مثلما كان أهالي مدينة السويس هم الشرارة التي أشعلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فهم أيضاً من حققوا أول نضال ضد اليهود في الرابع والعشرين من أكتوبر عام 1973 ورفضوا الاستسلام للعدو الصهيوني، وفي الذكرى ال 38 للعيد القومي للسويس نتذكر جميعاً واحداً من أبرز رموز المقاومة الشعبية، الذي قضى طيلة حياته في الدفاع عن وطنه، والذي اتسم بالشجاعة في الوقوف أمام الرؤساء ورفض تصرفاتهم وأفعالهم دون أن يخشى أحداً بدءً من جمال عبد الناصر وانتهاءً بأنور السادات وحسني مبارك... ألا وهو الشيخ حافظ سلامة الذي لم يمنعه تقدم العمر من التوقف عن الجهاد ودفع الظلم ومحاربة أعداء الوطن والاستمرار في العمل الخيري وبناء المدارس الإسلامية ومساعدة المحتاجين.
وُلِدَ الشيخ حافظ علي أحمد سلامة بالسويس في السادس من ديسمبر لعام 1925م أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، وهو الابن الرابع لوالده علي سلامة الذي كان يعمل في تجارة الأقمشة.. تلقى تعليمه الأولي بكتّاب الحي، وبعد أن أنهى التعليم الابتدائي الأزهري بدأ في تثقيف نفسه في العلوم الشرعية والثقافة العامة ودرس العديد من العلوم الدينية، ثم عمل في الأزهر واعظاً حتى أصبح مستشاراً لشيخ الأزهر لشئون المعاهد الأزهرية حتى 1978م، ثم أحيل إلى التقاعد، وبدأ المشاركة في العمل الخيري مبكراً، حيث شارك في العديد من الجمعيات الخيرية بالسويس.
سلامة والفدائيين بدأ الشيخ سلامة رحلة جهاده من خلال مساهمته في دعم المقاومة والمشاركة في العمليات الفدائية والتعبئة العامة للفدائيين، وكان له دور كبير بعد نشوب الحرب العالمية الثانية، فعلى الرغم من هجرة أسرته وعدد كبير من أهالي السويس عندما أصبحت السويس أحد مناطق الصراع بين قوات المحور وقوات الحلفاء؛ رفض سلامة الهجرة وقام بتوفير نفقاته من إدارته لمحل الأقمشة الذي يمتلكه والده، وكان يرسل الأموال لعائلته التي هاجرت إلى القاهرة، وشارك آنذاك في عمليات الدفاع المدني لمساعدة الجرحى والمصابين.
وقام سلامة في العام 1944 بمساعدة أحد الحجاج الفلسطينيين الذي طلب منه توفير "حجر" الولاعات التي تستخدم في صناعة القنابل اليدوية، كما أمده أيضاً بالسلاح لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، حتى قُبض عليه وحوكم بالسجن 6 أشهر ولكن تم الإفراج عنه بعد 59 يوماً بعد وساطة من أحد أمراء العائلة المالكة في مصر.
وفي العام 1948 شارك في النضال الوطني الإسلامي في مصر من خلال جماعة شباب محمد (التي أنشأها مجموعة من الأشخاص المنشقين عن الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة) وأراد التطوع في صفوف الفدائيين والسفر إلى فلسطين لمحاربة الصهيونية عقب إعلان قيام دولة إسرائيل، لكن قيادة جماعته طلبت منه حينذاك عدم السفر باعتبار أن العدو الحقيقي لا يزال مرابضاً في مصر، واقتنع حافظ حينها وشكّل أول فرقة فدائية في السويس لمهاجمة قواعد القوات الإنجليزية الموجودة على حدود المدينة، والاستيلاء على كل ما يمكن الحصول عليه من أسلحة وذخائر، وكانت الفرقة تقوم بدورها بتسليم تلك الأسلحة للمركز العام للجمعية في القاهرة، لتقوم هي بعد ذلك بتقديمها كدعم للفدائيين في فلسطين، وبعد هزيمة الجيوش العربية انخرط في العمل الخيري والدعوى من خلال الجمعية حتى تم إلغاؤها في الستينات حينما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بحل جمعية شباب محمد وإغلاق صحفها على خلفية مقالات تهاجم فيها العلاقات السوفيتية المصرية.
تعرّض للسجن في يناير 1950م، فقد ألقي القبض عليه إثر مقال كتبه في جريدة النذير انتقد فيه نساء الهلال الأحمر بسبب ارتدائهن أزياءً اعتبرها مخالفة للزي الشرعي.
وفي إطار الاعتقالات التي نفذها النظام الناصري ضد الإخوان المسلمين، اعتُقل الشيخ وظل في السجن حتى ديسمبر 1967م بعد حدوث النكسة، فاتجه إلى مسجد الشهداء بالسويس وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية بهدف تنظيم الكفاح الشعبي المسلح ضد إسرائيل في حرب الاستنزاف خلال الفترة من عام 1967م وحتى عام 1973م، وأقنع حينها قيادة الجيش بتنظيم قوافل توعية دينية للضباط والجنود تضم مجموعة من كبار الدعاة وعلماء الأزهر وأساتذة الجامعات في مصر وتركز على فضل الجهاد والاستشهاد وأهمية المعركة مع اليهود عقب هزيمة 1967م والاستعداد لحرب عام 1973م، ونجحت تلك القوافل نجاحاً كبيراً فصدر قرارٌ بتعميمها على جميع وحدات الجيش المصري في طول البلاد وعرضها كنوع من الاستعداد للمعركة الفاصلة مع اليهود.
