    مسؤول إسرائيلي: اجتياح رفح يهدف للضغط على حماس    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    الإليزيه: الرئيس الصيني يزور جبال البرانس الفرنسية    مؤرخ أمريكي فلسطيني: احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا على الجانب الصحيح من التاريخ    قبل موقعة بايرن ميونخ| سانتياجو برنابيو حصن لا يعرف السقوط    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    أول صورة للمتهم بقتل الطفلة «جانيت» من داخل قفص الاتهام    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    تأجيل محاكمة المتهمة بقت ل زوجها في أوسيم إلى 2 يونيو    ضبط شخص بالمنيا يستولى على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بالمواطنين    مهرجان المسرح المصري يعلن عن أعضاء لجنته العليا في الدورة ال 17    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    بأمريكا.. وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلاً غنائيًا    في يومه العالمي.. تعرف على أكثر الأعراض شيوعا للربو    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضمن حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية ب3 قرى في أبوتشت    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية معصرة حجاج بمركز بنى مزار    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    «تعليم الإسماعيلية» تنهي استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    جمهور السينما ينفق رقم ضخم لمشاهدة فيلم السرب في 6 أيام فقط.. (تفاصيل)    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    العاهل الأردني يطالب بمضاعفة المساعدات الإنسانية إلى غزة وإيصالها دون معيقات أو تأخير    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقاد عن العندليب ل"محيط": قدم أسلوب غنائي جديد وسحب البساط من عمالقة الغناء
نشر في محيط يوم 26 - 03 - 2015

يمر بعد بضعة أيام 38 عاماُ على ذكرى وفاة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، الذي توفي في يوم 30 مارس عام 1977 ومازال يعيش في وجدان الشعب المصري، بل والوطن العربي كاملاً، حتى الشباب اللذين لم يعاصروه تغنوا بأعماله التي وجدوا أنها تعبر عنهم رغم انطلاقها منذ عشرات السنين.
تحدث بعض النقاد والملحنين في شهاداتهم عن عبدالحليم ل"محيط"، مؤكدين أنه جاء في فترة زمنية ساعدته على النجومية على الرغم من ظهوره مع وجود عمالقة الغناء، إلا أنه استطاع أن يسحب منهم البساط رغم أنه لم يكن الأفضل صوتاً، إلا أن موهبته وذكاءه وصدق تعبيره كانوا مؤهلاته للنجاح، فهو أيضا المطرب الوحيد الذي نجح في أن يتقن التمثيل وأن تكون له بصمة واضحة فيه، ومن بعده يأتي محمد فوزي وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب....
قال المؤرخ الموسيقي د. زين نصار أستاذ الموسيقى في المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون في شهادته ل"محيط": "عبدالحليم حافظ شخصية موسيقية موهوبة جدا، لكن الناس عندما يتحدثون عنه في أغلب الأحيان، يتحدثون عن المطرب جميل الصوت، الشديد التعبير عن الكلام الذي يغنيه، لكنهم ينسوا أنه كان موسيقيا محترفاً ويعزف على آلة "الأبوا" في أوركسترا الإذاعة المصرية بعد أن تخرج من المعهد العالي للموسيقى المسرحية، والتي استفاد منها في الغناء لأن طبيعة هذه الآلة تجعل العازف يحبس كمية كبيرة من الهواء بداخل صدره ثم يضخها بشكل مركز في الأنبوب الرفيع الموضوع في فم الآلة، وهذه العملية أفادت عبدالحليم جدا عندما تحولت إلى غناء، فيستطيع أن يقول جملة طويلة دون أن يقطعها ليأخذ نفسه.
كل زملاءه شجعوه للاتجاه للغناء لأنهم كانوا يعلمون أن صوته جميل عندما كان يغني في المعهد، والغناء هو الذي جعله نجماً وعوضه عن ما آساه في حياته؛ فعبدالحليم كان يتيم الأم والأب في أول حياته، وعائلته كانوا يتشاءمون منه ويقولون له "أنت شؤم موت أمك".
وبعد اتجاهه إلى الغناء كان من أهم ما ميزه هو أنه أتى بأسلوب جديد في الغناء؛ حيث صادفه النجاح بسبب لقاءه مع الملحنين كمال الطويل ومحمد الموجي اللذان قدما له أعمالا في مطلع حياته الفنية في اتجاه جديد في التلحين استطاع من خلاله أن يخرج من عباءة ما هو سائد قبل ذلك، ولقي هذا الاتجاه نجاحا من قبل الجمهور، ثم انتقلوا من نجاح إلى نجاح.
