صحيفة «اليوم السابع» تنشر معلومات مزورة ومضللة عن وزارة الوفد عام 1942 تشكيل «النحاس» الوزارة أصاب الإنجليز بخيبة أمل وكان مفخرة لمصر الزعيم رفض تكليف الملك فى البداية بسبب الإنذار البريطانى ومحاصرة الدبابات للقصر احتجاج شديد اللهجة للسفارة البريطانية يجبر السفير على الاعتذار للنحاس شهادة فؤاد سراج الدين تكشف 5 مفاجآت مذهلة حول أحداث 4 فبراير صحفى جاهل يستمد معلوماته التاريخية من «لامبسون» عدو الوطنيين! شىء مؤلم جداً أن يتم تزوير التاريخ والأشد ألماً منه أن يروى جهلاء وقائع تاريخية مر عليها عشرات السنين دون توثيق لما يقولون ودون علم أو بحث مستفيض فى هذا الشأن.. والأخطر من ذلك أن يردد هؤلاء المزورون للتاريخ أحاديث الأعداء والمستعمرين ضد الوطنيين من أهل مصر، ويعتبروا شهادات هؤلاء الأعداء حقائق دامغة.. وجريدة «اليوم السابع» وقعت فى هذا الفخ عندما أسندت تحرير باب يومى على صفحتها الثانية بعنوان «ذات يوم» يحرره جاهل بالتاريخ المصرى الحديث وأدوار البطولة التى لعبها رجال مصر الشرفاء الذين حملوا على كاهلهم أعباء تنوء عن حملها الجبال، وعلى رأس هؤلاء جميعاً زعماء الوفد الشرفاء الذين لعبوا أدواراً بطولية سجلها لهم التاريخ بحروف من نور.. ومنهم الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس الذى شهد له الأعداء من المستعمرين قبل المحبين بوطنيته الفذة.. ويحمل تاريخه صفحات من نور لا ينكرها إلا كل جاهل أو حاقد. وكنت أتمنى ألا تقع الزميلة «اليوم السابع» فى شرك الجهالة الذى ارتكبه محرر باب «ذات يوم».. والحكاية أن هذا المحرر يبدو أنه لا يقرأ التاريخ جيداً أو لا يقرأ من الأساس عندما يروى وقائع مزورة عن شرفاء الأمة المصرية وخاصة الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، فقد طالعنا خلال أعداد مضت كان آخرها ما رواه فى ذكرى 3 و4 فبراير عام 1942، مستنداً أو ناقلاً من مذكرات سفير بريطانيا السير مايلز لامبسون فى ذلك الحين، واعتبرت الصحيفة بلسان محررها الجاهل أن ما يقوله سفير الدولة المستعمرة حقائق دامغة ونال من النحاس أو دولة الباشا.. ولأن هناك شيئاً من المودة بينى وبين الزميل خالد صلاح رئيس تحرير الصحيفة فقد تحدثت اليه تليفونياً والأستاذ فؤاد بدراوى سكرتير عام حزب الوفد والذى أعرب عن استنكاره الشديد لتطاول الصحيفة على قامة وطنية مثل النحاس باشا وتفهم خالد صلاح الموقف ووعد بتصحيح الأمور، حتى فاجأتنا الصحيفة مرة ثانية وثالثة بنشر وقائع تاريخية مزورة مستمدة من مذكرات «لامبسون» سفير بريطانيا المستعمرة.. وصحيح أنه لايوجد حدث سياسى فى مصر أثار الجدل مثل حادث 4 فبراير سنة 1942 عندما حاصرت القوات الإنجليزية قصر عابدين للضغط على الملك فاروق من أجل تكليف النحاس باشا بتشكيل حكومة وفدية.. والجدل حول هذا الحادث مازال مستمراً حتى الآن.. هذا السؤال نفسه طرحه الأستاذان الراحلان الكاتبان الكبيران مصطفى شردى وجمال بدوى فى سلسلة حوارات مع الزعيم فؤاد باشا سراج الدين عام 1985، باعتباره أحد الشهود على ما حدث فى 4 فبراير 1942، وسجل سراج الدين شهادة حية على هذا اليوم تطابقت تماماً مع أساتذة علماء التاريخ والباحثين عن الحقيقة فى هذا الشأن. وأنقل لصحيفة «اليوم السابع» شهادة فؤاد باشا سراج الدين كاملة بهذا الشأن حتى يتعلم منها المحرر الذى يستمد معلومات من المستعمرين أو أنه غيب عقله وهو ينقلها دون تفكير فيما نشره.. وشهادة فؤاد باشا سراج الدين دونها فؤاد بدراوى