ضد التطبيع
ولم يتوقف عن الجهاد والنضال خلال فترة حكم الرئيس أنور السادات، ففي يوم 22 أكتوبر 1973م قاد الشيخ حافظ سلامة عمليات المقاومة الشعبية في مدينة السويس ورفض تسليم المدينة للقيادة الإسرائيلية وقرّر استمرار المقاومة وكان له دور كبير في تعاون قوات المقاومة الشعبية مع عناصر من القوات المسلحة في صد هجمات العدو الإسرائيلي وإفشال خطط العدو، ولعب دوراً إيجابياً من الناحية الدعوية والاجتماعية والسياسية حينما أبدى رفضه على زيارة السادات للقدس عام 1977 والتوقيع على معاهدة كامب ديفيد عام 1979م، مما جعل الرئيس السادات يضعه على رأس قائمة اعتقالات سبتمبر 1981م، وقد أُفرج عنه بعد اغتيال السادات.
دوره في ثورة 25 يناير ولعب سلامة دوراً مهماً في الدعم المعنوي والمادي لشعب فلسطين ولبنان وأفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، وقاد حملة شعبية لرفضه إقامة مشروع مصنع "أجريوم" للبتر وكيماويات في مدينة السويس وذلك خوفاً من آثاره البيئية الخطيرة.
وكان الدور البارز له خلال 30 عاماً من حكم مبارك للبلاد، هو انضمامه لصفوف المعتصمين بميدان التحرير خلال ثورة ال 25 يناير والتي نجحت في إجبار مبارك على التنحي عن الحكم، وأصدر بياناً ناشد فيه الجيش المصري بالتدخل الفوري لإنقاذ مصر، كما شارك في قيادة وتنظيم مجموعات الدفاع الشعبي عن الأحياء السكنية في مدينة السويس ضد عمليات السلب والنهب التي انتشرت بسبب الفراغ الأمني أثناء الاحتجاجات.
هجومه على الأوقاف وقد شن حافظ سلامة في أبريل من العام الحالي حملة قوية على وزارة الأوقاف رغبةً في تسليم مسجد النور بالعباسية لجمعية الهداية الإسلامية التي يرأسها بدعوى عدم تنفيذ الوزارة للأحكام النهائية التي حصلت عليها الجمعية باستعادة المسجد، وحدثت العديد من المشاحنات بين أنصار سلامة وأنصار أحمد ترك (إمام المسجد المعين من قِبَل وزارة الأوقاف) بسبب الخلاف بينهما حول صعود المنبر، ولكن تدخّل الجيش لفض النزاع وحل الأزمة، ومازال المسجد حتى الآن تابعاً لوزارة الأوقاف، ولكن يقوم الشيخ سلامة بإلقاء خطبة كل أسبوع به.
موقفه من الأقباط وكان للشيخ موقف واضح تجاه ما تمر به مصر في الأيام القليلة الماضية من أحداث الفتنة الطائفية، مؤكداً على وجود أيادٍ خارجية هي التي تتسبب في إشعال نيران الفتنة؛ لأنه يرى أن المسلمين عندما يكونون أقلية في بلد من البلدان لم يفرضوا على هذه البلدان شروطهم حسب معتقداتهم ولا يتعدون في هذه البلدان عن إقامة المساجد إلا من خلال تلك الحكومات وقوانينها، كما أن في البلدان التي بها أكثرية إسلامية لا تفرض الأقلية غير الإسلامية على المسلمين في هذه البلدان شروطهم، ويعيش المسلمون في جميع هذه الأقطار في أمن وأمان.
واستنكر سلامة ترديد الأقباط خلال الاحتجاجات التي ترافق الادعاءات بوجود قيد على بناء كنيسة أو هدم كنيسة بأن المسلمين ما هم إلا ضيوف وليسوا أصحاب هذا البلد، وأن عليهم أن يحترموا أصحاب هذا البلد، وعبّر عن رفضه لتقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة، في ظل الأرقام التي تؤكد أن 50% من الكنائس بالوجه البحري أُنشئت مخالفة للإجراءات القانونية، و75% من الكنائس بالوجه القبلي مخالفة، محذراً من أن ذلك من شأنه إشاعة الفوضى في البلاد وعدم سيادة القانون.
دعم ثوار ليبيا ولم يتخل حافظ عن أشقائه في ليبيا، فقد قام بالسفر إلى ليبيا في 20 مارس 2011 ومعه خمسين طناً من المواد الغذائية والمساعدات الطبية والأدوية لمساعدة الشعب الليبي والانضمام إلى صفوف الثوار إلى حين حصولهم على حقوقهم الديمقراطية المشروعة، وعندما قام ثوار ليبيا بالهجوم علي مدينة سرت والذي أسفر عن مقتل القائد معمر القذافي، أعلن سلامة عن فرحته الشديدة بما حدث قائلاً "أخيراً قُتل الطاغية معمر القذافي وسقط فرعون العصر الحديث بعد 42 عاماً من حكم يظلم شعبه، ويفسد في الأرض، ويجني المال لينفقه على شهواته، والآن هو ملقى على الأرض، فماذا أخذ من دنياه؟"... مختتماً حديثه بقوله: "لو يعلم حكام العرب حُكم الله ما تقدّم أحد للرئاسة". **مركز الدراسات