ينتظر اللبنانيون بزوغ رئيس جديد للبلاد خلال هذه الفترة الحساسة لبلادهم، وتعدي الروتين المتكرر للانتخابات الرئاسية اللبنانية التي تشهدها كل فترة ، لكن الظلام ما زال دامسا على سماء البلاد نتيجة للأزمة السياسية التي تقودها الأحزاب الرافضة لتعميد إشارة مرور لأحد الرئيسين المسيحيين "المطروح اسميهما حاليا" لأن يربح الكرسي ويعتلي عرش لبنان الشاغر منذ شهر ونيف. يبدو أن الانتخابات الرئاسية اللبنانية لن تخرج نتائجها للنور خلال الفترة القليلة القادمة، ولن يتوافق اللبنانيون عن مرشح توافقي تكرارا لانتخابات مايو 2008، نتيجة للتجاذب السياسي بين القوى والتيارات اللبنانية ومواقفهما المتنازعة، والساعية لفرض أجندة قوى خارجية على لبنان؛ إلا في حالات سنذكرها لاحقا في هذا التحليل. سمير جعجع سمير جعجع القيادي البارز في حزب "القوات اللبنانية" والمرشح للانتخابات الرئاسية له تاريخ دموي واغتيالات تورط فيها مباشرة كاغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي عام 1987 واغتيال زعامات مسيحية منافسة مثل طوني فرنجية، في مجزرة إهدن المعروفة، وداني شمعون، ويعتبره الكثير من اللبنانيين أنه "مجرما" ولا يجب أن يكون رئيسا لبلد مثل لبنان، خاصة وأنها تعيش وضعا متوترا لا سيما التهديدات المحيطة بها. وتمثل مواقف سمير جعجع "الذي يعتبره حزبه "القوات اللبنانية" أنه قويا، خطورة حقيقية على المجتمع اللبناني المتعايش، فهو يشير في خطاباته إلى النزعة الطائفية والاتهامات الحادة لحزب الله، وأن عدم فوزه بالرئاسة يمثل خطرا للمسيحيين في البلاد، وهذا في حد ذاته منطق طائفي يلوح في الأفق يقرأه السياسيون بمحاولة تكرار سيناريو الثمانينيات. في حال وإن اكتمل النصاب لمجلس النواب اللبناني في ظل تواجد المرشحين الحاليين " جعجع وعون" وفوز الأول لرئاسة الجمهورية اللبنانية فإن لبنان ستكون على مفترق طريقين لا ثالث لهما، وهو الحرب الأهلية، أو ضعف الدولة اللبنانية نتيجة للسياسة التي سينتهجها "جعجع". المقاومة اللبنانية وسينتهج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع انتهاجا إملائيا من دول تسعى لتصفية حزب الله اللبناني، وهو ما يتوافق مع برنامجه الانتخابي المقدم إلى مجلس النواب، معتبرا أن لبنان لن يصلح حالها إلا ببرنامجه هو الانتخابي، الذي يزعم أنه برنامجا قويا لدولة ستغدو أقوى وأشد في عهده، لا سيما بعد أن ينزع سلاح المقاومة اللبنانية كما وعد في برنامجه الانتخابي. إن محاولة نزح سلاح المقاومة اللبنانية المرابطة في جبال جنوبلبنان المتاخمة لإسرائيل، لم يعد حلما إسرائيليا فقط، بل بات اليوم حلم الدول المساندة للجماعات المسلحة والمعارضة السورية التي تسعى لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد؛ باعتباره حزبا أضاع عليهم الحسم العسكري السريع لإسقاط دمشق والنظام الحاكم، وهذا يتوافق مع البرنامج الانتخابي للمرشح سمير جعجع، وفي نفس الوقت يرفض غالبية اللبنانيين مسيحييهم ومسلميهم المساس بسلاح حزب الله على اعتبار أنه مقاومة يقيهم من المساعي الإسرائيلية لاجتياح لبنان. حرب أهلية ولم يستبعد الكثير من المراقبين والسياسيين اندلاع حرب أهلية جديدة في لبنان حال فوز " جعجع" في الانتخابات الرئاسية اللبنانية نتيجة لمواقفه السابقة والحالية التي تسعى لتجريد حزب الله من السلاح، وهذا ما يرفضه الأخير حتى الخوض في ذلك، وأعلن أكثر من مرة أن الخوض في الحديث عن سلاح المقاومة أمرا مرفوضا، فكيف إذا غدا جديا من رئيس الدولة وسعى إلى استغلال منصبه وتوجيه الجيش للدخول في مواجهة مع حزب الله. انسحاب «جعجع» غير أن المراقبين