دون تبديل أو تحريف وطبقاً لما نشرته صحيفة «الوفد» فى هذا الشأن خلال مطلع الثمانينيات. يقول فؤاد سراج الدين: إننى أحد الشهود الذين رأوا عن قرب ما حدث فى تلك الأيام، وهذه هى شهادتى عليه، فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحديداً فى يناير سنة 1942، كان مركز بريطانيا سيئاً جداً، وانتصارات المحور «ألمانيا وايطاليا» تتوالى على القوات الإنجليزية، ووصلت القوات الألمانية بقيادة رومل الى الحدود المصرية بعدما حققت انتصاراً ساحقاً فى العلمين، وكان الشعور العام بين المصريين ميالاً للمحور كراهية فى الانجليز، وكذلك الملك فاروق وحاشيته والحكومة المصرية برئاسة على ماهر بل كان فاروق يعتقد انهم سينتصرون فى النهاية، وكانت الحالة الاقتصادية سيئة جداً، وهناك أزمة دقيقة، وتوالت المظاهرات تنادى، تقدم يارومل.. وتهتف أين الخبز؟ كان أقطاب الوفد فى ذلك الوقت بالأقصر.. النحاس باشا، ومكرم عبيد باشا وأنا وتم ترتيب رحلة نيلية لنا، وقام أحد أعضاء الهيئة الوفدية واسمه «عياد» بوضع الذهبية المملوكة له تحت تصرفنا، وكان الترتيب أن تتوقف رحلتنا بقنا وأسيوط وسوهاج للالتقاء بأعضاء الوفد وأنصاره على أن تنتهى الرحلة النيلية فى بنى مزار، ومنها نستقل القطار الى القاهرة. وفعلاً بدأنا الرحلة التى كانت ستدوم حوالى عشرة أيام، واتجهنا الى قنا، وكان ذلك صباح 2 فبراير، ووصلنا الى هناك عصر نفس اليوم، واجتمعنا بأعضاء هيئة الوفد فى تلك المنطقة حيث أقيم حفل شاى بسراى أحد أقارب مكرم باشا. وفى أثناء الحفل جاء أحد أصحاب الدار، وهمس فى أذن النحاس باشا ان مدير قنا «المحافظ» منتظر فى الصالون ويطلب مقابلته لأمر هام.. واعتقدنا بالطبع أن المدير جاء لإبلاغنا بأمر الداخلية بوقف الرحلة. وبعد دقائق معدودة سمعنا صوته يرتفع بشدة فقمت مع مكرم باشا لاستطلاع ما يجرى، فلما سألنا المدير عن الموضوع قال انه تلقى رسالة تليفونية من القصر الملكى بأن الملك يرجو النحاس باشا العودة فوراً الى القاهرة للاجتماع به لأمر هام، لكن زعيم الوفد يرفض قطع رحلته. وحاولت مع مكرم باشا إقناع النحاس دون جدوى، قائلاً انه مرتبط بأعضاء االهيئة الوفدية بهذه الرحلة، ولا يمكن الغاؤها، وأضاف ان الملك اعتاد كلما أراد الضغط على الحكومة القائمة التلويح لها بالاتصال بى لتحقيق رغبته، وأنا لا أقبل أن أكون مطية للملك أو كبش فداء له. ولما طالت المناقشة دون جدوى تسرب القلق الى أعضاء الهيئة الوفدية المجتمعين، فاقترحت على النحاس باشا ان نعود الى الذهبية لاستئناف الحديث هناك وأثناء خروجنا من الصالون، سألت مدير قنا عن موعد قيام قطار المساء الى القاهرة، فقال انه فى التاسعة فتساءلت عن امكانية تأجيله لبعض الوقت الى حين اتخاذ قرار بالعودة الى العاصمة وقلت له: انتظر منى رسولاً يخبرك إما بموافقة النحاس أو رفضه قطع الرحلة، فوافق المدير وقال انه سيحجز القطار فى المحطة الى أن يصل رسولى. ويواصل سراج الدين شهادته قائلاً: وفى الذهبية عادت المناقشات من جديد لاقناع النحاس بمقابلة الملك والعودة الى القاهرة، وبعد فترة ليست بالقصيرة نظر زعيم الوفد فى ساعته قائلاً: لا جدوى من الاستمرار فى هذه المناقشة لأن الساعة الآن العاشرة مساء، ولابد أن القطار قد غادر المحطة فقلت له إنه مازال منتظراً وأخبرته بما اتفقت عليه مع المدير، ففوجئت به يثور ثورة هائلة ويغضب غضباً شديداً لكنى صمدت فى وجه ثورته قائلاً: هذا التصرف صدر منى شخصياً وأنت لست مسئولاً عنه، وعلينا