ولدت في بيت جدي، كانوا يسمونه أيامها «البيت الكبير». وكان بيتاً كبيراً بالفعل. أقام جدي هذا البيت عند سفح جبل المقطم. بيتاً كبيراً علي طريقة البيوت المصرية القديمة. الحجرات الواسعة ذات السقف العالي. ونوافذ الأرابيسك «المشربية». وثمة حوش كبير يحتضن البيت. زرع فيه جدي بعض أشجار البرتقال والصفصاف . في هذا البيت القديم ولدت وعشت حتي صباي. وتنشقت عبق حياة العائلة الكبيرة وطريقة هذه الحياة الجميلة. ! وكنت كلما مررت بدار « البيت الكبير « تعود إلي نفسي ذكريات الماضي السعيد. وأحلم بنفسي طفلاً بريئاً يعيش أيامه ولياليه وسط دفء العائلة. وكل شيء له علاقة بالماضي الجميل. ! أنام وأقوم وأحلم ببيت جدي. آه لو استطعت أن أعود من جديد للعيش فيه. يا للسعادة التي يمكن أن أحياها. وسط حياتي هذه الخربة المملة الجافة المزيفة. ! سوف أستيقظ كل صباح علي تغريد العصافير والبلابل التي تسكن أشجار بيتنا القديم. سوف أشرب الماء من «القلة»، وسوف أجري من حجرة الي حجرة. سوف أصعد كل صباح إلي عشة الفراخ في سطح البيت لأحضر منها بيض إفطار اليوم . سوف أشعر بالأمان لأن جدي حاكم البيت يوفر للجميع احتياجاتهم . سوف يزغرد قلبي لمرأي أبي يدخل البيت فتحمر وجنتي أمي. وسوف تحكي لي جدتي كل ليلة حكاية ما قبل النوم.! سوف أعيش وسط جدي وستي وأبي وأمي وأعمامي وزوجاتهم وأولادهم. سيعود البيت هو الدنيا كلها والجنة بعينها.! وأفيق لأكتشف بالصدمة. أن الحلم حلم مستحيل . فكل هؤلاء أو أغلبهم. غادر الحياة إلي الحياة الأخري. والباقون تفرقوا في شقق أقرب إلي الزنزانات، مهما كانت فاخرة أو واسعة. حتي البيت القديم الذي مازال هيكله الخارجي صامداً ضد الزمن. تهالكت أخشابه وحجارته وأصبح آيلاً للسقوط. ولا يسكنه اليوم سوي الفئران والحشرات ! الماضي لن يعود أبداً .