علامات الذبول واليأس رغم عدم بلوغها سن اليأس تبدو واضحة على ملامح "زينب" التي سطرت تجاعيد الزمن خطوطها القاسية على ملامحها الشاحبة إثر المرض .. كانت تأمل أن تحصل على حقها في علاج صحي يحترم آدميتها و قد كفله لها الدستور ، لكن الواقع كان أشد آلما وقسوة من قسوة المرض الذي افترس شبابها إنه سرطان بالدم . طوابير المرضى الصدفة وحدها قادت محرر شبكة الإعلام العربية "محيط" إلى بوابات عيادات مستشفي قصر العيني بالقاهرة ، ووقعت عينيه عليها ، امرأة شاحبة مظهرها يدل على فقر مدقع تقف في طوابير المرضى تنتظر دورها الذي قد يأتي بعد عدة أشهر وربما لن يأتي، مصير غامض ينتظرها و ضعف شديد لمنظومة الصحة وتراجع الإنفاق الحكومي على ميزانية الصحة في الوقت الذي تتراص فيه طوابير المرضي على بوابات المستشفيات ، شاهدنا ملامحها وحركاتها التلقائية ونبراتها الهادئة واستعطافها للممرضات .. أين الحكومة من حال تلك المرأة وغيرها، أين حقها في علاج صحي يحترم آدميتها ذلك الذي كفله لها الدستور .. و أين تذهب ميزانية الصحة إذا كان هؤلاء لا يحصلون حتى على الفتات ؟! اقتربت منها وقبل أن أسألها قالت ودموعها تنهمر " أنا بموت كل يوم من شدة الألم .. مافيش فلوس ومافيش سرير في المستشفى ومافيش علاج" ! دار في خاطري أن أساعدها فتعففت و رفضت إبلاغنا بتفاصيل عنوانها.. وحينما ادعيت أني أسكن بالقرب من منطقتها فهمت مرادي ورفضت أن تستمر في السير وأقسمت بالله ألا أسير بجوارها لأي مكان. هذه مجرد حالة من آلاف الحالات التي تنتظر الرحمة بقرار علاج على نفقة الدولة و على الرغم من 4اضرابات جزئية قام بها الأطباء في الثلاث سنوات الماضية مطالبين بزيادة الإنفاق علي ميزانية الصحة في الموازنة العامة كي تصل إلي المعدلات العالمية والالتزام باتفاقية «ابوجا» التي وقعتها الحكومة المصرية عليها في 2001 والتي تنص علي زيادة الإنفاق علي الصحة إلي 15٪ من الموازنة في خلال 10 أعوام ، إلا أنه و حتى الآن - بعد 14 عاما - بلغ الإنفاق علي الصحة في الموازنة العامة 5٪ فقط . اختفاء 21 ملياراً الحقيقة التى لا يعرفها الكثيرون أن الحكومة تخالف ما جاء في الدستور فيما يخص الإنفاق الحكومي على منظومة الصحة وبالبحث والتدقيق ورصد ما تم تخصيصه في الدستور من إنفاق على الصحة كشف تحليل لمشروع الموازنة العامة للسنة المالية للعام الحالي 2014 عن عدم التزام الحكومة بالدستور، نتيجة لنقص الإنفاق المخصص للصحة من 3% إلى 2.08% من الناتج القومي الإجمالي، فضلاً عن مخالفة وزارة المالية للاستحقاقات الدستورية في البيان المالي للموازنة العامة. حيث أكدت المادة 18 من الدستور الجديد على تخصيص نسبة للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي، أي حوالي 8% من موازنة الدولة، مع زيادة النسبة تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وجاء نص المادة كما يلى "تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وقد بلغ رصيد الإنفاق على وزارة الصحة في الموازنة العامة للعام الحالي حوالي 42 مليارا من الناتج القومي الإجمالي بحسب المادة 18 من الدستور، والتي من المفترض أن يكون 63 مليار جنيه من الناتج القومي الإجمالي بفارق 21 مليار جنية طبقاً لما نص علية الدستور الجديد بنسبة 3% من أجمالي الناتج القومي. نفهم من ذلك أنه رغم زيادة الإنفاق على الصحة بواقع 17% عن العام السابق بعد استبعاد أثر التضخم للعام الحالي وذلك عن طريق عمليات حسابية بسيطة قامت بها شبكة الإعلام العربية محيط، من واقع البيان المالي والموازنة العامة للدولة. مصير الغلابة