في شارع جانبي من شوارع العزبة الصغيرة، كان الطفل علي يلعب وحده تحت ظل عمود كهرباء.. كانت وحدته معتادة، وقد تعلم كيف يبتكر عالمه الصغير من الطين والهواء.. بين حين وآخر تتابعه والدته من شرفة بيتهم الصغير. من بعيد، ظهرت جارته، بخطوات هادئة، وملامح جامدة لا توحي بشيء. اقتربت منه ببطء، وانحنت دون أن تصدر أي صوت وفي يدها قطعة شوكولاتة مدّت يدها بها نحوه، بعينين لا تبتسمان. تردد علي في أخذها ثم نظر خلفه إلى شرفته الخالية، ثم إلى القطعة المغرية، التقطها ببطء، فابتسمت السيدة، ثم أشارت له أن يتبعها، لم يتكلم، فقط سار خلفها بخطى صغيرة مترددة وما أن ابتعدت به عن أعين الناس كشفت عن وجهها الآخر، لم تعد هادئة، وجهها تحول إلى شيء قاسٍ، لا ملامح فيه غير الصمت الثقيل والنوايا الغامضة. الطفل ظل واقفًا، جسده الصغير يرتجف، لم يكن يدرك تمامًا ما يحدث، لكن شيئًا في داخله بدأ يصرخ، دون أن يخرج منه صوت، وفي لحظة انقضت عليه وذبحته وألقت بجثته وسط الشارع، لتتحول العزبة الهادئة لحالة من الصخب والذهول.. الكل يضرب كفا على كف ويتساءل بأي ذنب ارتكبه ذلك الطفل الصغير الذي لا يتعدى عمره 3 سنوات حتى تكون هذه نهايته؟! البداية كانت بتلقي اللواء محمد عامر، مدير أمن الإسماعيلية، إخطارًا من غرفة عمليات شرطة النجدة يفيد بمقتل طفل على يد جارته، وعلى الفور تحركت قوة أمنية إلى موقع الحادث للمعاينة ومباشرة التحقيقات. وقبل أن نعرف الدافع من وراء تلك الجريمة البشعة نعود بالزمن للخلف. داخل بيت صغير بعزبة الصفيح، التابعة لمركز فايد بمحافظة الإسماعيلية، نشأ بطل قصتنا علي محمد، طفل يبلغ من العمر 3 سنوات، طفل تلمع عيناه من البراءة، لا يفقه شيئا في الحياة سوى اللعب والحلوى، لا يعرف معنى الخلافات ولا معنى القتل، أسرته مشهود لها بالطيبة وحسن الخلق ولم يكن لهم أي عداوات مع أحد، دائما ما يتجنبون المشكلات، لم تكن هناك سوى مشكلة واحدة تؤرقهم وهي خلافات الجيرة المستمرة بينهم وجارتهم.. خلافات متكررة تعكر هدوء تلك الأسرة الصغيرة، لكن لم يكن أحد يتوقع أن تكون نهاية تلك الخلافات دامية بهذا الشكل ويروح ضحيتها طفل لا حول له ولا قوة. رغبة الانتقام جلست المتهمة داخل غرفتها تفكر في الانتقام، تعصف بها الأفكار السوداء، طغى الانتقام عليها، فأعمى بصيرتها، فخططت للجريمة، دون أن يردعها عقلها عن الانتقام في طفل صغير، أعدت كل شيء وانتظرت الوقت المناسب للتنفيذ. خرج علي كعادته للعب أمام منزله، والدته كانت منشغلة بترتيب الغسيل، تراقبه من النافذة، وتصرخ بين الحين والآخر: «ما تبعدش عن المدخل يا علي».. هز رأسه دون أن يلتفت، وبينما يجري هنا وهناك كالفراشة زاهية الألوان، كان هناك من يراقبه في صمت، ينظر إليه بحقد، تترصده وتتابع كل تحركاته، الحقد والكره يملأ قلبها، وقفت شاردة في أفكارها السوداء التي جاءت تدق أبواب عقلها، وفجأة استغلت انشغال الأطفال، وهدوء الشارع من المارة، استدرجته بحجة إعطائه حلوى، وببراءة الأطفال، ذهب إليها وهو في غاية سعادته، لم يكن ذلك المسكين يدري المصير المؤلم الذي ينتظره، ذهب معها ولم يعد مرة أخرى، فبمجرد أن دخلت بيتها انقضت عليه وذبحته بدم بارد دون أن تذرف لها دمعة أو يتحرك لها رمش، وبكل قسوة وجحود حملت جثته وألقت به وسط الشارع. فجأة تعالت أصوات الصراخ والعويل، وتحولت العزبة الهادئة لحالة من الصخب، خرج الأهالي في حالة من الصدمة، عقدت الدهشة ألسنتهم بمجرد رؤيتهم للصغير وهو غارق في دمائه، أسرعوا لنقله للمستشفى في محاولة لإنقاذه، إلا أنه فارق الحياة.. فتلقت الأجهزة الأمنية إخطارًا من المستشفى يفيد باستقبال الطفل مصابًا بجرح غائر فى الرقبة.. وأفادت التحريات، بناءً على شهادة جيران الضحية، بأن ربة منزل من سكان المنطقة وتقطن بالقرب من منزل الضحية، تشاجرت مع أسرته بسبب خلافات الجيرة لكنهم لم يتوقعوا أن تكون نهاية هذه الخلافات ارتكاب جريمة، يضربون كفا على كف ويتساءلون أي ذنب ارتكبه هذا الملاك ليقتل هكذا؟، أم أن هناك دافع آخر للجريمة غير خلافات الجيرة؟!، لم يحتر الأهالي طويلا، فالإجابات القاطعة والحاسمة كانت عند رجال المباحث؛ عندما كشفوا لغز الجريمة وألقوا القبض على القاتلة، التي اعترفت بارتكاب الواقعة انتقاما من والدة الصغير بسبب الخلافات المتكررة بينهما. صدمة سادت حالة من الصدمة والحزن بين أهالي عزبة الصفيح عقب وقوع الجريمة، خاصة مع السمعة الطيبة التي تحظى بها أسرة الطفل.. وحرص المئات من الأهالي على المشاركة في جنازته، داعين له بالرحمة، ومطالبين بسرعة القصاص من المتهمة. هي الآن خلف القضبان تنتظر جزاء ما اقترفته يداها، ما فعلته ستراه كوابيسا تنغص عليها حياتها، سترى دائما أمام عينيها صورة الطفل الذي قتلته بدم بارد.. سترى والده ووالدته أمامها بعدما حرمتهما من فلذة كبدهما.. ستتمنى لو عاد بها الزمن لتتراجع عن جريمتها لكن لن يفيد ندمها فالوقت فات، ولم تجن شيئا سوى أنها خلف القضبان تنتظر مصيرها. اقرأ أيضا: مشاجرة تحولت لجريمة.. قرار جديد بشأن المتهم بقتل زوجته في الإسماعيلية