سيظل الشيخ حافظ سلامة رمز المقاومة الشعبية في السويس علامة مضيئة في تاريخ الكفاح والنضال المصري.. تاريخه مليء بالتضحيات والبطولات. قاد المقاومة الشعبية ضد الانجليز, وقاد المقاومة في حرب الاستنزاف, وقاد المقاومة الشعبية في أكتوبر73 لمنع العدو الإسرائيلي من احتلال السويس.. تفرغ للعمل الخيري فساهم في بناء المساجد والمدارس ومساعدة المحتاجين, وبالرغم من كبر سنه وبلوغه ال86 عاما إلا أنه لازال يمتلك عزيمة وهمة غير عادية, ولا يريد أن يتوقف عن الكفاح حتي آخر لحظة في حياته, فلم يقعده هرمه ومرضه في أن يقود شباب مصر في ثورتهم من أجل إسقاط النظام.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل حرص علي جمع التبرعات لأسر الشهداء, وحرص علي أن يأتي إلي القاهرة ليكرم شهداء الثورة في مسجد النور بالعباسية؟.. وفي هذا الحوار سنحاول أن نتعرف عن قرب علي الشيخ حافظ سلامة الأب الروحي لشباب السويس. في البداية لماذا أنت حريص علي تكريم شهداء الثورة؟ دماء الشهداء في رقابنا جميعا وحق علينا ومهما قدمنا لهم فلن نستطيع أن نوفيهم حقهم, فهؤلاء الشباب أبطال بمعني الكلمة, ولولا دماؤهم ما وصلنا إلي ما نحن فيه الآن, ولما استطعنا أن نشم نسيم الحرية, ولذلك كنت حريصا علي أن أحضر إلي القاهرة لتكريم شهداء التحرير كما كرمنا شهداء السويس من قبل حيث قامت جمعية الهداية الإسلامية بصرف50 ألف جنيه وشقة لأسرة كل شهيد. وكيف سيتم حصر الشهداء؟ طالبنا أسر الشهداء بالتقدم بملء استمارة بها بيانات الشهيد وإحضار صورة من شهادة الوفاة وتقرير الطب الشرعي وتقديمها لإدارة مسجد النور حتي يتسني حصر الشهداء وتكريمهم وتحديد موعد لصرف التعويض لهم, مؤكدا أن شهداء التحرير سيتم معاملتهم نفس معاملة شهداء السويس فكلهم أبناؤنا. ومن أين ستأتي بكل هذه الأموال؟ لقد قمنا بفتح حساب لجمع التبرعات ببنك فيصل الإسلامي فرع السويس تحت رقم5720 وقمنا بمخاطبة عدد من رجال الأعمال الذين وعدوا بالمساهمة في تكريم أسر الشهداء, كما أن اللجنة المشكلة من القوات المسلحة بالسويس قامت بتخصيص شقة لأسرة كل شهيد وأتمني من محافظي القاهرة والجيزة أن ينتهجا نفس النهج ويقوما بتخصيص شقة لأسرة كل شهيد من شهداء التحرير حتي نستطيع أن نقدم لهم ولو شيئا بسيطا. وماذا عن المصابين؟ بعد الانتهاء من تكريم الشهداء وصرف التعويضات سنتفرغ لإخواننا الجرحي. ولماذا تبرعت بمليون جنيه من مالك الخاص؟ ما قدمته لهؤلاء الشباب جزء بسيط بالمقارنة بما قدموه لنا, ولو استطعت أن أضحي بحياتي فداء لهؤلاء الشباب لفعلت.. فحياتي فداء لبلدي ولكل مواطن في مصر. وما هو دورك في الثورة؟ في21 يناير أرسلت إنذارا إلي حسني مبارك أطالبه بتطبيق المادة64 من الدستور التي تنص علي أن سيادة القانون والمادة65 التي تنص علي حماية القضاء وأحكامه, مطالبه بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بالإفراج عن المعتقلين الذين صدرت لهم أحكام بالبراءة وفي حالة عدم تنفيذ هذه المطالب سأقوم بعمل مظاهرة من مسجد النور بالعباسية, وفي يوم25 يناير قمت بعمل مظاهرة من أمام مسجد النور بالعباسية وقمت بالمشاركة في جمعة الغضب أيضا من مسجد النور, وبعد ذلك قدت الثوار بالسويس حتي تحقق النصر ورحل الرئيس. لماذا مسجد النور بالتحديد؟ لأنه يعتبر من أهم المساجد التي أنشائتها الجمعية ولكن وزارة الأوقاف قامت بضمه إليها. ألم تخش علي نفسك من المشاركة في الثورة وأنت في هذه السن؟ مستقبل بلدي أهم من أي شيء.. فمصر تستحق أن نضحي من أجلها جميعا فإذا استشهدت فهذه أمنيه كل مسلم والجيل الذي سيأتي بعدي سيعيش في حرية. البعض يعتبرك الأب الروحي لشباب الثورة.. ما تعليقك؟ أنا جد لهؤلاء الشباب والأب الروحي لهم أيضا, ولقد كنت أقودهم في الثورة بمدينة السويس وكنت أقوم برفع الروح المعنوية لهم كما كنت أفعل من قبل مع الجنود في حرب73 ولقد ذكر الفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الميداني الثالث في مذكرة نشرت عن الجيش أنني كنت صاحب الفضل الأول في رفع الروح المعنوية للجنود علي الجبهة عن طريق تنظيم قوافل توعية دينية للضباط والجنود ترتكز علي فضل الجهاد والاستشهاد, بل أنهم كانوا يعتبروني أبا روحيا لهم في تلك الأيام العصيبة, وهذا الدور كنت أقوم به مع شباب الثورة لذلك فهم يعتبرونني الأب الروحي لهم أيضا. هل تختلف الثورة عن المقاومة؟ نعم.. ففي المقاومة كنا نواجه الجيش الإسرائيلي بحمل السلاح أما في الثورة فلم نستطع أن نفعل ذلك لأننا لا نستطيع أن نرفع السلاح في وجه أبنائنا وإخواننا, وكنا نقوم فقط بمظاهرات سلمية ونداءات بتنحية الرئيس مبارك وبطانته. ما هي أسباب نجاح الثورة من وجهة نظرك؟ نجحت الثورة لأن الشعب اجتمع علي تغيير النظام ومحاربة الفساد بدون انتماءات لأي تيار ودون أي متاجرة, فنجد الشباب يخرجون من النجوع والقري والمدن ويجمعهم هدف واحد ألا وهو عزة وكرامة مصر. وماذا عن شباب السويس؟ لقد استطاع شباب السويس أن يضربوا لنا ملحمة في التضحية والفدائية تعيد إلي أذهاننا أمجاد المقاومة الشعبية, فشباب السويس الذي شارك في الثورة هم أحفاد جيل المقاومة, فالشرارة الأولي في الثورة بدأت من السويس وأول شهيد كان من السويس أيضا. وماذا تريد من الشباب في الفترة القادمة؟ أقول للشباب مصر بلدنا ويجب أن نبنيها ولن يحدث ذلك إلا بعد عودة عجلة العمل إلي مجراها الطبيعي وأن يعود الشباب إلي أعمالهم وأن يديروا دفة العمل بجد وصدق وأمانه حتي يتم إنقاذ اقتصاد مصر موضحا أن الاعتصامات تؤدي إلي مزيد من الخسائر تضاف إلي المليارات التي خسرتها البلاد في الأيام الماضية, ويؤدي إلي الإضرار بالاقتصاد ومستقبل بلدنا. ويضيف: أقول للعمال الذين يعتصمون في المصانع والشركات هذه المصانع ملك للشعب ويجب أن نصونها للشعب, ومن له مطلب نقول له إن مطالبك شرعية ويجب أن تنفذ ولكن انتظر قليلا, وأعمل علي النهوض بالعمل لكي لا نعطي فرصة للأعداء أن ينالوا من مصر. وبماذا تنصحهم ؟ انصح الشباب وأحذرهم من أن هناك من يريد أن يسرق هذه النهضة الشبابية المباركة التي لم يكن لها أي انتماءات إلا الانتماء لله, وأطالبهم في المرحلة القادمة بأن يمنعوا المتطفلين علي الثورة حتي لا يهدموا كل ما جنيناه منها, وحتي نحفظ للدماء التي أهدرت حقها, ويجب علي الشباب أيضا أن يبذلوا قصاري جهدهم حتي يستطيعوا أن يقضوا علي هؤلاء الغوغاء الذين لا يريدون لنا ألا نري النور. وما هي الضمانات لنجاح الثورة؟ هذه الثورة لها أعداء كثيرون خاصة من النظام السابق, ولن أشعر بنجاح الثورة إلا بعد القضاء علي رءوس الفساد في مصر, ومحاكمتهم شعبيا حتي يكونوا عبرة للجميع, ومصادرة الثروات التي نهبوها وإعادتها للشعب حتي نستطيع أن نعيد بناء اقتصادنا من جديد. وما رأيك في موقف الجيش؟ موقف الجيش الرائع سيكتب بمداد من الذهب, فالقوات المسلحة جاءت لتحمي الشعب المصري, وشتان بين موقف الجيش المصري والجيش الليبي الذي استحل دماء شعبه, فالجيش المصري والشعب نسيج واحد, ووحدتهم سبب انتصارات مصر في كل المجالات.. والدليل علي ذلك أن تلاحم الشعب مع الجيش كان سببا لانتصار مصر علي إسرائيل في حرب أكتوبر وخاصة في الثغرة. وماذا تريد لمصر؟ اتمني أن تكون مصر عزيزة كريمة وأن يكون وشعبها من أحسن شعوب العالم وتعود مصر كما كانت قبل ثورة1952 حيث كانت مصر أفضل حالا من الآن. من تختاره رئيسا لمصر؟ المشكلة أنه ليس هناك قيادات ظاهرة الآن, وأتمني أن تظهر لنا قيادات مخلصة لوطنها وليست من البضاعة المعروضة الآن لأنها بضاعة أكثرها موالية لأمريكا وإسرائيل. نريد أن نتعرف أكثر علي تاريخك النضالي؟ البداية كانت عندما قررت الدولة تهجير مواطني أهل القناة في بداية الحرب العالمية الثانية نظرا لشدة الغارات الجوية من سلاح الطيران الألماني وكان سني حينذاك17 عاما فأثرت ألا أهاجر مع أسرتي وأبقي في السويس لأقوم بأعمال الدفاع المدني, وبعد انتهاء الحرب العالمية سنة1944 تم القبض علي وسجني لأنني أعاون أخواني من أهل فلسطين بإمدادهم ببعض المواد المستعملة في القنابل اليدوية ضد الاحتلال البريطاني, وفي عام1948 في حربنا ضد العصابات الإسرائيلية تكونت جبهة لإنقاذ فلسطين تحت رئاسة الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين للمشاركة في القتال في فلسطين بعد تدريبي بحجة أنني أستطيع أن أجمع لهم الأسلحة والذخائر من المعسكرات البريطانية وأرسلها إلي المجاهدين في فلسطين, وكان يعاونني في ذلك الأمباشه علي عرفات بحرس الحدود, وفي عام1950 بدأنا تكوين جماعة فدائية لمحاربة الجيش البريطاني في منطقة القناة, وبعدها قام النحاس باشا بإلغاء معاهد عام1936 وبدأنا بعدها المقاومة الفعلية فأجبرنا العاملين داخل المعسكرات البريطانية علي تركها, وقامت الحكومة المصرية حينذاك بتشغيل هذه العمالة وسميت بعمال المعسكرات