ان نرسل مندوباً من طرفنا الى المحطة، فإذا وجد أن القطار قد غادرها انتهى الأمر ونكمل رحلتنا اما اذا كان مازال منتظراً فلا مفر فى هذه الحالة من العودة ولم أنتظر رده بل أرسلت بالفعل أحد المرافقين لنا الى المحطة فوجد القطار مازال منتظراً والمدير هناك ينتظر رسولى. واضطر النحاس باشا الى العودة الى القاهرة ومعه مكرم باشا ولم يكن سعيداً بذلك، وطلب منى ومن بقية أعضاء الوفد أن ننتظره فى المغرب بنجع حمادى أمام سراى الشيخ أبوالوفا الشرقاوى حيث سيعود بعد المقابلة لاستئناف الرحلة ووصل رئيس الوفد الى القاهرة فى ساعة متأخرة من مساء يوم 2 فبراير سنة 1942 وكانت هناك أكثر من مفاجأة فى انتظاره. اكتشف أولاً انه نسى فى «لخمة» السفر المفاجئ مفتاح الباب الداخلى لمنزله مع زوجته السيدة زينب الوكيل، فاضطر الى النزول فى بيت زوج خالتها، أحمد حسين عضو مجلس الشيوخ. والمفاجأة الثانية انه بحث عن بدلة «الرادنجون» اللازمة للمقابلات الملكية طبقاً للتقاليد وقتها، فتبين انه نسيها أيضاً وتولى «الحسينى زعلوك» من كبار الوفديين حل هذا الإشكال حيث أعطاه البدلة الخاصة به وباعتبار أن جسمه يماثل جسم النحاس باشا». والمفاجأة الثالثة كانت أشد وأنكى، فعندما ذهب الى قصر عابدين وجد قادة الأحزاب السياسية ورؤساء الوزارات السابقين مجتمعين هناك بدعوة من الملك. وأبلغهم فاروق ان الانجليز طلبوا منه اقالة الوزارة القائمة، وتشكيل وزارة جديدة قادرة على مواجهة الموقف برئاسة النحاس باشا أوبتأييد منه وترك الملك المجتمعين به ليتدارسوا الأمر ويتخذوا القرار المناسب. واتفق الجميع على أن ما حدث هو تدخل سافر فى شئون مصر الداخلية وأنه اذا كان ولابد من إجابة الطلب فلتكن الوزارة الجديدة ائتلافية برئاسة النحاس باشا لكن النحاس باشا رفض هذه الفكرة لسببين. قال لخصومه من السياسيين أعضاء الوزارة القائمة أنتم المسئولون عن حالة البلاد السيئة والتدهور الذى وصلت اليه مما أدى إلى الموقف الحالى. وقد جربت قبل ذلك الوزارة الائتلافية فلم تنجح وطعنونى من الخلف مما أعطى الملك وقتها ذريعة لإقالة الوزارة. وطلب منه المجتمعون عقب ذلك التوقيع معهم على رفض الإنذار البريطانى فقال النحاس دون تردد: أنا أول الموقعين. وقال سراج الدين: وعاد الملك فاروق الى لقاء قادة الأحزاب المصرية من جديد، وعرف منهم انهم قرروا رفض الانذار البريطانى فشكرهم على ذلك، وقال:«هذا ما كنت أتوقعه منكم»، وطلب من رئيس الديوان الملكى أحمد حسنين إبلاغ الرفض الى السفير البريطانى اللورد كيلرن وبالفعل توجه الى دار السفارة، وأبلغ السفير بقرار الزعماء فقال له السفير: «سأبلغك ردى فى الساعة السادسة مساء». والمفاجأة الرابعة لم يتوقعها أحد على الاطلاق، حيث ذهب السفير فى الموعد المحدد على رأس وفد عسكرى يضم القادة العسكريين من مختلف الأسلحة الى «سراى عابدين» حيث أكحاطت به فى نفس الوقت الدبابات الإنجليزية، ودخل السفير ومن معه القصر، وأراد «النجومى باشا» أحد ياورى الملك ارشاد السفير الى مكتب فاروق، فأزاحه جانباً قائلاً: «اننى أعرف طريقى» ودخل على الملك دون استئذان وقال له بلهجة حادة: اذا لم أعلم ان النحاس باشا قد شكل الوزارة أو تشكلت بناء على تأييد منه قبل التاسعة مساء فإننى أحملك شخصياً الذى سيحدث. وأنزعج الملك فاروق أشد الانزعاج من هذا الإنذار، وأدرك خطورة الأمر، وطلب من رئيس الديوان دعوة الزعماء السياسيين على الفور للاجتماع من جديد،وفى اللقاء بهم طلب الملك من النحاس باشا