كان شخصية شديد الموهبة، وشديد الذكاء، وشديد الجرأة.. جرأته وشجاعته وموهبته العالية جداً هي التي قادته إلى إجراء تجارب جديدة في الغناء المصري، وساعده على ذلك أن الموسيقي العبقري علي إسماعيل كان أحد زملاءه في المعهد العالي للموسيقى المسرحية؛ ولذلك وزع له أعمالاً كثيرة وخصوصا الأغاني الوطنية التي شاهدناها في العروض "الأبيض والأسود" بالاحتفالات القومية لثورة 23 يوليو وغيرها وعرضت في التليفزيون المصري، وكان عبدالحليم حافظ يغني ووراءه جيش من الموسيقيين والكورال بقيادة علي إسماعيل.
ومع ظهور عبدالحليم حافظ بأسلوبه الجديد في الغناء توارت أسماء كبيرة إلى الظل؛ فعبدالحليم أقداره وضعته في أن يكون مطرب الثورة، وقتما غنى "صافيني مرة" في الاحتفال الذي كان يعقد في حديقة "الأندلس" عند كبري "قصر النيل" في يوم 18 يونيو عام 1953؛ حيث أنه كان سيصعد ليغني دوره في الحفلة، فقالوا له انتظر، وصعد يوسف وهبي على المسرح وأعلن أن مجلس قيادة الثورة يعلن إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية في مصر، فالناس فرحت وصفقت بشدة، ثم قدموا لعبدالحليم "الآن نقدم لكم المطرب الجديد عبدالحليم حافظ"؛ ولذلك فهو نزل على موجة عالية جدا. كما أنه واكب بجانب أغاية العاطفية والوصفية، للأحداث الوطنية في مصر.
في عام 1956 قدم عمل "الله يا بلادنا.. الله على جيشك والشعب معاه" بعد الانتصار السياسي، ثم غنى "في أيدي الزمام"، وكان أول لقاء له مع الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي عشق أعماله في مجال الأغنية الوطنية، ثم غنى "بلدي يا بلدي ولا أحلويتي يا بلدي"، و"صورة"، وسار في هذا الاتجاه. وعندما دشن السد العالي في 9 يناير عام 1960 غنى "حكاية شعب"، من كلمات أحمد شفيق وألحان كمال الطويل، وكانت تجربة جديدة نجحت وقامت بعمل تصوير حقيقي لحكاية الشعب المصري مع السد العالي، واستمر عبد الحليم في ذلك.
أغاني النكسة
وفي هزيمة 1967 لم ينكسر عبدالحليم حافظ، بل كان داعماً للكفاح الوطني المصري، وغنى "أحلف بسماها وبترابها"، "خلي السلاح صاحي"، "يا صبية"، "قومي يا مصر"، "المسيح"، و"الفدائي"، بعد ذلك غنى "أبنك يقولك يا بطل"، "موال النهار"، "البندقية أتكلمت"، "عاش اللي قال"، "صباح الخير يا سينا"، كل هذا غناه في حرب الاستنزاف ثم مع انتصارات أكتوبر. وعندما افتتح الرئيس السادات قناة السويس للمرة الثانية في 5 يونيو عام 1975 غنى عبدالحليم أغنية "المركبة عدت". أما أغنية "صورة" فجمعت كل فئات الشعب في تلك الأغنية العبقرية.
مع التمثيل
أثبت عبدالحليم أنه ممثل قدير، وقدم نحو 16 فيلما أولهم "لحن الوفاء"، وآخرهم "أبي فوق الشجرة" عام 1969، وشاركه التمثيل كبار الفنانات في ذلك الوقت، وكان ممثلا متميزاً جداً حيث أقنع الناس أنه ممثل حقيقي جدير بالتقدير، كما كان صادقاً بشكل كبير جداً وهو يغني أغانيه بكل أشكالها العاطفية، الوطنية، الدينية، الوصفية، وكان دائماً الصدق في تعبيره الفني هو سر نجاحه سواء في التمثيل أو الغناء، فكما يقال "كان بيغني ويمثل من قبله".
