استضاف بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية؛ حفل تكريم د.مصطفى جاد ود.سعيد المصري وذلك لحصولهما على جائزة التراث العربي، حيث فاز كتاب الأول "مكنز الفلكلور" بالمركز الأول بالجائزة، وفاز كتاب الثاني"استعادة التراث الشعبي" بالمركز الثاني بالجائزة التي تمنحهما المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو)، والتي أعلنت نتائجها مؤخرًا في دولة الكويت في حفل نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والعلوم بحضور الدكتور عبد الله محارب مدير الالكسو والمهندس علي حسن اليوحة وممثل اليونيسكو، وتلك الدورة هي الثانية وتأتي مجال الجائزة لصون والحفاظ على التراث اللامادي. افتتح الحفل د.خالد عزب مؤكدا أن فوز اثنين من علماء مصر الأجلاء بجائزة التراث العربية باعثا على الفخر، إذ إن مثل هذه المنافسات الشرسة تفرز دائما ما لا نتوقعه، خاصة أن التقدم فى مجال الجائزة وهو التراث اللا مادى كبير فى العديد من الدول العربية كالسعودية والأردن والمغرب وتونس. ولفت أن د.مصطفى جاد بدأ مشروعاً طموحاً مع مكتبة الاسكندرية لبناء مكنز للفلكلور المصرى يفيد فى توثيق التراث المصرى بل ويسهل الأمر على الباحثين المصريين والعرب والأجانب، أنجز هذا المشروع فى مجلدين كبيرين، اعتبرهما مقدمة لانجاز مكنز الفلكلور العربى. أما الدكتور سعيد المصرى أستاذ علم الاجتماع فى جامعة القاهرة، الذى اتبع منهجاً غير مسبوفاً لدراسة التراث الشعبى عن احياء هذا التراث لدى الفقراء، نشر جهوده البحثية فى كتاب صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، جمع فيه بين مناهج علم الأنثربولوجى وعلم الاجتماع ودراسات التراث الشعبى، فهو يعمل على العلوم البينية العابرة للعديد من العلوم، وهو الجديد فى مجالات البحث العلمى. وتحدث د.فتحي صالح مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية كاشفا عن علاقته بالدكتور مصطفى جاد الذي استقبله في باريس أثناء عمله كمستشار ثقافي بالسفارة المصرية هناك، ووضعه على الطريق في أطروحته للدكتوراه التي هي اشراف مشترك، وعندما عاد إلى القاهرة وكان مركز توثيق التراث قد تم افتتاحه طلب لقاءه، وقال له "إننا نجهزك لعمل قومي جيل يتمثل في جمع التراث الشفوي المصري"، ودار بيننا حوار حول منهج وطريقة جمع هذا التراث، ومنذ ذلك الوقت يواصل د.مصطفى العمل حتى خرج هذا العمل "المكنز" الذي كان تحقيقه حلما للباحثين والدارسين، إننا أمام باحث قدم إنجازا قوميا يعمل الآن على استكماله ليكون هناك مكنز فولكلور قومي عربي. واستعرض د.مصطفي جاد كتابه "مكنز الفلكلور" مؤكدا أنه يمثل حجر الأساس لأرشيف الفولكلور القومي على أسس علمية وتقنية تساير الاتجاهات العالمية الحديثة. ولقد سجل حركة الفولكلور العربي خلال هذه الفترة أيضاً ظهور جانب مهم في إطار توثيق البحث الفولكلوري، وهو الجانب الببليوجرافي؛ حيث صدرت أربع ببليوجرافيات أساسية في مجال علم الفولكلور تُسهم جميعها في تدعيم وبناء أرشيف الفولكلور العربي. وكان قد حان الوقت لأن يكون في المنطقة العربية مكنز متخصص في الفولكلور على غرار المكانز العالمية والعربية؛ مثل مكنز اليونسكو، ومكنز الجامعة العربية الصادر عن مركز التوثيق والمعلومات بجامعة الدول العربية، ومكنز الصور الإثنوجرافية Ethno photo الفرنسىي، وأن يكون لكل عنصر فولكلوري عربي رقم في أرشيف قومي متقدم، وأن تكون للحديث عن حماية الفولكلور مرجعية نستند إليها. وقال د.