نشر الروائى الجزائرى الكبير " واسينى الأعرج " ، فصلا جديدا من "امرأة سريعة العطب " - على صفحته بالفيس بوك - و هى نصوص متفرقة ، بدأ الروائي فى نشرها منذ شهر مايو 2014 أسبوعيا في الصفحة الاخيرة من مجلة "أرى". و يقول الكاتب بلغته البديعة فى فصله الجديد من " امرأة سريعة العطب " : يهرب مني النوم، وتبقى أنت. أليست هي عزلة الذئب حبيبي إذ يغفو قليلا، قبل أن يسكن ظل حدائق الموت؟ يعز عليّ أن لا أجرحك فقط لتفهمني، وأنا جريحة. الستائر الهندية مسدلة. الباب الخشنة موصدة. والصمت يعلو ذبيحا مثل أوراق الموت الأخير، وأنت مازلتَ ممدا في مكانك كما تعودتَ أن تفعل وكأنك لم تخرج من هذه الدنيا محملا بآخر أحزانك وأفراحك الصغيرة، وقصص كل من أحببت، وكل من أحبوك. و كأنك هنا، على سريك القديم، بعد أن أفرغتَ قلبك من رماد الضغائن واللوم والخيبات، لكي تستطيع أن تنامَ قليلا أو حتى كثيرا ولا تخاف من أن تغمض عينيك لأن السواد الذي يتصيدك يخيفك. كم اشتهي الآن حبيبي في هدأة السكينة أن أغمض عيني للمرة الأخيرة وأنساني تحت فراشك حتى تعبث بنا الريح. أنسى السحاب الذي سابقته زمنا طويلا قبل أن نستسلم لبعض، أنام في حجره باستكانة، ويغطيني هو كما تعودت أن تفعل أمي في ليالي العواصف. أنسى المرأة الممطرة، كلما أخفيت ألمي عنها، كشفت سري وهمست في أذني بحزن: حبيبي لو تعرف ما يفيه الأفق والشجر والليل من أسرار، مازلتَ صغيرا، وعندما تكبر، ستعرف أنه يمكننا أن نخفي أي شيء إلا جرحا يسجننا في دمه. أنسى أيضا ليالي الشمال الحزينة، فقد أنبتت في جسدي حجرا كريما يقيني من هزات الرعود ورعشة الثلج وأسرار الخوف. يهرب مني النوم، وتبقى أنت. يحدث معي أن أعرف كل شيء حتى سر العين حينما ترمش لقاتلها. حتى رعشة الجسد حينما يدركه العطش. لكني أغمض عيني لكي أتأكد أن قلبي نام ولم ير شيئا. ولكي لا يفتح جرحي الأخير لأني أشتهي أن أهرب به معي يوم أمد رأسي تحت ظل جدي الكبير. سألتني وأنت تنظر نحوي للمرة الأخيرة، ماذا لو عادت كل ساعاتك الهاربة قليلا إلى الوراء، ماذا كنتِ ستفعلين؟ أية غيمة كنتَ ستسكنين؟ كيف ستقفين أمام رعشة الوقت وكسور المرايا؟ ماذا عن الرجل الأول، والقبلة الأولى وطعم سرّ الليلة الأولى: قلت سأكون أنا، ولن أكون غير أنا حتى ولو اشتهيت. طفلة لا تملك لا سرها ولا لسانها ولا حتى شهواتها الصغيرة، كأن تحلم مثلا أنها تطير بلا أجنحة، كأن تنام على ظهر غيمة، كأن تنصت للصوت المبهم فيها، كأن تهرب وتتخفى في دوار العاصفة وتترك حبيبها يبحث عنها لترى كم هي ثمينة لديه، وعندما تكبر دهشته ويشله خوفه، تأتيه من وراء ظهره وتغمض عينيه وهي تمتم في أذنه اليسرى: قل لي من أنا وسأمنحك قبلة؟ وعندما يلتفت صوته نحوي، يكون الحلم قد هرب. يهرب مني النوم، وتبقى أنت. لا تقل يا قلبي إنك لا تعرفني وإن ما دار في مع الفراشات والغابات لم يكن حديث خلوة. أخاف من كل شيء، حتى مني، فكيف أدرأ الموت وحدي؟ امكث قليلا يا هبلي العظيم، وشدني إلى صدرك كي لا تأخذني أوجاعي وهدأة الموت. شدني كما تُشد السواري قبل العاصفة. أما زلتَ تريد أن تعرف لماذا سُرقت منك؟ لأني لبست جنونك ووجدته أكبر مني. سكنت حرفك فتوهني. قبلت يدك فأحرقتني. ضممتك مرتين فلم أعد أنا. ألم يكفك صحو عيني ورعشة القلب والتباس الجسد؟ ألم تكفك يدك اليمنى التي محت ظلي؟ ألم يكفك نحيب لغتي وعواء ذئب العزة كل ليلة؟ ألم تكفيك السماء التي انسحبت بعد أن خلفت وراءها رمادا وقيامة ؟ من قال لك إني قوية؟ أمي كانت تقول القوي من أدرك هشاشته، فرباها كما تربى الخميرة في عجين القرى. القوي منْ حين أخفق في رتق جرحه، نام لكي لا يرى نزفه ثم سلم أمره لليل. أراك في حيرة العاشق الذي لم تقنعه الإجابات. أراك إذ أراني، وإذ أراني أحيانا لا أراك. وأنت مازلت على حافة السرير تريد جوابا لسؤال مستحيل. لست حزينا، قلتَ لي. لست منكسرا أبدا، لكن أجوبتي استحالت إلى فراغ كلما مددت يدي سحبني نحوه. من تيه لتيه، ومن ظلمة لظلمة ومن خيبة لأختها، عليّ الآن أن أتدرب على الخروج وقوفا. أملأ صدري بماء الزهر وعطر البنفسج البري وأحلم أن غدا جميلا سيرتسم في كفي كالفراشة أو زهر اللوز، لن أنظر صوبي ولكني سألتفت نحو النشيد الذي يأتي من بعيد. يهرب مني النوم، وتبقى أنت. خذوني قليلا ولا تكثروا مني، لكي لا أتبعثر بين أياديكم كرماد البراكين، هضبة عزلة الذئب لم تعد بعيدة. واسيني الأعرج " امرأة سريعة العطب " باريس 03/03/ 2015