باحث مصري يحصد أرفع جائزة للتراث اللامادي بالألكسو عن الفلكلور المصري المؤسسات الثقافية أشبه بالجزر المنعزلة و نعانى من حجر على المعلومات نداءات البائعين و المعظلات اللسانية أغرب تصنيفات المكنز سيرة "الأميرة ذات الهمة " و "حمزة البهلوان " سير مجهولة فيلم عنتر بن شداد لم يكن سوى جزء من سيرته..و لا أحد يعرف عن زوجاته السبع " الفلكلور " حاضنة الفنون و الحكايات و الأساطير القديمة التى يتوارثها شعب فتصبح جزءاً من تاريخه و حاضره و " دورة حياته " .. برغم ما يعانيه التراث المصرى من إهمال و لكن هناك عدة محاولات لإحيائه ، كان آخرها إنشاء " مكنز الفلكور المصرى " و هو الأول من نوعه فى العالم ، و حاز صاحبه د.مصطفى جاد أستاذ الفلكلور بالمعهد العالى للفنون الشعبية على جائزة الألكسو فى التراث العربى ، و فى حواره مع شبكة " محيط " حدثنا عن مشروعه الذى يعد قبسة من نور على الطريق لإحياء التراث .. ما الذي تمثله لك جائزة الألكسو للتراث ؟ الجائزة دولية ،وبالطبع سعيد لحصولى عليها، خاصة وأن باحثين من العالم العربي كله شاركوا فيها . وقد فاز كتابى بالمركز الأول من بين 107 عمل قدموا للجنة ، و سر سعادتى أن الجائزة الأولى للتراث العربى اللامادى كانت من نصيب مصر . هل كتابك بالفعل أول مكنز متخصص فى الفلكلور ؟ هناك مكانز كثيرة كمكنز اليونسكو ، ومكنز الجامعة العربية ، و مكنز علوم المكتبات و مكنز طبى ، و لكن هذا أول مكنز للفلكلور على مستوى العالم العربى و الدولى أيضا ، فلا يوجد فى العالم مكنز جامع شامل للفلكلور . و مكنز يعنى عمل تصنيف متخصص لعلم الفلكلور ، و ينقسم المكنز إلى 6 أقسام رئيسية هى : الثقافة المادية ، الفنون الشعبية ، الأدب الشعبى ، العادات و التقاليد ، المعتقدات و المعارف الشعبية ، و أخيرا موضوعات الفلكلور العامة ، و كل قسم منهم يندرج تحته العديد من الأقسام الفرعية ، فالمكنز يحوى 8 الآلاف موضوع متخصص . فنجد تحت قسم العادات و التقاليد " دورة الحياة " و يتفرع عنها عادات الميلاد و الزواج و الوفاة ، و الزواج يتفرع عنه الفاتحة و الخطوبة و كتب الكتاب و الدخلة و حفلة الزفاف و أغانى الزفاف ، و فى المعتقدات الشعبية نجد الطب الشعبى و الأولياء و الأساطير و الخرافات ، و السحر الذى يندرج تحته قراءة الطالع و الذى تنقسم لقراءة الطالع عن طريق الكف أو عن طريق الودع أو الكوتشينة ، و هكذا لتستعرض كافة تفصيلات علم الفلكلور . مكنز الفلكلور المصرى عبارة عن مجلدان أحدهما تصنيف هجائى و الآخر موضوعى ، سيتم تحديثهم بشكل دورى . متى بدأت فى هذا العمل الضخم ؟ بدأت به بعد عودتى من باريس بعد حصولى على الدكتوراه فى عام 2000 ، و أقدمت على هذا المشروع الضخم لعدم وجود أرشيف للفلكلور المصرى ، و هذا ما يجعله عرضة للضياع . و فى عام 2003 وقعت مصر على اتفاقية اليونسكو لحفظ التراث المادى و اللامادى ، و اختارتنى اليونسكو ضمن 7 من الخبراء العرب للتدريب على ما نصت عليه الاتفاقية،و اختيار منظمة الألكسو بدعم من اليونسكو "مكنز الفلكلور " لجائزة التراث ،فهذا يعد اعتراف عالمى بالمكنز كأدة تصنيف علمية منهجية لحفظ التراث . ما الأهداف المستفادة من وجود " مكنز للفلكلور " ؟ مجتمعنا العربى فى الوقت الراهن يحتاج لحفظ و أرشفة التراث الشعبى المادى و اللامادى لحفظه من الضياع ، و توحيد المصطلح الفلكلورى العربى ، و حماية تراثنا من طمس الهوية ، و إيجاد شرعية لتطبيق قوانين الحماية الفكرية للفلكلور . كما سيفيد المكنز المؤسسة السياسية فى مصر ، و يساعدها على اتخاذ القرار الصحيح ، حيث تُعد المادة الفولكلورية مؤشراً دقيقاً لرصد التعرف على ردود الفعل الجماهيرى إزاء أمور وموضوعات معينة في مرحلة معينة ، و مثال على ذلك عندما انتشرت انفلونزا الخنازير ، قام المسئولون بإصدار قرار إلغاء الموالد ، و حينها زادت الموالد أكثر ، فمن يعرف مدى قداسة تلك الموالد لدى الشعب المصرى لن يتخذ هذا القرار ، و فى مصر يتشابه موالد الأولياء و القديسين ، و هذا أبسط مثال لاتحاد النسيج المصرى . و حفظ تراثنا الشعبى و إحيائه سيساعد على ازدهار الأدب و الفن المسرحى الجاد ، فاستطاع أديب نوبل "نجيب محفوظ " من خلال غوصه بالتراث الشعبى أن يبدع الحرافيش ، لافتا أنظار العالم من خلال التراث الشعبى الخاص بالحارة . ما هى مصادرك فى جمع معلومات المكنز ؟ المكنز عبارة عن رؤوس المعلومات فقط ، أما المعلومات التى تصنف تحتها فهى التى جمعتها مصر خلال تاريخها ، و هناك معلومات قمت بجمعها لأعرف بنفسى البناء العام الذى سأقيم عليه المكنز ، لأتابع من حيث توقف الآخرون و أضيف إلى ما جمعوه . المواد التاريخية تجمع من المراجع و الحالية تصور و تجمع ميدانيا ، و يتيح المكنز كل ما يخص المعلومة التى يبحث عنها الفرد بمعلومات مكتوبة و مسموعة و مرئية و مقارنات بين ما كانت عليه فى الماضى و الآن . الفلكلور راجعه د.محمد الجوهرى ،و د. محمد فتحى عبد الهادى و هم أساتذة عظماء فى علم الفلكلور و المكانز ، و قاعدة معلومات المكنز متاحة على موقع مكتبة الإسكندرية الإلكتروني ، حيث أُصدر المركز بدعم مركز توثيق التراث الطبيعي التابع للمكتبة. ما هى الفترة الزمنية التى يغطيها المكنز ؟ هناك تقسيمان تاريخى و جغرافى ، التقسيم الجغرافى تقسم فيه مصر لمحافظات التى تنقسم بدورها لقرى و مراكز و نجوع ، و يكشف المكنز عادات أهلها حاليا و فى العصور القديمة كالعصر الفرعونى و الممملوكى و العباسى و غيرها من العصور ، ليغطى بذلك المكنز البعد التاريخى . المعوقات التى واجهتك فى مشروعك ؟ هناك العديد من المؤسسات فى مصر قائمة على جمع الفكلور عليها جميعا ان تصب فى المكنز ، ليكون لدينا مصدر واحد جامع لتوثيق تراثنا بشكل عام ، و لكن هناك مشكلة تنسيق ، و " حجر على المعلومات " من بعض المؤسسات . أما داخل المكنز فكانت المشكلة الكبرى هى " الموضوعات المتداخلة " ، فعادات الزواج يندرج تحتها الأغانى التى تندرج أيضا تحت الموسيقى ،و زى العريس و العروسة يدخل فى الأزياء ، و رش الملح يدخل فى المعتقدات الشعبية من أجل الحسد ، و الأكل الذى يقدم يدخل فى عادات الطعام . و استطعت أن أتخطى تلك لصعوبة بعمل ربط بين الأشياء المشتركة ، للتسهيل على الباحث ، ليقسم الزواج نفسه إلى عادات شعبية و معتقدات و رقص و موسيقى و طعام و غيرها من التصنيفات. و المشكلة الوحيدة المتبقية ان يملئ المكنز بالمعلومات ، هناك مواد كثيرة فى كافة أنحاء مصر و أصحابها لا يريدون الإفراج عنها ، و عانيت كثيرا لمخاطبة المؤسسات المسئولة ،فالمسألة معقدة جدا ، وزارة الثقافة بها 80 مؤسسة لها علاقة بالفلكلور ، كالحرف و التراث و المؤثرات الشعبية و أطلس الفلكلور و مركز توثيق التراث و الفن الشعبى ، و العديد من الجمعيات الأهلية و الباحثين و المعاهد الأكاديمية ، جميعهم يعملون بمعزل عن الآخر فى جزر منعزلة . حدثنا عن أغرب التصنيفات التى يحويها المكنز ؟ يحوى المكنز بداخله فى تصنيفاته الفرعية باب للفكاهة و النكتة فى الأدب الشعبى ، و هناك فرع الفوازير و الألغاز و الأمثال الشعبية ، و الألعاب الشعبية قديما و حديثا كالسبع طوبات و الأولى و لعبة تريك تراك و لعبة الوى و التعلب فات ، مئات الألعاب التى لا يعرف عنها أطفالنا اليوم شيئا يمكنهم مطلعتها بالصور و الفيديو ، كما يحوى بداخله حتى نداءات البائعين ، و هى أمور تمثل جذب للقراء و تساهم فى نشر التراث الشعبى . ماذا عن المعظلات اللسانية ؟ و معجم لغة الحياة اليومية ؟ المعظلات اللسانية موجودة فى التراث العربى القديم ، و نستخدمها كلعبة لتعليم الصغار النطق السليم ، مثل "قميص نفيسة نشف ..قميص نفيسة لسه منشفش " ، و " أرنبنا فى منور أنور .. و أرنب منور فى منورنا ". أما " معجم لغة الحياة اليومية " فوضعته بالاشتراك مع أستاذى د. محمد الجوهرى ، المعجم يسجل لغة الحياة اليومية التى يستخدمها شبابنا هذة الأيام مثل " روش " و " احلقله " و " نفض " ، " سيبك منه ده مضروب "، و المعجم ممتع جدا للشباب ، و من خلاله يتعرفون أيضا على لغة الحياة اليومية المستخدمة قديما ك " العواف " و " يسعد مساك " و " ممنون " . و اختلاف المصطلحات بين أيام زمان و الآن تحوى كم كبير من المفارقات . ما الفرق بين الأطلس و المكنز ؟ دور الأطلس أنه يتناول العنصر جغرافيا ، و لدينا فى مؤسسة الثقافة أطلس الفلكلور ، و حصلت من قبل على جائزة الدولة التشجيعية عن تجربتى فى أطلس دراسات التراث الشعبى ، لكن المكنز أرشيف لكافة المعلومات مهما كان مكانها أو تفصيلاتها ، ماذا عن مشروع المكنز العربى ؟ بعد انتهائى من المكنز المصرى و نشره فى 2008 بدأت العمل فى المكنز العربى ، قمت بجهد كبير فيه و سأنتهى منه فى 2015 و اعتمدت فيه على كل المراجع العربية ، و على الورش الميدانية التى أقمتها فى العديد من الدول العربية ، ففى المغرب العربى دربتهم على كيفية عمل مكنز ، و أصدروا مكنز للفلكلور المغربى و كذلك الجزائر ، و حاليا تقوم البحرين و الإمارات بإعداد مكنز للفلكلور ، و سوريا طبقت المكنز المصرى مع بعض الإضافات ، و فى الأردن أقاموا مؤسسة لمركز الفلكلور. تراثنا الشعبى المهمل كيف نعيد إحيائه من جديد ؟ إحياء التراث الشعبى بتوظيفه فى الأغانى و المسرحيات و غيرها من العروض الفنية التى تجذب قطاع كبير من الناس ، فالمكنز حجر الأساس فى حفظ التراث و الفلكور ، و لكنه يحتاج من أصحاب الرؤى أن يتحركوا و يوظفوا محتوياته ، كل محافظة لها فلكلورها الخاص بها ، الفلكلور الساحلى ، فلكلور الواحات ، فلكلور الدلتا ، فلكلور الصعيد ، كل منطقة تبرز تراثها الشعبى "التنوع " الذى تمثله مصر . الأعمال التراثية التى جرى تحويلها لمسرحيات و أفلام هل ساهم ذلك فى زيادة قيمتها أم تشويهها ؟ تقديم العمل بشكل جيد و محترم يساعد على جذب الجمهور ، فأرى أنه من الأمور الجيدة و ليس عامل تشويه، فمن يستطيع الآن قراءة ألف بيت شعر عن السيرة الهلالية ، إنما العمل الفنى فيقوم بتبسيطها و تجسيدها للناس . فيلم عنترة بن شداد لم يكن سوى أول مائتى صفحة من السيرة فقط ، الكثيرون يعرفون شجاعة عنترة و لكنهم لا يعرفون كم الحروب و الأسفار التى خاضها ، و لا يعرفون عنه سوى حبه لعبلة و لكن ما لا يعرفونه أن عنتر تزوج من 7 نساء من أفريقيا و من الروم و الفرس ، و السيرة حافلة بقصص الحب و الانتصارات و لكن لم يقرأها أحد ، و هذا ما يفعله المكنز بأن يقوم بأرشفة و تنظيم هذا العمل . السيرة الهلالية من أكثر الأعمال التى تم تجسيدها فنيا، لذا من واجبنا أن نمد المبدعين بنصوص التراث الشعبى و السير الشعبية و عليهم تجسيدها بشكل جيد ، بدلا من التركيز على عمل أو اثنان من السيرة و إهمال الكثير من الأعمال الجيدة . أعطنا أمثلة عن التراث الشعبى الغير معروف ؟ من الأعمال التراثية غير المعروفة ، سيرة الأميرة ذات الهمة، و حمزة البهلوان ، و فيروز شاه ، و الملك سيف بن ذي يزن . و عن أزياء المرأة الشعبية فهى رائعة جدا و ثرية و لم يتم توظيفها على مستوى وطنى ، أما الحرف الشعبية فنحن نستخدم أدوات الطبخ القادمة من الخارج و نننسى أن لدينا حرفة الفخار من أفضل الوسائل الصحية لتناول الطعام . ماذا عن الأقاويل الخاطئة التى تحوم حول التراث ؟ تدور أقاويل كثيرة حول التراث ، أدهم الشرقاوى قالوا عنه لص ، و ياسين قالوا عنه مجرم و أن بهية لم تبكيه بل فرحت لموته و تحررها منه هذا ما يردده التاريخ الرسمى للمحللين ، إنما التاريخ الشعبى فيتغنى ببطولات أدهم الشرقاوى و ياسين و العبرة بالقيمة التى يتعلمها الناس من تلك السير ، نحن لا نعنى بإذا كان ما يردد صحيح أم خطأ ، نحن نرصدها جميعها ، أما عن مدى صحتها من عدمه فهذا متروك للتحليل .