في مثل هذا اليوم من عام 1942، حاصر الجيش البريطاني الملك فاروق في قصر عابدين وخيره إمّا أن يكلف زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة أو أن يتنازل عن العرش، وانتهى الحصار بتنفيذ الملك فاروق لشروط الإنجليز. والملك فاروق هو أول حاكم يحكم مصر منذ محمد علي بناء علي الدستور المصري وليس بفرمان عثماني أو حكم بريطاني. بداية تعيينه بعد وفاة والده الملك أحمد فؤاد عام 1936، عاد فاروق إلي مصر في 6 مايو 1936، قادمًا من انجلترا، حيث كان يتلقى تعليمه هناك. نزل فاروق في قصر رأس التين بالإسكندرية ثم استقل القطار إلي القاهرة. فرح الشعب المصري بتولي فاروق عرش مصر وزوال حكم الملك فؤاد الذى كانوا يصفون بالديكتاتور، كما أنه كان مواليًا للإنجليز. اصطفت الجماهير تصفق لفاروق وترحب به علي طول الطريق من الإسكندرية إلي القاهرة. ولعدم بلوغ الملك فاروق سن الرشد تولي الحكم مجلس وصاية مكون من الأمير محمد علي وعلي عزت وشريف صبري خال الملك فاروق، حتى أتم فاروق 18 سنة في 29 يوليو 1937 م وتولي دفة الحكم بنفسه. وعمل علي ماهر وأحمد حسنين علي زيادة شعبية الملك حتى طغت في بعض الأحيان علي شعبية الزعيم مصطفي باشا النحاس، فكثرت الدعايات التي تصف الملك فاروق بالورع والتقوى والوطنية وحبه للناس، فهو يطٌلع علي شكاوي الناس بنفسه ويتبرع للفقراء من جيبه الخاص ويشجع الصناعة المصرية. صراعه مع الوفد ورث فاروق عن أبيه كرهاً كبيراً لحزب الوفد ومصطفي النحاس، فسعي إلي تفتيت القاعدة الشعبية للوفد بالتدريج، وعمل علي استقطاب العمال والطلبة الذين يشكلون أساس شعبية الوفد، كما ضغط علي الوفد لتفكيك فرق القمصان الزرقاء من الطلبة التي يستخدمها الوفد لتحريك القاعدة الشعبية لصالحه ضد القصر. وزادت المشاحنات بين الملك ورئيس وزرائه مصطفي النحاس في قضايا عديدة مثل تعيين رئيس الديوان الملكي التي انتهت بانتصار القصر في تعيين علي ماهر، وكذلك تحديد السن القانونية التي يتولي فيها فاروق عرش مصر بدون وصاية، بعد أن استصدر القصر فتوى من الشيخ المراغي، شيخ الأزهر، بأن سن البلوغ هو 18 عاماً. إقالة وزارة النحاس وبلغت المواجهات بين رئيس الوزراء مصطفي النحاس والملك فاروق ذروتها بعد تولي فاروق سدة الحكم بخمسة أشهر فأقدم علي إقالة وزارة مصطفي النحاس في 30 ديسمبر 1937 م معتمداً علي شعبيته الكبيرة التي كان يتمتع بها في الشارع المصري، وبالفعل تقبل الشعب الإقالة بهدوء. وبعد إقالة الملك لوزارة النحاس، تمكن فاروق من أن يوجه دفة الحكم عن طريق وزارات تخضع له وتنفذ مشيئته، فتتابعت الوزارات من 30 ديسمبر 1937 إلي 4 فبراير 1942م: محمد محمود ثلاث وزارات، ووزارة لعلي ماهر، ووزارة لحسن صبري ووزارتين لحسين سري. وشكل محمد محمود الوزارة برئاسته، وتم حل البرلمان الوفدي، وأقيمت الانتخابات وتم تزييف النتائج بأمر ملكي لإقصاء الوفد. حصار فاروق كانت الحرب تسير علي غير ما يرام بالنسبة