تأليف وزارة برئاسته إلا انه اعتذر قائلاً للملك، كنت على استعداد لقبول هذا التكليف قبل الآن أما وقد علمت بالانذار البريطانى ومحاصرة السراى بالدبابات البريطانية، فإننى أرفض تماماً تأليف الوزارة فرد الملك قائلاً:«اذا قبل النحاس باشا تشكيل الوزارة فإنه سيكون قد شكلها تحت الحراسة البريطانية، فنهره الملك بشدة قائلاً: أنا الذى أطلب منه تشكيل الوزارة وأعاد فاروق طلبه من النحاس وكرر النحاس رفضه!! وألح الملك عليه إلحاحاً شديداً قائلاً: إنك فى قبولك لتشكيل الوزارة ستنقذ عرشى، وأخيراً وافق النحاس على رجاء الملك وقبل تشكيل وزارة جديدة برئاسته. والمفاجأة الخامسة تمثلت فى أن أول ما فعله النحاس باشا بعد ذلك هو ذهابه إلى السفارة البريطانية حيث احتج بشدة على ماوقع من تدخل الحكومة البريطانية فى شئون مصر الداخلية، وإزاء غضب النحاس باشا اضطر السفير الى الاعتذار مبرراً هذا الاجراء بأنه كان ضرورياً لحماية ظهور الحلفاء فى حربهم ضد المحور، والسخط الشعبى فى مصر، كما أن الملك وحاشيته موالون للألمان» ويعرقل جهودهم الحربية، أما النحاس باشا فهو الذى أبرم معهم معاهدة سنة 1936 ولذلك فهم يطمئنون إليه. ان النحاس باشا حرص فى خطاب تشكيل الوزارة الذى رفعه فى اليوم التالى، 4 فبراير الى الملك على التأكيد ان الملك طلب منه «المرة تلو المر» والكرة تلو الكرة، تشكيل الوزارة الجديدة وهذا ثابت فى الوثائق الرسمية، ومن هذا كله يتضح ان قبول النحاس باشا تأليف الوزارة سنة 1942 كان مفخرة له وللوفد، وأضاع على الإنجليز فرصة خلع الملك من العرش،وهوما ذكره صراحة اللورد كيلرن فى مذكراته عقب تركه لمنصبه حيث قال: «إنى شعرت بخيبة أمل عندما قبل النحاس باشا تشكيل الوزارة» لأن هذا أضاع منى فرصة طرد هذا «الولد» يقصد بذلك الملك فاروق، ونشرت ترجمة ما قاله السفير فى حينه فى إحدى الصحف المصرية. وأبرز المؤرخين المحايدين الذين تحدثوا عن حادث 4 فبراير هو الدكتور محمد فريد أبوحشيش أستاذ التاريخ الذى أيد بالأدلة والوثائق شهادة فؤاد سراج الدين حول الحادث وتولى الوفد تشكيل الحكومة عام 1942، فىكتابه الوفد «1936 1952» الذى تحدث فيه بالوثائق والأدلة عن وطنية حزب الوفد، والدور العظيم الذى قام به مصطفى النحاس. وبشهادة فؤاد باشا سراج الدين المطابقة لشهادة علماء التاريخ والباحثين عن الحقيقة، ومسيرة النحاس باشا الوطنية التى تسبقه ويعرفها الأعداء المستعمرون حينذاك قبل الوفديين والمصريين فإن كل إنسان يسعى للنيل من هذه الشخصية إما أن يكون جاهلاً أوحاقداً، أومغيب العقل.. وهل يعقل يا كاتب السطور المسمومة فى «اليوم السابع» أن تستمد معلوماتك من الأعداء الذين اعترفوا بأن النحاس خيب أملهم وبلادهم عندما قبل تشكيل الحكومة طبقاً لشهادة اللورد كيلرن فى مذكراته حول حادث 4 فبراير ويرى فؤاد بدراوى سكرتير عام الوفد، أن الذين يتطاولون على النحاس باشا ليسوا جهلة فحسب وإنما عميان البصر والبصيرة فتاريخ الزعيم المفعم بالوطنية، لا يدانيه أحد على الاطلاق، والذين يتطاولون على النحاس أناس فقدوا عقولهم عندما يستمدون معلوماتهم من أعداء «النحلس»، مثلما تأخذ الآن مثلاً رأى الإخوان الإرهابية فى ثورة 30 يونية!! والذين يشككون فى شخصية ووطنية النحاس قوم حاقدون مغرضون أعماهم جهلهم عن الإنصاف وقول الحق. ويقول فؤاد بدراوى: إذا كان لحادث 4 فبراير أى أثر سلبى على الوفد وزعيمه مصطفى النحاس ما كان عاد الوفد للحكم سنة 1950 بأغلبية كاسحة وتأييد شعبى جارف.