هذا هو لسان حالنا اليوم مع نتنياهو وحكومته، حيث يهددنا بالشَّر والهلاك ويبطش بما حوله، وكل من يمر أو يعترض طريقه أولا يوافقه في الطريق الذي لا بد يوماً أن يجرفه ومن معه لذلك الويل وذاك الثبور الذي يهدد به الناس. وها هو شعبنا في القدسوغزة وكل الأراضي الفلسطينية، يواجه عربدات المستوطنين على المنازل الآمنة وعلى الطرقات، قتلاً وهدماً وحرقاً وتدميرا، حيث يمارس جنونه على هواه متناغماً مع هوى ناخبيه المتطرفين، بالتعديات اليومية على شعبنا فرادى وجماعات، وعبر استسقاء الدم بالدم، وجرِّ شعبنا الرازح تحت احتلاله، لمربع الدم الذي مثَّل على الدوام وعبر تاريخ الصراع معه، الملعب المفضل والحلبة المريحة وإن على آلام شعبه والناس، وذلك في سبيل مكاسب سياسية ممكنة التحقيق بالتفاوض العاقل والعادل والمتوازن وبغير دم، ليس هذا وحسب، بل وبقوانين قراقوشية وتشريعات يرهب بها ليس الشعب الفلسطيني وحسب، وإنما بات يرهب أيضاً دول العالم التي تقدم أو تسول لها نفسها أن تقدم على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في الحياة الآمنة بسلام في دولته المستقلة على أرضه، ضارباً الشرعية الدولية وقراراتها بالجزمة وعرض الحائط وجدار الفصل العنصري الغاشم المتعدي الدائم على شعبنا وأرضنا وحياتنا اليومية. نعم يا سادتي، ما زال هذا الديناصور بتنينه وتناتينه، ينفثون نيران حقدهم وتطرفهم الأعمى في وجهنا على أمل انحرافنا عن طريقنا السليم، وجرنا للمربع الخطأ الذي يريده نتنياهو، كيف لا ونحن نشهد عمليات القتل لأطفالنا وشبابنا وشيوخنا ونسائنا تجري بدم بارد، ومن على صهوة رزم القوانين العنصرية الخاصة بهم وحدهم، فيقتحم المستوطنون منازل المواطنين في وضح النهار وعز الليل والناس نيام، ويشعلون نيران حقدهم في البيوت والمحاصيل ويدمرون ويهدمون ويسرقون، تماماً مثلما حصل في قرية أبو فلاح وبيوت المزارعين والبدو في الأغوار ومناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية إن لم نقل جلها، بحيث أصبحت مثل هذه الاعتداءات أمراً يومياً مألوفاً، وعلى وجه الخصوص في المدينة المقدسة التي يستبيحونها هدماً وتدنيساً من بيوتها وشوارعها حتى صخرتها وأقصاها ودور العبادة فيها. الويل والثبور وعظائم الأمور التي يهدد بها نتنياهو، خرجت هي الأخرى بخروجه عن مكارم الأخلاق وقيم العدل والسلام والتسامح، وأصبحت أكثر شمولية واتساعاً وعنجهيةً وجبروتاً، حيث تقدم الحكومة الإسرائيلية مع إطلالة كل يوم فلسطيني على سن قوانين وتشريعات عنصرية لا تمس بكرامة الفلسطينيين وحسب، وإنما بكرامة أميركا صاحبة حل الدولتين والأممالمتحدة، لا بل والمجتمع الدولي عموماً الذي بات يقر ويعترف بدولتنا الفلسطينية، ويفوق في أعداده عدد الدول المعترفة بدولة الإحتلال. لماذا لا نستفيد من حالة الجنون والتخبط الإسرائيلية ونستثمرها ولو مرة سياسياً وديبلوماسياً، فالفرصة مواتية لنا الآن، والصورة معكوسة لأول مرة لصالحنا، فإسرائيل طالما استفادت من فرصة استثمار المواقف الفلسطينية المتطرفة وغير المحسوبة التي دأبت "حماس" وغيرها على إطلاقها، فأنجحت إسرائيل في تسويق نفسها للعالم على أنها ضحية مع أنها الجاني بامتياز. فبالأمس القريب كان قرار السماح بتهويد المهاجرين من غير اليهود لأهداف ديمغرافية جيوسياسية عنصرية بحتة، والقرارات اليومية بتوسيع البناء الاستيطاني الملتهم الأكبر للأراضي الفلسطينية، ناهيك عن أشكال الاضطهاد والتمييز العنصري اليومي للأقلية العربية داخل حدود الدولة العبرية، وكل هذا يجري بالتوازي