مصطفي "نأمل أن يخدم المكنز الذي يستوعب حوالى 8000 واصفة، تكشيف المادة الفولكلورية بوسائطها المتعددة، وبذلك نكون قد بدأنا الخطوات الأولى في إعداد نواة علمية لقاعدة معلومات قوية للمأثورات الشعبية العربية، كما يمكننا أن نبدأ بخطوات راسخة في مشروع أرشيف الفولكلور الوطني". وأضاف "تعد أكثر التعريفات تداولاً وشهرة بين المتخصصين في علم المعلومات لمفهوم المكنز Thesaurus هو التعريف الذي اعتمدته المنظمة الدولية للتوحيد القياسي International Standardization Organization والذي يشير إلى أن "المكنز من حيث الوظيفة هو وسيلة ضبط للمصطلحات، وتُستخدم للترجمة من اللغة الطبيعية للوثائق من قبل المكشفين أو المستفيدين إلى "لغة نظام" أكثر تقييداً (لغة توثيق، لغة معلومات). والمكنز من حيث البناء هو لغة مضبوطة وديناميكية تتكون من المصطلحات المتصلة ببعضها البعض دلالياً وهرمياً وتغطى أحد حقول المعرفة وأوضح "نستطيع في هذا الإطار أن نقف على مجموعة من المحاور الأساسية التي تكشف لنا مراحل إعداد مكنز الفولكلور، ومراحل تطوره، والاستفادة من بعض التجارب العربية والعالمية في بناء هذا المكنز حتى أصبح في هيئته الحالية: الغرض من إنشاء المكنز، خصائص لغة الاسترجاع، مكنز الإثنوفوتو الفرنسي، الفولكلور في المكانز وخطط التصنيف ورؤوس الموضوعات، جمع مصطلحات مكنز الفولكلور، تصنيف وتسجيل الواصفات، القسم المصنف والقسم الرئيسي للمكنز، الرموز المستخدمة ، التحرير والمراجعة، اختبار المكنز، والإنتاج واستخدام الحاسب الآلي. حدد تاريخ حركة الفولكلور العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، قد حدد المجال الموضوعي لعلم الفولكلور، وإن اختلفت طرائق التصنيف للموضوعات المختلفة، غير أن المجال الموضوعي لم يخرج عن الموضوعات الأربعة التالية: المعتقدات والمعارف الشعبية – العادات والتقاليد الشعبية – الأدب الشعبي – الفنون الشعبية. وأشار إلى أن هذا المكنز أنشئ بحيث يُغطى أوعية المعلومات: المكتوبة والمسموعة والمرئية والمصورة وإيجاد العلاقات المنطقية بينها، وهو طموح مشروع في ظل الإمكانيات التكنولوجية المطروحة الآن، فضلاً عن طبيعة المادة الفولكلورية ذات الوسائط المتعددة. وإذا كان موضوع الفولكلور يمثل فرعاً موضوعياً ضمن تصنيفات المعرفة العشرة، فإن هذا التحديد – أو التضييق الموضوعي – يؤكد أيضاً على مشروعية التوسع في أوعية المعلومات التي نتعامل معها، ومن ثم فإن مكنز الفولكلور يُغطى الأوعية التالية: الأوعية المسموعة، الأوعية المصورة، الأوعية المرئية، والأوعية المدونة. وقال د.