البريطانية. أما في حرب1956 فكنت أحمل السلاح دفاعا عن المنطقة التي بها منزلي, وفي حرب1976 حرمت من المشارك فيها لأنني دخلت السجن عام1966 وتم حبسي في سجن أبو زعبل بتهمة كبيرة جدا وهي أنني أحفظ القرآن الكريم في مسجد الشهداء وحبست لمدة20 شهرا دون محاكمة, بل تم وضعي في العنبر رقم12 بسجن أبو زعبل والذي قرر جمال عبد الناصر بحبس أخطر المواطنين ضد نظامه, وفي30 ديسمبر1967 توجهت إلي السويس وتركت أهلي مهجرين خارج السويس وقمت بعمل توعية داخل المعسكرات والوحدات العسكرية المصرية علي طول خط المواجهة مع العدو خاصة الجيش الثاني والثالث وقمت بإنشاء جمعية الهداية الإسلامية. وماذا عن حرب أكتوبر؟ بعد أن اجتاح الجيش الإسرائيلي مدينة السويس في24 أكتوبر1973 بدأنا في تكوين المقاومة الشعبية فقمنا بعمل كمائن في الشوارع لاصطياد الدبابات الإسرائيلية عند دخولها المدينة, وجاء شارون المجرم ب6 ألوية مدرعة أي600 دبابة, وعند دخول أول لواء مدينة السويس قمنا بفضل الله بالقضاء علي67 دبابة ومصفحة في ثلاث ساعات مما اضطر القوات الإسرائيلية إلي الانسحاب من داخل المدينة وحصارها من الخارج, وفي يوم25 أرسل شارون إنذارا بالاستسلام وإلا سيدمر المدينة بالطيران, فرفضنا وقررنا الاستمرار في القتال حتي تحقق النصر بإذن الله. لقد سبق ترشيحك محافظا للسويس في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.. فلماذا رفضت؟ أنا لا أحب أن يشغلني شيء عن الأعمال الخيرية وبناء المساجد فأنا لا أحب أكون محافظ سابق وأحب فقط أن أكون حافظ, فعندما بعث الرئيس أنور السادات عثمان أحمد عثمان بعد حرب أكتوبر لأكون محافظا للسويس, رفضت وقلت له: أريد أن أكون حافظ لا أن أكون محافظ, وهتف الناس لي وقالوا لا محافظ إلا حافظ ولا زال الشباب يرددون هذا الهتاف إلي الآن كلما رأوني. وهل تم تكريمك بشكل لائق؟ للأسف في مصر لا يوجد عندهم وفاء, فكل مصري يرفع رأسه لابد من قطعها, وأنا لا انتظر تكريم من أحد, لأنني لا أعمل شيئا من أجل أي إنسان, إنما كل أعمالي لله ولصالح مصر, وأريد أن يكون عملي خالصا لله وحده, ورضا ربي يكفيني, بل علي العكس تم حبسي في كل العصور ففي سبتمبر عام1981 قام السادات بحبسي, وقرر مبارك الإفراج عني في عام1982, وفي عام1983 سجنت لمدة7 أشهر بتهمة أنني أعمل منشورات ضد مبارك, وفي عام1985 سجنت شهرين لأنني كنت أطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية. وماذا عن المبادرة التي أطلقتها للصلح بين بدو سيناء والشرطة؟ لقد اتفقت مع الداعية الإسلامية الشيخ محمد حسان بالقيام بمبادرة لحل المشاكل العالقة بين أبناء سيناء الشمالية والجنوبية وجهاز الشرطة بحيث تعود سيناء وأبناؤها كما كانوا جميعا مصريين مخلصين يحمون ترابها ويحافظون علي مقدساتها ويظلوا حائط الصد الذي يمنع تسلل أي عدوان من أي جهة علي مصر كلها, وإعادة الأمن والأمان لجزء غال وعزيز من مصر الحبيبة.