والتكامل مع قوانين وأشكال الاضطهاد والتمييز التي تستهدف أبناء شعبنا في مدينة القدس، بدءاً من عمليات التلككك والاستهداف في سحب هويات المقدسيين، تارةً لأسباب يدعون علاقتها بمنفذي عمليات عسكرية وتارةً لأسباب التأخر في الإقامة خارج البلاد، واليوم تسحب بحجج أمنية سرية بالنسبة لهم وغير معلنة، وأخيراً وليس آخراً طالعونا بقرار عنصري غير مسبوق باعتبار دولة إسرائيل دولة يهودية خالصة لليهود، الأمر الذي سينال من حق شعبنا في أرضنا ومن حقوق المراطَنة العربية في إسرائيل، وكل هذا سيطيح بالآمال في بناء سلام يصمد للأجيال في أي صيغة كانت، ويعقد الأمور من خلال وضع العصي في دواليب المفاوضات وآفاق التعايش اللاحق. إن ما تمارسه حكومة نتنياهو من رعونة وسياسات عدمية عمياء، بات يفوق الوصف ولا يقل دموية وإرهاباً عما تفعله أية مجموعات عنصرية أو طائفية متطرفة في أي بقعة من بقاع العالم. نعم هذا هو الإرهاب الحقيقي الذي يستحق أن تجيش له الأممالمتحدة والديبلوماسيات الدولية برمتها وتشد في مواجهته الرحالْ، وتنفق في محاربته الأموال. عن أي إرهاب تتحدثون وهذا الإرهاب الفاقع يتبدى أمام أنظار العالم المتحضر بدمٍ فلسطيني يُراق في الشوارع والبيوت وعلى الطرقات، يُداس الإنسان، وتداس المقدسات وتسحق القوانين والأخلاق والقيم الإنسانية تحت جنازير وبساطير عنصريتهم وضلالهم. ولعمري إن "داعش" و"الداعشيين" عموماً، ما هم إلاَّ نتاج ووليد لوجود هذه السياسات والمشاريع العنصرية الملتهمة لبلادنا بشراً وحجراً، لكي يشكلوا الغلاف والوعاء الحافظ لتمرير وتمكين المشروع الصهيوني المتطرف في إسرائيل وتكريس يهودية الدولة. فأي حقٍّ رُفِع وأي باطلٍ يوضع اليوم في أرض السلام وموئل الأنبياء. وكيف وإلى متى يمكن لمثل هذه الدولة أن تستمر في انفلاتها على مثل هذا الباطل الدموي المفزع، ليس للفلسطينيين وحسب لا بل ويطال الإسرائيليين ومستقبلهم كذلك. كيف لا وها هم يرغون ويزبدون باستخدام لغة التهديد والوعيد والشر المستطير في وجه أي دولة تعترف بالدولة الفلسطينية أو حتى تلك التي تسول لها نفسها أن تعترف بدولتنا. يعني السياسات العنصرية الإرهابية انفلتت من عقالها وباتت تطال حلفاء وأصدقاء إسرائيل بما في ذلك الولاياتالمتحدة. ما جعل لسان حال هؤلاء مع إسرائيل مقولة:" سَمِّن كلبَك يأكُلَك". نعم، إنها حالة كلب سعران يعض كل من لا يروق له ولا يدين له بالولاء الأعمى ومن غير ليه. حكومة تعترض أي سلام ممكن، لأن في ذلك الوقود الدافع لديمومتها، لذا يعترضون حياتنا في كل شيء وينتهكون بنا القوانين والأخلاق والأعراف في سبيل ذلك، لكنهم نسوا أو تناسوا أن تحقيق أي سلام بيننا وبينهم على أساس عادل ومتوازن، سيكون سلاماً آمناً لهم ولدولتهم ولمستقبل أجيالهم المرتبط حتماً مع أمننا وأماننا ومستقبل أجيالنا ودولتنا، وعلى نحو جدلي صرف، فنحن من ارتضينا المساومة على الحق التاريخي لأجل سلام ممكن ومشروع، ننعم به وإياهم وللأجيال والمنطقة من حولنا، وليس هم. إن ما يفعله نتنياهو وحكومته، لا يضر بمصالح الفلسطينيين وحدهم، وإنما يلحق أفدح الأضرار بسلامة مصالح ومستقبل إسرائيل ذاتها. فقيام السلام والدولة الفلسطينية، بات يشكل اليوم ليس مصلحة فلسطينية وحسب، وإنما مصلحة وضرورة إسرائيلية وإقليمية ودولية كذلك. إنها فرصة تاريخية لهم قبل أن تكون لنا، وجود قيادة فلسطينية واضحة وجريئة وشفافة وتؤمن بالسلام كخيار إستراتيجي. فهل يمكن لمطلق دولة أن تعيش حياتها، باستعداء محيطها وحدودها في أرضها وسمائها، وتقوم على احتلال أرض