اسمه الحقيقي "نظير" وترهبن باسم أنطونيوس ليصبح البابا شنودة لقبه عمر مكرم ب"شاعر الكتلة الوفدية" رفض التطبيع مع إسرائيل ومعاهدة السلام صاحب مؤلفات متنوعة وأشعار أدبية وفكاهية ترجمت مؤلفاته إلى 12 لغة حول العالم تحتفل الكنيسة الارثوذكسية فى مصر اليوم الثلاثاء بالذكرى الثالثة لوفاة البابا شنودة الثالث ، البابا رقم 117 في تاريخ الكنيسة والذى اعتلى الكرسي البابوي عام 1971 واستمر في منصبه حتى وفاته في عام 2012 عن عمر ناهز 89 عاما. هو رجل استطاع أن يكون شخصية فريدة من نوعها قلما تجد مثلها، من يوم ولادته إلى أن أصبح بابا العرب والأقباط جميعاً كما وصفته الصحف المصرية، إنه فيض زاخر من العلم والحكمة، كل هذا وأكثر تجده في حياة "قداسة البابا شنودة الثالث". عُرف البابا شنودة منذ جلوسه على كرسي الباباوية، براعي الوحدة المسيحية الإسلامية الوطنية لمصر، والتي وضعها في مرتبة القداسة، ويري في الإخوة الإسلامية المسيحية عقيدة إيمان لابد منها. نظير جيد روفائيل ولد البابا شنودة يوم الجمعة 3 أغسطس 1923م، بقرية سلام بمحافظة أسيوط من أبويين مسيحيين أرثوذكسيين، ودعي باسم "نظير جيد روفائيل" وأصيبت أمه بحمى النفاس فتوفيت بعد ولادته، فأرضعته سيدة مسلمة من أهل القرية. ثم التحق بجامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة حاليا"، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير "ممتاز" عام 1947م، وفي نفس العام تخرج من كلية الضباط الاحتياط في العام ذاته وكان أول الخريجين. وقد عمل مدرساً سبعة سنوات في المدارس الثانوية، واتخذ من التلاميذ أصدقاء يعاملهم بحب شديد وعندما كان يعمل في شبين الكوم كانوا يركبون معه القطار ولا ينزلوا الى المحطة التي كانوا يقصدونها بل يواصلوا معه حتى يستفيدوا أكثر من علمه. شاعر الكتلة الوفدية كان البابا شنودة سياسياً من الدرجة الأولي وذلك منذ شبابه مؤمنا بضرورة اشتراك الأقباط في السياسة ليكون لهم ثقلاً سياسياً فانضم إلى حزب الكتلة الوفدية بقيادة الزعيم القبطي مكرم عبيد باشا واشترك في تفنيد الدعاية الانتخابية لمصطفى النحاس، وألف نظير جيد قصائد هجاء وقصائد أخرى للحماس الوطني. وفى 13 نوفمبر في "عيد الجهاد" كان نظير جيد ذاهب لمكرم عبيد في مكتبه ليلقي أمامه قصيدة وكان مكرم عبيد يعقد اجتماع كل شهر تقريباً في ميدان باب الحديد فكان نظير يلقى خطبة حماسية وطنية في هذا الاجتماع وكان عنوان إحدى خطبه "الرسالة الموجهة إلى رفعة الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا" فقال له فيها: "الشعب منك تبرم وللإله تظلم وأنت في الحكم تلهو وفى الملأ تتحكم تلهو وتظهر نبلاً حتى أنبرى لك مكرم"، فقام مكرم عبيد باشا من مقعده وحضن نظير جيد. وكان مكرم عبيد يعرفه شخصياً وخلع عليه لقب " شاعر الكتلة الوفدية" وكان البوليس السياسي حاضر أثناء إلقائه هذه القصيدة وفى اليوم التالي هاجم البيت وحطموا الأثاث يبحثون عن أشعاره المكتوبة وكان نظير يحفظ أشعاره في ذهنه فصعب عليهم أن يمسكوا مستنداً يدينوه به في ذلك الوقت. الراهب أنطونيوس السرياني اشتهي نظير حياة العزلة، فذهب إلى دير السريان ورسم راهباً باسم "أنطونيوس السرياني" في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقد قال انه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء. وبعد سنة من رهبنته، تمت سيامته قسا، وقد أمضي 10 سنوات بالدير دون أن يغادره سوى بإلحاح شديد عليه ليكون سكرتيرا لبابا كيرلس السادس عام 1959م. رُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الاكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962 . البابا شنودة الثالث بعد نياحة البابا كيرلس السادس تم ترشيحه للجلوس علي الكرسي البابوى، واختارته القرعة الهيكلية ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية المائة والسابع عشر؛ وذلك في يوم الأحد 31 أكتوبر 1971م، وتم تتويجه وتجليسه علي الكرسي البابوي يوم الأحد 14 نوفمبر 1971م. تحديات ودفاع تعرض الأقباط في عهده أشهرها "حادثة الكشح" وهي إحدي مدن مركز البلينا التابع لسوهاج، التي أدت إلى مقتل 20 شخصا كان 19 منهم من أتباع الكنيسة القبطية، بالإضافة لأحداث عنف دارت ضد الأقباط في نجع حمادي والقديسين والعمرانية وصول وغيرها، وكان البابا يعتبرها أحداث تهدف لزعزعة مصر ولم يشجب ويندد بحماية الأقباط على أنهم أقلية بل كانت مقولته الشهيرة "نصمت حتى يتكلم الله "، قائلا: "نحن لا نحب أن نكون أقلية تحتاج إلى حماية، ونرفض أي تدخل أجنبي لكي يعطينا حقوقنا نحن نأخذ حقوقنا من بلدنا وبالطريق الوطني وحده". حزب سياسي قبطي رفض فكرة إنشاء حزب سياسي قبطي، حيث رأى أن الحزب السياسي عليه أن يخدم المجتمع بأكمله، قائلا: "نحن نريد أن يكون عضو مجلس الشعب مدافعا عن البلد كله مسلمين ومسيحيين دون أن يوجد انشقاق عنصري من هذا النوع". البابا الشاعر والكاتب بدأت التجربة الشعرية عند قداسته مبكرا جدا، حيث كان عمره 14 سنة، وصقلها بدراسة الشعر وتفاعيله وبحوره عام 1939م؛ لقداسته 25 قصيدة روحية إلى جانب المئات من أبيات الشعر. ومن أشهر قصائده: غريب، أبواب الجحيم، الأمومة، كيف أنسي، كما بلغ عدد مؤلفاته حوالي 140 كتابا، ومن أشهر مؤلفاته، كلمة منفعة، سلسلة الحروب الروحية، المحبة قمة الفضائل، اللهو الإنسان، وترجمت العديد من مؤلفاته إلى أكثر من اثنتي عشر لغة. "يا حياتي كيف صرت ماذا أحكي؟ لست أدري كنت طفلا صرت كهلا .. كيف مد الله عمري؟ كيف قاد الله خطوي وتولى الله أمري منذ أن كنت صبيا ً والي أن شاب شعري؟"، بهذه الأبيات عبر البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة عن مشاعره في يوم تجليسه على الكرسي البابوي الثامن والثلاثين. ومن أقواله "قد تركتُ الكلَ في ضوضائه..واعتزلتُ الكلَّ كي أحيا معك"، وقال أيضا "أنت أغني ببنينٍ كُلهم..عاشَ بالحبِّ علي صدرك يحبو". وفي عام 1966م، أصبح عضوا بنقابة الصحفيين وظل يحتفظ بهذه العضوية طوال حياته، وكانت له مقالات أسبوعية بمجلة الكرازة، وجريدة وطني، إلى جانب العديد من المقالات بالجرائد والمجلات القومية. المرأة والفقراء اهتم بخدمة المرأة اهتماما كبيرا حيث قام بتشكيل لجنة المرأة، وسمح لها بالدراسة بالكلية الاكليريكية والمعاهد الدينية، وقام بتعيينها مدرسا بالكلية الاكليريكية، وأيضا سمح لها بعضوية المجلس الملي العام، وعضوية مجالس الكنائس. أما في مجال الخدمات الاجتماعية فكان قداسته يرأس لجنة البر أسبوعيا بالقاهرة وكل أسبوعين بالإسكندرية، وكانت شنطة العطاء تسمى شنطة "الخمس خبزات والسمكتين"، إلى جانب تأسيس خدمة الرجاء لعلاج الأمراض المستعصية وامتدادها لأكثر من 50 فرعا. معاهدة السلام والسادات رفض البابا شنودة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وهو ما تسبب في اضطراب العلاقة بينه وبين السادات، حيث كان يرى فيها شروطا مجحفة كما أنها تؤدي إلى إخراج مصر من العالم العربي مما جعل السادات يرى أن البابا يتحداه فقرر نفيه إلى دير وادي النطرون وتحمل البابا هذا الموقف بشجاعة وصبر شديدين. حرب أكتوبر قبل حرب أكتوبر 1973 تفقد البابا شنودة القوات المصرية وعمل لجان الدفاع الشعبي لمساندة القوات المسلحة التي كان خدم فيها ضابط بين صفوفها بعد تخرجه من كلية الآداب، وأثناء حرب أكتوبر كتب العديد من المقالات الوطنية لدعم الوطن والقوات المسلحة منها: "إننا ندافع عن أراضينا" و"أرض سيناء مقبرة للإسرائيليين" و"الصهاينة أعداء المسيحية". لم يصرح شنودة للأقباط بزيارة الأماكن المقدسة في القدس وفلسطين ورفض التطبيع مع إسرائيل، وقال قولته الشهيرة: "لن ندخل القدس إلا ويدينا في أيدي إخوتنا المسلمين". إدانة تدنيس المقدسات أقام في الكاتدرائية