اتجاهه الجديد في الغناء
نفع عبدالحليم ذكاءه الحاد لأنه كان يخطط لنفسه أن يكون له أسلوب متميز على الرغم من أنه خرج وسط عمالقة الغناء، إلا أنه سحب منهم الجمهور بعد أن غنى "صافيني مرة" و"على قد الشوق"؛ حيث ألتف حوله الشباب وعشقوا أغانيه، إلا أنه تم مهاجمته في ذلك الوقت، وعندما أدى اختبار الإذاعة كانوا لا يريدوا نجاحه باعتبار أنه يغني غربي، لكنه قدم تجربة ناجحة ولوناً جديداً في الغناء لم يخرج كثيرا عن الموسيقى العربية، وذلك في أسلوب غناءه نفسه، فمن لحن له أفضل أغانيه هم الموجي والطويل، والموجي كان يتعلم في قصائد عبدالوهاب وأم كلثوم ومتمرس في الموسيقى العربية. كما كانت موهبة عبدالحليم عالية جداً من الناحية الموسيقية، لكنه كان مريضاً من الناحية الصحية قبل وفاته بفترة طويلة، وكان ذلك يعوقه عن الانطلاق، لكنه عوض ذلك في التفكير باختيار كلمات جيدة، وارتباطه بالجانب الوطني حيث أن أغانية الوطنية غطت على أغلب أعماله، وهذا على الرغم من تعلق الجمهور بأغانيه الرومانسية.
مرحلة التدريس
بعد تخرجه من المعهد العالي للموسيقى المسرحية، عمل بالتدريس في وزارة التعليم، وكان يسافر إلى طنطا كل يوم لأنه يعمل مدرس في الصباح وعازف في الليل، فصحته أرهقت جداً؛ لذلك ساعده كمال الطويل في العمل بأوركسترا الإذاعة لأنه كان مساعد لمدير الموسيقى في الإذاعة وقتها، وتوسط له أحد الأشخاص كي يقوم وزير التربية والتعليم أحمد نجيب هاشم برفده من الوزارة لأنه كان ممنوع رفد من يعمل بالتدريس وقتها، وعندما قابل هاشم بعد ذلك عبدالحليم في إحدى الفيلات بروما مازحه وقال له "شوفت بأة أما رفدتك نفعتك أزاي". وساعده التحاق عبدالحليم بالأوركسترا على تحسن حالته المادية والصحية والتفكير في اقتحام عالم الغناء.
قالوا عنه
تمسك عبدالحليم حافظ بفرقته لدرجة أنه كان يرفض أن يغني من دونها، وكانت فرقته تتكون من زملاءه في المعهد العالي للموسيقى المسرحية. حكا لي "أحمد فؤاد حسن" في حديث مسجل، أن أحد شركات الأسطوانات في بداية حياة عبدالحليم الفنية عرضت عليه أن تسجل له أسطوانة، وكانت فرصة لا تعوض، لكنهم طلبوا منه أن يغني مع فرقة موسيقية كبيرة ضمن الشركة، فرفض، وكاد العقد أن يفسخ، ثم تركوه يسجل على مسئوليته، ونجحوا وسميت الفرقة بعد ذلك بالفرقة "الماسية" وكانوا متمسكين جدا كأصدقاء مع الشعراء. وعندما وجد الموجي عبدالحليم قال أنه وجد نفسه في صوته؛ لأنه كان يرغب في أن يكون مثل محمد عبدالوهاب يغني ويلحن، لكنه عندما ظهر عبد الحليم صرف نظر عن الغناء كمحترف لكنه كان يغني قليلا.
ذكريات
حكى لي أحمد شفيق كامل – صاحب كلمات أغنية ذكريات - على الهواء في برنامج "صوت العرب" منذ عده سنوات، أنه كان بطل أغنية "ذكريات" التي قام بتلحينها محمد عبدالوهاب؛ حيث أنه الشاب الذي مر بواقعة "طيرتهم وطيرتنا" وكان أحد أفراد العراك الذي ذهب إلى القسم.
أتذكر في تسجيل لي مع محمد رشدي حكا أنه كان ذات مرة مع عبدالحليم في معهد "فؤاد" وذهبوا لأحد الأكشاك أمام المعهد ليشربوا "حاجة ساقعة"، وكانت تذاع إحدى الأغاني في الراديو فقال رشدي لعبد الحليم "تعرف أن الأغنية دي تشبة أغنية لك"، فتعصب عبدالحليم قائلا: "لا يا أستاذ أنا أسلوب ولا أقلد أحد"، وهذه الواقعة توضح أن عبدالحليم كان ينفذ خط رسمه له كموسيقي محترف ويعرف ما يقوم به، فعبدالحليم لم يكن مجرد مطرب، بل موسيقي على أعلى مستوى، اختار بدقه كلمات أغانيه ومن يلحنون ويوزعون له، لكن الفنانين حاليا يريدوا الكسب السريع بأقل جهد ممكن، أما عبدالحليم فكان يعيش في عمله ليل ونهار.