شعبٍ آخر، عبر سياسات استعمارية عنصرية، وتهديدات بالشر المستطير لمريديها ومبغضيها وبعذاب القبور والويل والثبور وعظائم الأمور؟! لقد بالغوا في التيه وعَلَوا علواًّ كبيرا، فَطَغوا في البلاد بعد أن ضلوا سبيل الرشاد، لكنهم ناسين أن حتمية التاريخ وتجاربه، قالت وما زالت تقول، أن المبالغة في الظلم والطغيان على بني الإنسان، ستجعل سقوط الطاغية عند لحظة الحقيقة مدوياً من علوه الشاهق الذي سعى وعَلا له، وخير دليل في الزمان على الدوامْ، ما جرى ويجري للطغاة والحكامْ، إن في حاضر الأزمان أو سالف الأيامْ، فلكل بداية نهاية ولكل أجلٍ كتابٍ وأحكامْ، وما طار طيرٌ وارتفعْ إلاَّ كما طارَ وَقَعْ، واحنا من عِندنا بِنقول لُه:" شَكَعْ بَكَعْ ريتَك تِكَعْ". فالويل والثبور سيطالنا ويطالهم ما لم يجنحوا للعقل والعدل والمنطق، ونحن من جانبنا يجب أن نتكاتف لدعم موقف الرئيس في مشروعه السياسي الوطني وتصديه للهجمة الاسرائيلية العنصرية المتطرفة، ففي ذلك الخلاص والسلامة لنا والفشل والهزيمة لمشروعهم العدمي المتطرف الأدعش من داعش وأخطر. الملعب عارٍ واللعبة مكشوفة، فهم يسابقون الزمن، ويعاندون القانون والتاريخ والعدل والشرائع الدولية، فيبنون آلاف الوحدات الاستيطانية عنوةً على أرضنا وأنقاض بيوتنا المهدومة بمعاولهم ظلماً وعدوانا، ويفرضون بقوانينهم الاحتلالية العنصرية وقائع على الأرض تعزز احتلالهم واستيطانهم وتطمس معالم شعبنا وتاريخه ووجوده وتراثه، فهم يمنعون الفلسطيني من البناء على أرضه أو حتى إصلاح بيته المتوارث عن آبائه وأجداده، في صراع بقاءٍ غير متكافيء معهم وعالم ليس لنا، نخوضه بلسان حالٍ دائم مفاده يا وحدنا، والرب لم يُهييء لنا بعد رَشَداً من أمرنا، مع استمرارنا بالتنابذ والانقسامْ، وإغراق غزة في حروب الموت الزؤامْ، وحرب البلطات والسكاكين في مواجهة الكراهية والانتقامْ، بقوانين تحمي المعتدي وتضع الشهيد في قفص الاتهامْ، وتع واتفرج ياسلام على الظالم والظُّلاَّمْ، اللي ادَّعوا العدالة وإنهم طُلاَّب السَّلامْ، عشمونا بِجوازِه وبالآخر طِلْعِ اسْتِحْلامْ. فهذا العمى السياسي الإسرائيلي يأتي اليوم، في إطار الضارة النافعة في خدمة السياسة العقلانية الفلسطينية التي ينتهجها الرئيس، في مواجهة هذا الصلف، والتي تحظى باحترام والتفاف دولي غير مسبوق. ولعل في الانتقادات الدولية والمحلية اللاذعة التي تواجهها اليوم سياسات نتنياهو، والتي لم يكن آخرها انتقاد رئيس الدولة العبرية لمشروع قانون يهودية الدولة، ما يؤكد مصداق سالف نقدنا أعلاه. ما يحتم علينا أن نضبط النفس ونلجم أي تطرف من جانبنا وخصوصاً أولئك الذين يتبرعون في كل مرة لإلقاء طوق النجاة لنتنياهو وأسلافه، وعدم السماح لأي كان أن يجرنا خارج النص الوطني الفلسطيني، أو يحرفنا عن خط ونهج السياسة العقلانية الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس أبو مازن، التي أضحت هي الضمانة والمعقل الأخير في حماية الحقوق الفلسطينية المشروعة في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة المنشودة، وفي ذلك ما سيسهل على فرنسا إنجاح دعوتها لعقد مؤتمر دولي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على أساس قرارات الشرعية الدولية وحسب، والله من راء الحَسْب. فدعم الرئيس والالتفاف حوله في هذه اللحظة الثمينة واجب وطني وفرصة قد لا تتكرر. إذ لا مفر لهم ولا لنا من حتمية التعايش البناء في دولتين متجاورتين وسلام عادل ومتوازن يحفظ حقوق الجميع دون استثناء، وخلاف ذلك ويلً وثبورْ وعظائم أمورْ.