يوم تضامن مع الرئيس عرفات وجمع في الكاتدرائية كثير من الأخوة مشايخ الأزهر وكان لها أثر طيب لدى الرئيس الفلسطيني المحاصر واتصل به تليفونيا واخبره دعمه له. كما استنكر وأدان حادث الاعتداء علي المسجد الكبير بمكة 1979م، كما زار مسجد النور بدمشق وألقى كلمة وطنية بساحة المسجد وحدث عن الإيمان الواحد وعن تعاليم السيد المسيحي المحبة والسلام. وأدان في مؤتمر عالمي يوم 6 يوليو 1992م، ما كان يحدث في البوسنة والهرسك من مذابح وحشية ودعا كنائس العالم للتحرك لوقف هذا العنف وأيضا شجب الحرب ضد المسلمين في الشيشان. وكان موقفه من أجل سداد ديون مصر يعبر عن مدي حبه لوطنه، حيث قال "مصر هي بلدنا هي أمنا كلنا كل ما يمسها يمسنا ديونها هي دين شخصي لكل فرد منا على حدة ونحن جميعاً مستعدون أن نساهم على قدر ما نستطيع كل واحد منا حسب طاقته". خفة الظل وحب النكتة كثير من عظات البابا التي كان شعب الكنيسة يرسلون له أسئلة للإجابة عليها كانت فيها شيئا من الفكاهة تخفف عن الناس حزنهم، ومن ذلك عندما جاء له رجل يشكو لع أنه كثير النسيان مطالبا بالنصيحة لحل المشكلة، فقال البابا له: "خايف أقولك النهاردة تنسى بكرة". وسأله شاب في أحد المرات :"ليه ربنا خلق الحيوان قبل الإنسان علشان الحيوان يخدم الإنسان؟" فأجاب البابا "مش معنى كده إن الستات تقول إن الراجل أتخلق قبل الست علشان يخدمها". وذات مرة اشتكت سيدة ابنها لقداسة البابا وقالت له: "الواد مكفر سيئاتي أعمل إيه ؟" فقال لها: " طيب إنت ليه يكون عندك سيئات علشان يكفرها الواد". وعندما كان البابا في السنة الثالثة بكلية الآداب ألف بعض الأبيات الفكاهية وقالها في حفل توديع طلبة السنة النهائية وهي بعنوان "يا من ستتركنا" قال فيها: " وقد بصرت لباب النحس منفتحا بضلفتيه وباب الحظ مسكوكا .. كم بدي مبخرة حتى أبخرك من عين هيئة تدريس تعاديكا .. من عين نصحي وعواد ومن بدوي ومن خفاجة ومن قوم تحدوكا .. جماعة يهلك التلميذ بينهم مهما اشتغلت لهم شغل البلوتيكا ". من أقواله - ولدت وتوفيت والدتي بعد ولادتي بأيام قليلة ولم أرضع منها، وكان لهذا شأن في حياتي لأن الحب الذي لا يأخذه الإنسان من الأم يأخذه من آلاف من الناس ونشأت بيني وبين أعداد لا أستطيع أن أحصيها علاقات محبة ليس من صغري فقط". - الخدمة في جوهرها تعبر عن الحب المختزن في القلب نحو الله والناس - نحب هذا الوطن وكل ما فيه ..نحب نيله وأراضيه..نحب أقباطه ومسلميه. قالوا عنه قال عنه الأديب نجيب محفوظ : "البابا شنودة دائما رجلاً صلباً .. متفائلاً شديد الذكاء .. مصرياً عميق الأصل .. عربي الوجدان والتوجهات .. انساني النزعة .. عالمي الأفق". وقال فضيلة الشيخ الشعراوي "يسعدكم الله ..ويسعد بكم .. رد الله عني تحياتك لي .. وسؤالك علي .. ومتعك الله بالصحة والعافية ". أما وزيرة الإعلام درية شرف الدين، فقالت في تصريحات سابقة: " قداسة البابا محاوراً سياسياً فذاً ومؤرخاً لتاريخ الكنيسة الشرقية ولتاريخ مصر والعالم ". ونظم الكاتب الكبير إبراهيم الورداني "ملحمة الأب شنودة" قال فيها: "ما أروعها إننا نكتشف معها زعيما مصريا من صلب هذا الشعب ..يروض التاريخ المصري العريق ويذيب نتوءاته". نياحته قبضت روح البابا شنودة في يوم السبت 17 مارس 2012م، وخرج ملايين الأقباط والمسلمين لإلقاء نظرة الوداع عليه، وقد وصفت الجرائد القومية جنازته- في عناوينها الرئيسية- بأنها "جنازة القرن" ،"وداع أسطوري"، "مليونية حب للبابا" ووصفوه بأنه "حبيب الملايين"، ودفن جسده بسلام يوم الثلاثاء 20 مارس 2012م بمقبرة خاصة بدير القديس الأنبا بيشوي بناء على وصيته. وقد أعلنت مصر يوم جنازته يوما للحداد الرسمي بالدولة واصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارا بمنح الأقباط أجازة من العمل لمدة ثلاثة أيام لإتاحة الفرصة لهم لإلقاء نظرة الوداع والمشاركة بالجنازة.