شخصيته وكرمه
في اللقاء الذي أجريته مع الفنان محمد رشدي قال عنه أنه كان إنسان ومحترم وأخ وصديق، وكان يأخذه معه دائما إلى المغرب لأنه لديه أطفال ويشتري لأولاده الهدايا، فكانت إنسانيته عالية جدا ومراعاته لزملائه.
هذا الجيل من نجوم الغناء والتمثيل لم يتكرر لسبب بسيط، هو أنهم وهبوا حياتهم للفن، وعبد الحليم حافظ كان صادقا في كل أعماله معبرا من أعماقه عن كل كلمة يغنيها؛ ولذلك يعيش اليوم بيننا على الرغم من أنه توفي في 30 مارس عام 1977، ومازال مع أم كلثوم أكثر المطربين الموجودين على الساحة، وفي ثورة 25 يناير لم يجد الشباب سوى أغاني "صورة" و"يا حبيبتي يا مصر"... لتعبر عنهم، أي الأعمال الفنية التي أنتجت بإخلاص في عصر كانوا كل الفنانين فيه مخلصين، سواء في الغناء، أو السينما، أو الفنون التشكيلية وفي كل الاتجاهات".
أما الناقد الموسيقي د. وليد شوشة أستاذ الموسيقى في المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، ومدير متحف "أم كلثوم" سابقا، فقال في شهادته ل"محيط": "أرى أن عبدالحليم حافظ كان ظاهرة فنية استثنائية جداً، ليس على عبقريته بقدر أنها عبقرية المرحلة والفترة الزمنية، يظهر في مرات عديدة فنانين مهمين جداً في فترة ليست جيدة، لكن عبدالحليم حافظ جاء في فترة غاية في الخصوصية؛ لأنه كان هناك تاريخ مطول جداً من أساطين النغم اللذين كانوا يلعبون أدوار موسيقية متكررة، ولو رأينا من سبقوا عبدالحليم حافظ من طبيعة التلحين فهم: رياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، الفرسان الثلاثة الذين كانوا مسيطرين من واجهة موسيقية، وبالطبع كانوا هم المتصدرين للمشهد حتى على المستوى السياسي، وهؤلاء من لحنوا لأم كلثوم أيام الملكية وما بعدها؛ حيث أنتجوا أهم أعمالها، والتي عملت على احتكارها للموسيقى والغناء في مصر لفترة من الزمن، وكان ينافسها بشكل أو بآخر محمد عبدالوهاب الذي كان مصنع للأفكار الجديدة، وهذه كانت الحالة الموسيقية إبان تلك الفترة.
أهمية الفترة الزمنية
ما حدث خلال هذه الفترة على المستوى السياسي ما يعرف بثورة يوليو 1952، وبالضرورة الثورات تغير المشهد الثقافي والفني، كما أنه تم استنفاذ أفكار الفرسان الثلاثة، فبدأ يظهر صوت جديد بطريقة جديدة برسالة موسيقية مختلفة، أغنية قصيرة توضع في الأفلام. بالإضافة إلى أننا لا يجب أن ننسى أن المطرب الوحيد الذي نجح كممثل في التاريخ الفني والثقافي في مصر هو عبدالحليم حافظ؛ فهو الوحيد الذي أخذ خط متوازي في الموسيقى والغناء والتمثيل، وله عدد من الأعمال مهمة جدا أحدثت نقلة على مستوى التوزيع الجماهيري مدهش؛ حيث كان عبدالحليم معبر عن المرحلة التي ظهر فيها.
