تعكف السلطات الروسية على بلورة عقيدة عسكرية جديدة، تتيح لها شن ضربات نووية استباقية، في حال بروز خطر يهدد الأمن القومي. ووفقا لما جاء على وكالة "الأناضول" للأنباء فمن المقرر أن تراعي هذه الاستراتيجية، أيضا، المخاطر المستجدة التي تهدد الأمن والاستقرار في روسيا، والتحديات التي تواجه مصالحها. وقال الخبير العسكري، ايجور كوروتشينكو، رئيس تحرير مجلة الدفاع القومي، إن "العقيدة العسكرية الجديدة، تؤكد حق روسيا في توجيه ضربات نووية استباقية، في حال بروز أخطار تهدد الأمن القومي أو وحدة الأراضي الروسية وسيادتها" . وأوضح كوروتشينكو في حديث مع عدد من الصحفيين، بينهم مراسل وكالة "الأناضول"، أن "العقيدة الجديدة، ستشير إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" وسياسته في التوسع شرقا، وتقدم هيكلته العسكرية نحو الحدود الروسية كأهم تهديد للأمن القومي الروسي، يليه خطر التطرف والإرهاب الديني والثورات الملونة". وحاليا، تعمل روسيا بعقيدة عسكرية تقضي بحق اللجوء لاستخدام الأسلحة النووية، ردا على أي عدوان مسلح مباشر، وليس بصورة استباقية. ووفق مصادر مطلعة ل"الأناضول"، فإن خبراء في وزارة الدفاع الروسية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية يعكفون حاليا على وضع اللمسات الأخيرة على العقيدة الروسية الجديدة التي من المقرر أن ترى النور في المستقبل القريب. ورغم إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الاستراتيجية العسكرية الروسية الجديدة، تتسم بطابع دفاعي، وتأكيده أن روسيا لن تنجر إلى مجابهات حربية، يرى محللون روس أن هدف العقيدة العسكرية الجديدة، يكمن في توجيه رسائل لا تحمل الشك، بأن روسيا لن تسمح بأي مخاطر تهدد سيادتها وسلامة أراضيها واستقلالها أو تغيير النظام السياسي فيها عن طريق الضغوط والعقوبات. وكان الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أدرج في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة أواخر سبتمر / أيلول الماضي، دولة روسيا، ضمن ثلاثة أخطار أساسية، تهدد الأمن القومي الأمريكي، إضافة إلى الإرهاب الدولي، وفيروس "إيبولا". وفي حينها، أثار الموقف الأمريكي انزعاجا غير مسبوق لدى القيادة الروسية، التي رأت فيه محاولة أمريكية لقطع أواصر التعاون التي نسجها الطرفان خلال العقود الأخيرة، والتي شملت الكثير من الملفات، أبرزها معالجة مسالة الأسلحة الكيمياوية في سوريا، وإيجاد حل لأزمة الملف النووي الإيراني، وتحويل شبه الجزيرة الكورية إلى منطقة خالية من الأسلحة الكيمياوية، وتطبيع الوضع في أفغانستان، وتبادل المعلومات في مجال التصدي للإرهاب الدولي، ومكافحة التجارة غير المشروعة للمخدرات والجريمة المنظمة وتجارة البشر وغيرها. وردا على الموقف الأمريكي، أعلنت موسكو أكثر من مرة، رفضها مواصلة التعاون في مجال تصفية الأسلحة الهجومية النووية، وهو الأمر الذي يسبب قلقا كبيرا للأمريكيين والأوروبيين على حد سواء، ووقعت روسياوالولاياتالمتحدة في عام 1991 معاهدة تصفية الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، والتي تسمح لكل طرف من الأطراف بامتلاك ما لا يزيد على 6 آلاف رأس نووي موزعة على وسائل نقل متنوعة. وقلصت معاهدة موسكو التي وقعها البلدين في 2002 هذا الحد إلى ما يتراوح بين 1700 و2200 رأس نووي ويستمر العمل بها حتى عام 2014. وكانت روسيا خصصت 600 مليار دولار لتطوير قدراتها العسكرية حتى عام 2020، وعلى وجه الخصوص العنصر النووي في أشكاله البرية والبحرية والجوية. وأجرت القوات الروسية، خلال الأعوام الأخيرة، ثلاثة آلاف من المناورات والتدريبات البرية والبحرية والجوية والصاروخية، بهدف رفع مستوى القدرات القتالية، وقياس مدى قدرة هذه القوات على استيعاب التكنولوجيا الحربية المعاصرة المعقدة، وعينت واحدا من أبرز الصقور، وهو دميتري راجوزين، مسؤولا عن ملف التسليح ورئيسا للمجمع العسكري الحربي الروسي. هذا الأمر، دفع وزير الدفاع الأمريكي، تشاك هاجل، مؤخرا، إلى التحذير من أن لدى روسيا قوات عسكرية خطيرة تقف على أعتاب حلف "الناتو". وكان من الطبيعي، أن يستهجن وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، هذا التصريح، ويعيد إلى أذهان نظيره الأمريكي أن قوات حلف ناتو تقترب من الحدود الروسية من خلال قواعدها العسكرية التي باتت تنتشر في جمهوريات البلطيق "استونيا، ولاتفيا، وليتوانا"، وعمل مستشاريه العسكريين في جورجياوأوكرانيا، وقوات الدفاع الصاروخي التي يجري نصبها في بولندا ورومانيا وبلغاريا. وحاليا، يدفع الجانب الروسي إلى ربط أي تقدم في المفاوضات حول تصفية أسلحتها الهجومية الإستراتيجية / النووية، بأربعة شروط أساسية؛ أولها: توقف حلف ناتو عن التوسع شرقا، وعدم التفكير بضم أوكرانياوجورجيا إلى الحلف، وثانيها: التراجع عن إقامة الدرع الصاروخي الذي تعمل الولايات وحلف الناتو على إقامته في عدد من دول أوروبا الشرقية على الحدود الروسية، وثالثها: انضمام جميع الدول الاعضاء في النادي النووي، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا والصين، وكذلك الدول التي تقف أمام العتبة النووية، إلى هذه المفاوضات. وبخصوص الشرط الرابع، تصر روسيا، أيضا، على أن تشمل أي مفاوضات مستقبلية، حول الحد من الأسلحة، القدرات الأمريكية والأوروبية العسكرية التقليدية المعاصرة بالغة الدقة، خاصة بعد أن قاربت القوة التدميرية لهذه الأسلحة من نظيرتها النووية، والتي يرى فيها الجانب الروسي خطرا داهما. تجدر الإشارة إلى أن روسيا تخلفت في مجال الأسلحة التقليدية بقدر كبير عن مثيلتها الأمريكية، بسبب تعطل عمليات البناء العسكري خلال الفترة الانتقالية التي شهدتها روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي وبداية الألفين. وعمل الخبراء الروس، على تطوير الأسلحة النووية، من أجل تلافي الفارق مع الولاياتالمتحدة التي باتت تمتلك أسلحة تقليدية عصرية بالغة الدقة، وذات قوة تدميرية غير مسبوقة، تغنيها عن اقتناء الأسلحة النووية.