وفى دراسة أصدرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان "البيان المالي للموازنة العامة للدولة"، أشِارت المبادرة إلى أن نسبة الإنفاق على الصحة لم تتجاوز نسبة ال0.2 % من الناتج المحلى الإجمالي عن مستواها خلال العالم الماضي والتي بلغت 1.8%. وأشارت الدراسة إلى أن النسب المقررة للإنفاق على قطاع الصحة بعيدة للغاية عن النسب المقررة في الدستور الجديد والتي تستهدف تخصيص 3% للصحة من الناتج القومي الإجمالي بشكل جديد، على عكس ما تم التأكيد عليه في البيان، مؤكدة على أن الزيادات الموجهة لقطاعي الصحة ظلت طفيفة للغاية فلم تشهد تغيراً في توزيع الموارد لصالح الفقراء. وأوضحت الدراسة أن البيان لم يتضمن تغييرا كبيرا فى هيكل مكونات الإنفاق على قطاع الصحة، لم يتعد نصيب الاستثمارات من الإنفاق على الصحة 12% في متوسطها المعتاد، وبتراجع طفيف عن التقديرات في موازنة 2012_2013 قبل تعديلها حيث قدرت النسبة بحوالي 1251%. "الحكومة خايفه" وأوضح كمال الإسلامبولى، المحامي بالنقض ورئيس محكمة الاستئناف سابقاً، في تصريحات لمحيط، أن المادة 238 هي مكملة لما جاء في نص المادة 18 التي أقرت تخصيص 3% من الناتج القومي الإجمالي، والوصول بها في موازنة 2016_2017 إلى المعدلات العالمية. وقال الإسلامبولى: إن المادة 18 قاطعة في وجود نسبة ال3% من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق على الصحة، موضحاً أن المشرع لديه يقين أن نسبة ال3% من الناتج القومي الإجمالي لا ترتقي للمعدلات العالمية وأنها أقل بكثير منها. وأشار: إلى أن المادة 238 تأتى ضمن المواد الانتقالية بالدستور، وقد جاءت لتؤكد حرص المشرع الدستوري لصعود نسبة ال3% الواردة في المادة 18 من الدستور الجديد للوصول إلى المعدلات العالمية، اعتبارا من الموازنة العامة 2016_2017. وتابع: أنه من الوجه الدستورية فان الميزانية الحلية تخالف نص الدستور المحددة ب 3% المحددة في الدستور ولا تقل عن هذا وهناك التزام على الحكومة في ميزانية 2016_2017 للوصول إلى المعدلات العالمية. الرأي والرأي الأخر من الصعب أن تصل إلى المسئولين في وزارة الصحة فهم في عالم آخر لا يشعرون بمعاناة هذه المرأة الفقيرة التي تبحث عن سرير في مستشفي أو علاج مجاني ، أحدهم يغلق جواله والأخر تتولى خدمة البريد الصوتي الرد عنه وآخر يرد بلا سابقة خبرة ولا معرفة في هذا المجال، ولكن بقدر المستطاع حاولنا كثيراً أن نكون جادين في أخذ الرأي والرأي الأخر . وقال حمدى محمود المسئول الإعلامي بوزارة الصحة في تصريح خاص ل"محيط" إن الحكومة لم تخالف مواد الدستور موضحاً أن المخصص من الإنفاق على الصحة في الدستور ليس المقصود ب 3% كما جاءت في المادة 18 من الدستور الجديد مؤكداً أن الدولة تستهدف الوصول إلى هذه النسبة خلال السنوات القادمة لتصل إلى المعدلات العالمية. وقال الناشط السيناوى مسعد أبو فجر في تصريح خاص ل"محيط"، وممثل في لجنة الخمسين عن سيناء إن الدولة ملتزمة بكل ما جاء بالدستور بداية من لحظة إقراره، مضيفاً أنه غير فقهية دستوري في تفسير مواده. وفي تعليقه على هذا الموضوع قال الدكتور خيري عبد الدايم، نقيب الأطباء، وممثل الأطباء بلجنة الخمسين قال " نعم الحكومة تخالف الدستور إيه المشكلة بتخالف الدستور" ثم أغلق المكالمة سريعاً. وأخيرا سيظل المرضى الفقراء يدفعون الثمن مراراً وتكراراً رغم نصوص الدستور، ورغم مبادئ حقوق الإنسان، وستظل السلطة التنفيذية تخالف نصوص الدستور وتعترف بذلك وهكذا تظل المعاناة شعارا ويظل الألم عنوانا لضحايا طوابير المرض على أبواب المستشفيات.