إذا كان عندنا متلقيين كانوا عندهم استعداد لتقبل الجديد، وفقا لحالة ثورية مختلفة، ووفقا لصوت طبيعته مختلفة، ووفقا لطبيعة ألحان مختلفة، ووجود ملحنين مثل كمال الطويل وبليغ حمدي ومحمد الموجي، والذين مثلوا جيل عبدالحليم حافظ، كانوا جيل مختلف من الملحنين المصدقين أنه يوجد حالة مختلفة وثورة جديدة في كل شيء وليس في الناحية السياسية فقط، فهؤلاء متفردين وقدموا نماذج موسيقية مختلفة عما تم تقديمه من الجيل الذي كان مسيطر على الحالة الموسيقية بشكل أو بآخر إبان الفترة الملكية، وبدايات الثورة الأولى، ولا ننسى أيضا أن مصر انتقلت من فترة كانت ملكية بكل ما تحمله من الكلمة إلى تطلع جديد اسمه الجمهورية الجديد، وهذا جعل الملكية الموسيقية تقريبا تنتهي بشكل أو بآخر، وكل هذه الأمور ساهمت في أن عبدالحليم يوضع بين قوسين كبار جدا، وزاد على المشهد وجود حالة حرب بعد الحالة الثورية، فمن أهم فنان كرس لفكرة الحرب وشحذ الأفكار الموسيقية وغيرها، هو عبدالحليم حافظ، كل هذه عوامل جعلت عبدالحليم موجود في هذا الموقع الموسيقي والسياسي وثورة التجديد، وليست فقط ثورة 1952.
هذا التحول كان ظرف استثنائي جدا لا يعكس أهمية عبدالحليم حافظ كمطرب في منافسة مع مطربين آخرين، لكنه يعكس فترة زمنية بكل خصوصيتها وبالظرف الذي كونها.
الفنان الشاب
كان شابا يصنع فن، ومتجزرة فيه روح الشباب.. فن به قدر من العفوية، وقدر من قلة الخبرة، وقدر من العاطفة الجياشة التي لا يستطيع السيطرة عليها، فالحكيم أو الكهل أو الكبير في السن تسيطر عليه كلاسيكياته وأيدلوجياته وأفكاره المتجزرة فيه، ويحاول أن يقدم نفسه بشكل رصين ورزين، لكن الشاب الصغير لا يكن عنده مشكلة في أن يغني بالشورت أو يكون شعره "منكوش"، وأن يقوم بعمل حاجات مجنونة، فهو يمتلك هذه الجرأة لأنه ليس عنده ما يخسره؛ ولذلك جرأة الشباب في التغيير ليس كجرأة الكبار، وأي فن وافد أو حديث يقابل دائما على مدار العقود الإنسانية بهجوم شديد، وهذا يواجه كل من يظهر بفكر ونموذج جديد بشكل مغاير، وكل من حاول الخروج عن المألوف أو عن السيطرة والسلطة الفنية السائدة والمستقرة، وهذا حدث مع يوهان سبستيان باخ، بيتهوفن، شوبان، موتسارت، ومع كل فنانين العالم، ومع سلامة حجازي، وسيد درويش وعبدالوهاب، كل هؤلاء حدث معهم هجوم شديد في مواجهتهم باعتبار أنهم سيخربون الفن لكنهم من سادوا واستقروا، فعبدالحليم حافظ لم يقدم أغنية شبابية، لكنهم كانوا شباب قدموا ما يعبر عنهم.
فترة التمثيل
أيضا ساهم في هذا المشهد أنهم قدموا أفلام عبدالحليم وهو يمثل فيها بدرجة إجادة عالية جدا، مع حب وتعاطف الجمهور له لأنه يحقق الفكرة الرومانسية لشوبان عندما كان ينزف "فالبنات تموت في النزيف بتاعه"، لأن البطل في هذا التوقيت لم يكن جيرو أو كمال الأجسام أو القوي جدا والعنيف، بل كان البطل هو الحساس جدا؛ لأن هذه كانت مرحلة رومانسية تجسد الفكرة الجمهورية الجديدة فيما بعد الثورة".
أما الملحن الكبير حلمي بكر فقال في شهادته ل"محيط": "عبدالحليم حافظ مرحلة غنائية متفردة، لم يكن صوته عظيم أو قوي، لكنه يملك مدرسة جديدة في عالم التعبيرية والإحساس، فهذا الصوت لم يعتمد على قوته أو أنه يغني من عقله ولكنه نجح رغم أنه جاء في زمن كان فيه عظماء من المطربين أمثال عبدالوهاب، أم كلثوم، فريد الأطرش، نجاه، فايزة أحمد، لكنه أتى بمدرسة جديدة في عالم الغناء، لا تعتمد على قوة الصوت ولا على الغناء العقلي، ولكن الغناء التعبيري الحسي، الذي يوصل مفردات الشاعر من خلال طريقة أداءه، وظل على عرش الغناء حتى بعد وفاته وحتى الآن، فهناك جيل من الشباب الموجود حاليا بدأ يعشق عبدالحليم بعدما "قرف" من النفايات الغنائية التي نغنيها حالياً.