السياسيون يستبعدون فوز "جعجع" في الانتخابات الرئاسية، وإن كان له زخما دعائيا وحزبيا ومساندة نيابية كبيرة في البرلمان اللبناني، معتبرين أنه ورقة تفاوضية ليس أكثر لتحسين شروط المساومة حول «هوية الرئيس الفعلي» عند ساحة الحقيقة، متوقعين أن قوى 14 آذار التي ترشح جعجع، قد تعلن مبادرة محسوبة منذ فترة عن سحب مرشحها "جعجع" من الانتخابات، مقابل مكاسب تبحث عنها. ميشال عون عسكري وسياسي ورئيس التيار الوطني الحر، كان قائدًا للجيش اللبناني من 23 يونيو 1984 إلى 27 نوفمبر 1989، ورئيس الحكومة العسكرية التي تشكلت في عام 1988، يبدو أقرب نسبيا إلى الرئاسة اللبنانية، نتيجة تعديل نبرة خطاباته وأسلوبه والميل إلى كل الأطراف، ومحاولة تأجيل الانتخابات الرئاسية لتغير وجهة نظر الكثير حوله، ولكن بصرف النظر عن محاولات عون، فإن كل خصومه وكثير من حلفائه لا يرونه على الإطلاق مرشحا توافقيا مهما حاول أن يهدأ من خطابه ويمد الجسور مع خصومه كما يرون ذلك الكثير من المراقبين السياسيين. غير أن الوضع الأمني الخطير في لبنان والمتمثل بتهديد "داعش" لمدن لبنانية قد تغير من المعادلة السياسية في البلاد، لاسيما "الحسبة" لدى المسيحيين الذين يعتبرون أنفسهم مرمى نيران الدولة الإسلامية، وأن حياتهم الوجودية في خطر، من أجل ذلك ستعمل قياداتهم جاهدة على التوافق المسيحي لإخراج نتيجة توافقية بين الأطراف السياسية المتنازعة والامتثال لمطالب الرئيس التوافقي، واختيار ميشال عون أو وجان قهوجي قائد الجيش رئيسا توافقيا للبلاد لمحاربة داعش. ويتوقع سياسيون أن معسكرات "جبهة النصرة" المتاخمة على جبال لبنان قد تعجل في الإعلان عن فتح باب المشاورات مع مختلف الأطراف السياسية لاعتماد أسلوب مقاربة جديد لملف أزمة الرئاسة باختلاف جديد عن المقاربة السابقة التي لم تنجح، ويأخذ بعين الاعتبار مواقف وتوجهات مختلف الأطراف السياسيين وليس اعتماد موقف هذا التحالف ضد التحالف الآخر أو تبني موقف مرشح بمفرده بمعزل عن مواقف وتوجهات باقي الأطراف الأساسيين، والتشديد على أهمية التوصل إلى مواصفات مرشّح مقبولة من جميع الأطراف أو أكثريتهم على الأقل. تراجع الوضع في سوريا وسلاح حزب الله لم يعد في جعبة السياسيين اللبنانيين، بعد أن بات وجودهم مهدد من الدولة الإسلامية التي احتلت عرسال وأسرت جنود في بضع ساعات، وانسحبت من المنطقة بعد مفاوضات كبيرة مع علماء لبنانيين، وبالتالي فإن من المفيد لهم أن يتخلوا عن ذلك والنظر إلى ما هو أهم بالنسبة للبنانيين وهو اختيار رئيس جديد متوافق عليه، وهذا ما أعلن عنه رئيس تيار المستقبل سعد الدين الحريري. سعد الحريري ووفقا لصحف لبنانية أبلغ العديد من السياسيين الذين يطالبون بإسقاط النظام السوري، بضرورة تخليهم عن ذلك والاستعداد لتسوية تتيح انتخاب رئيس جديد يضمن سحب سلاح المقاومة من التداول. حديث سعد الحريري ومطالبه من السياسيين بالكف عن المطالب بإسقاط النظام السوري وتخفيف اللهجة ضد حزب الله وسلاحه، أمرا يثير الاستغراب لا سيما وأنه شخصيا محسوب على دول خليجية تعتبر أن سحب سلاح المقاومة اللبنانية أمر في غاية الأهمية، غير أن التغيير المفاجئ له بعد عودته إلى لبنان والتشديد على أنصاره وحزبه بعدم استفزاز حزب الله، أيضا أمر يبدو أن هناك تفاهما بينه وبين حزب الله على إخراج لبنان من نكبته الرئاسية إلى تفاهم جديد ربما قد يستبعد المرشحين الحاليين "جعجع وعون" من الرئاسة، والتوافق على رئيس جديد قد يكون أحد الشخصيتين هما الوزير السابق جان عبيد وقائد الجيش جان قهوجي، في حالة وإن لم يستطيع الجنرال ميشال عون من كسب التيارات إلى صفه.