للحلفاء، وبدأ زحف جيوش المحور نحو حدود مصر الغربية. وكان فاروق يؤيد دول المحور، إيطاليا وألمانيا، ويعلن هذا التأييد في كل مكان، وغضب بشدة من رئيس وزرائه عندما أقدم علي قطع العلاقات مع حكومة فيشي في فرنسا الموالية لدول المحور. وجد الإنجليز أن فاروق يجب أن يرحل لأنه يصعد حالة العداء في مصر ضدهم، ويمنع تعاون الوزارة مع الإنجليز في الحرب، ويعلن علي الملأ أنه يعد مصر لاستقبال دول المحور المنتصرة. كما أراد الإنجليز رئيس وزراء قوي له شعبية يسيطر علي الأمور في مصر التي بدأت تنذر بخطورة واضحة نتيجة تأييد الشارع لدول المحور، وهو ما لم يكن متوفراً إلا في مصطفي النحاس وحزب الوفد. تعنت الملك في قبول طلب الإنجليز بتشكيل مصطفي النحاس للوزارة، لأنه رأي أنه يمكن أن يستفيد من الموقف لزيادة شعبيته فيظهر أمام الشعب بمظهر المناوئ للإنجليز ويظهر الوفد بمظهر الموال للإنجليز. وبالفعل، و في صباح يوم 4 فبراير 1942 م تم توجيه إنذار للملك من المندوب السامي البريطاني "سير مايلز لامبسون" إما القبول بتشكيل النحاس للوزارة أو التنازل عن العرش. وتأخر رد الملك، فحضر في مساء ذلك اليوم السفير البريطاني لامبسون Lampson بصحبة الجنرال ستون وبعض الضباط المسلحين إلي القصر، وأخذت المدرعات والمصفحات مكانها حول القصر وعلي متنها 2250 جندياً بريطانياً. دخل لامبسون والجنرال ستون إلي غرفة الملك وكان معه أحمد حسنين، وبدأ الحديث بين الطرفين، وبيٌن لامبسون لفاروق أن رده علي رسالته الصباحية قد تأخر. وحاول فاروق أن يدخل في جدال ولكن لامبسون أوقفه وسرد عليه جميع أفعاله المضادة للإنجليز، وانتهي إلي القول "وكل هذا يبين بوضوح، عدم صلاحية جلالتكم أكثر من ذلك للبقاء علي العرش" وسلٌمه وثيقة التنازل عن العرش، وصمت فاروق، وبدفعة من أحمد حسنين، طلب فرصة حتى يحقق المطلب وتحقق وتم تشكيل وزارة النحاس. نهاية الوفد شعبيا اتفق كثير من المؤرخين أن حادثة 4 فبراير تعد بداية نهاية شعبية الوفد في الشارع المصري، فلم يتصور المصريون أن الوفد وهو حزب التحرر الوطني يقبل أن يأتي للحكم بهده الصورة المهينة، ليس فقط للملك ولكن لكل المصريين، فظهر زعماء الوفد لأول مرة بمظهر الطامعين في السلطة ولو علي حساب الوطن، كل هذا صب في رصيد الملك ، حيث ازدادت شعبيته بين المصريين عقب هذه الأحداث. واستمرت وزارة النحاس رغم أنف فاروق حتي انتصر الحلفاء في معركة العالمين في 23 أكتوبر 1942م، وبذلك أصبح لايوجد داع لدي الإنجليز للتمسك بالنحاس وتركوه لمصيره مع الملك الذي ظل يتحين الفرصة لإقصاء غريمه. ومرة أخري، ظهر الملك فاروق بمظهر الحريص علي إقصاء مفاسد الوزارة، وبدت القطيعة بين الملك ورئيس وزرائه لا رجعة فيها. واستعان الملك بمصطفي أمين ليستخدم الإعلام في تهيئة الرأي العام لإقالة وزارة النحاس، وبالفعل جاءت إقالة الملك لوزارة النحاس في 8 أكتوبر 1944م بعد يوم واحد من توقيع بروتوكول الجامعة العربية.