مراحله الفنية
مر عبدالحليم بثلاث مراحل، هي: مرحلة البناء، مرحلة القمة، ومرحلة الثبات على القمة رغم حالته المرضية؛ حيث فظل 18 سنة يواكب في عالم مرضه عالم الغناء ويظل على القمة، وأجمل ما فيه أنه أول من رسخ دعائم الأغنية القومية والوطنية، وأصبحنا نحفظها ونشتريها مثل الأغنية العاطفية، ولم يوجد ذلك قبل هذا الوقت، وفتح المجال لمن بعده.
انهيار الأغنية الوطنية
منذ عام 1967 انهارت الأغنية الوطنية لأنها كانت أغنية كاذبة، فنحن مهزومون والأغنية تتجنب الانتصار، فبدأ الجمهور ينفصل عن فنانيه حتى العظماء لأنه شعر بحالة كذب؛ فالبلد ضربت وانهارت ونحن نغني للانتصار، وهذه أسوأ مرحلة في بداية انهيار الأغنية الوطنية، بدليل أننا عندما قامت الثورة الحالية استعنا بعبد الوهاب وأم كلثوم ومازالت أغانيهم في القمة.
فالأغنية الوطنية ليست حالاً ولكنها منذ عام 1967 وحتى الآن، وعندما جاء نصر 1973، أنتج عدد قليل من الأغاني، ولم يكن هناك ما يؤيد الانتصار، رغم أن الانتصار أتى بعرق المصريين وبجهد الجيش الوطني، إلا أن الجمهور كان مازال في حالة عدم تصديق للأغنية. في هذه الفترة بدأت تظهر الأغاني التي نسمعها حاليا من أول أغاني "الحمار" و"الطشت" في زمن ما بعد 1967واستمرت، ولم يأتي أي مطرب من المطربين ليغني ويقود حملة في سبيل تأكيد الأغنية القومية الجديدة أو المواكبة للفعل وتكون رد فعل، وهذه هي المشكلة، ولا ننظر ل"تسلم الأيادي" وغيرها!، فالزمن الجميل الذي كان في نهاية عبدالحليم حافظ جاء من بعده محاولات جادة مثل علي الحجار، هاني شاكر، محمد الحلو، لكن لم يستطيع أي منهم أن يصل للصدارة، مما تسبب في ظهور حشائش أو نفايات الغناء، من مطربة تغني "مابتتقدرش"، لمطرب يغني للدخان، وظهرت سينما تؤكد هذا، وأصبحنا نغني ل25 مليون عشوائي ينخلون في قاعدة الشعب المصري الجيد.
والغالبية حاليا تؤكد وجودها على أرض غير حقيقية، فما هي أغنية عمرو دياب؟! وما هي أغنية تامر حسني؟! كل هذا الجيل أغانيهم وقتية تنتهي بطلوع الشمس، وهذه هي الكارثة اللي أحنا فيها.
الأغنية الشبابية
مضمون الأغنية الشبابية هو الاستقبال الجيد من الصغير والوسط والكبير، شبابية الاستماع أو شبابية الكلمة أو شبابية الزمن، واليوم عندنا شباب كثيرين لكن هناك قلة ممن يعلمون المفهوم العلمي للشبابية، وهناك اختراعات ظهرت عن طريق بعض الغامضين والضائعين لمفهوم الشبابية والتي تتمثل في "الجزمة الكوتش" والترنج المقطع".
كنا شباب، وكنا نجيد السمع، ندخل حصة الموسيقى والرياضة والنشاط، كل هذا اختفى اليوم، وخرج شباب جزء منهم عفوي، يغني للعشوائيات التي اندمجت في القاعدة العريضة وأصبح فيهم من يرتدي رداء الشبابية وهو لا يمت للشبابية بصلة، فالشباب والإبداع وليس الشباب والانهيار!، الشباب اللذين يخرجون لمظاهرات عشوائية ويضع كل منهم في عقله أنه من قام بالثورة ويريد أن يكتب اسمه في كتاب المدرسة، فهذا ليس شبابية بل انهيار".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.