مصطفى "تعتمد جميع الواصفات مباشرة على الحاسب الآلي في عمليات الإضافة والرصد، وهو وسيط لا بديل له في الوقت الراهن. ولا جدال في أن استخدام الحاسب في إعداد المكنز قد وفر علينا عمليات كتابية وروتينية كثيرة، كما أنه قلل من الأخطاء إلى حد كبير. وقد قمنا مع فريق العمل بقسم التراث الشعبي بالمركز القومي لتوثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية، بتصميم برنامج متخصص يحوى واصفات المكنز لإتاحة تطبيقه؛ بحيث يتسنى إخراج هذا البرنامج على أقراص ممغنطة (سى دى)، يمكن لأية مؤسسة متخصصة في مصر أن تستخدمه في عمل أرشيفها الخاص. ومن ثم يكون لدينا نظام موحد في التكشيف الرقمي لاستدعاء المعلومات الفولكلورية. ومن الإنصاف هنا أن نشيد بالجهد العلمي والتقني لفريق المركز، وبخاصة المهندسة وفاء القصاص التي ساهمت بخبراتها في مجال البرمجيات لعمل قاعدة معلومات قائمة على هذا المكنز، والأستاذ أحمد حسونه الذى تابع الاختبارات العملية لإدخال المادة الميدانية بقاعدة المعلومات، وقد توفر لفريق العمل حالة من التناغم الخلاق والروح الجماعية التي قلما تتوفر في مكان آخر. وكشف د.مصطفى إلى أن المركز بنشر البرنامج مع المجلد الثاني من المكنز مع شرح لطريقة استخدامه، كما سيقوم بالمبادرة الأولى في تطبيق هذا المكنز، بحيث يُختبر باستخدام حواسب إلكترونية ذات قدرات عالية وفائقة السرعة مثل برنامج Oracle 9I الذي يتيح استيعاب ملايين العناصر المدونة والمصورة والمرئية، واسترجاع المادة الفولكلورية من جميع الأوجه (الموضوع – المكان – الزمان – جامع المادة – الإخباري ..إلخ)، فضلاً عن إنشاء موقع متخصص على شبكة الإنترنت يتيح للمستخدمين في أي مكان في العالم الاستفادة من المادة الفولكلورية، كما يتيح لهم تزويد المكنز ببعض المواد أو الواصفات التي يرغبون في التعامل معها. وقدم د.سعيد المصري رؤيته التي حملها كتابه الفائز "استعادة التراث الشعبي" حيث قال "أن إعادة إنتاج الثقافة الشعبیة تعبر عن قدرة أسالیب الحیاة في أي مجتمع على استمرار أهم ملامحها عبر التغیر، وهذا يعني أن انتقال العناصر الثقافیة الشعبیة، رأسیاً عبر الأجیال أو أفقیاً من خلال التواصل الإنساني، لا يعني استنساخاً كاملاً وحرفیاً لكل ملامحها، ولا يعني أيضاً فنائها واستبدالها كلیاً بعناصر أخرى جديدة، فالبشر يواجهون الحیاة بما لديهم من موروثات ثقافیة، وبهذه الموروثات ومعها يغیرون حیاتهم ويتغیرون، وتبرهن قراءة أسالیب حیاة الفقراء على شدة ارتباطهم بتراثهم الشعبي الذي يعد بمثابة رأسمالهم الحقیقي في ظل حرمانهم، وأن أسالیب حیاة الفقراء تنطوي على قدرة من الثراء ينبغي الكشف عنه لأنه يعبر عن سر بقائهم رغم الندرة والظروف البائسة. ولفت د.سعيد إلى أن الناس عندما تحيا بالتراث فإنها تغيره وتتغير به، وقال إن عملية انتاج التراث الشعبي تتم من خلال عمليات أساسية، منها تكرار التراث بحكم الممارسات اليومية وأقربها عادات الطعام، واستعادة الموروث في حياة الفقراء يجيء في مواقف وممارسات وأزمات مؤثرة في حياة، ومنها أيضا استعارة التراث أي أن تأخذ الطبقات الاجتماعية من بعضها البعض خاصة في السلوك الاستهلاكي، فالفقراء ليسو منعزلين بل منفتحين على العالم أكثر من غيرهم.