تجارة الأطفال في بورندي لم تعد تنبثق عن عمليات منفصلة تحدث من حين لآخر، وإنّما تنامت بشكل سريع، لتتحوّل إلى ظاهرة بل آفة خطيرة، تبلورت من خلال تزايد عدد شبكات المهربين، الناشطة في نطاق نقاط عبور توجد في العاصمة بوجمبورا ومدن أخرى حدودية صغيرة مع عدة بلدان، والتي تقوم بالاتجار في الأطفال، وخصوصا البيض منهم، أي أولئك المصابين بالمهق. والمهق أو البرص،هي حالة وراثية ناتجة عن غياب صبغة في الأعين والجلد والشعر، تظهر عند التقاء مورثات متنحية موروثة من الأبوين، ويرجع الاتجار بالأطفال "البيض" أو الماصابين بالمهق، لما تمنحه أعضاؤهم من قوى سحرية، بحسب معتقدات محلية، إضافة إلى أغراض اقتصادية أو لإستغلالهم جنسيا، بحسب شهادات لمنظمات محلية في بوروندي. في تصريح للأناضول، قال المتحدّث باسم "منظمة التضامن بين الشباب المسيحي من أجل السلام والطفولة" (مستقلة) "ديفيد نينغانزا" "أعضاء الأطفال البيض (الماصابين بالمهق) مطلوبة لما تؤمنه من قدرات سحرية، ولذلك فإنّ أسعارها تحاكي أسعار الذهب". وخلصت دراسة أجرتها المنظمة إلى أن أجزاء معينة من أجسام الأطفال البيض مطلوبة بشكل كبير في تنزانيا، على سبيل المثال، وهي دولة تتقاسم حدودها مع بوروندي. وأوضح "نينغانزا" أنّ "العظم الواحد (من جسم الأطفال البيض)، والذي لا يتجاوز طوله ال 10 سنتمترات، يبلغ ثمنه 10 مليون فرنك بوروندي (أي حوالي 6300 دولار)". وأمام التنامي السريع الذي تشهده ظاهرة الاتجار بالأطفال، لاسيما البيض منهم، قامت السلطات البوروندية ببناء ملاجئ لإيواء الأطفال. إجراء لم يفلح في وأد الظاهرة، حيث ما يزال تهديدها يشمل فتيان وفتيات بوروندي، والذين يخضعون لاستغلال اقتصادي وجنسي متزايد. ووفقا ل "نينغانزا"، فإنّ عمليات الخطف تتمّ عادة انطلاقا من المناطق الداخلية للبلاد في اتّجاه الخارج، مرورا بالمراكز الحضرية، على غرار "رومونج" و" نيانزا لاك" الواقعين على ضفاف بحيرة "تنجانيكا"، على بعد أكثر من 70 كم من العاصمة بوجمبورا، جنوبي البلاد. فعبر هذه المناطق، يتمّ تسريب الأطفال، قبل إرسالهم إلى الخارج، عن طريق المهرّبين الكونغوليين (الكونغو الديمقراطية) والتنزانيين. وأشارت الدراسة نفسها التي أجرتها "منظمة التضامن بين الشباب المسيحي من أجل السلام والطفولة" إلى وجود 40 حالة اختطاف، و8 حالات تهريب، و5 حالات اختطاف عبر انتحال صفة أولياء حاملين لوثائق مزوّرة، وذلك خلال الفترة الفاصلة بين شهري يناير/ كانون الثاني 2014 ويوليو/ تموز من السنة ذاتها. استفحال ظاهرة الاتجار في الأطفال في بوروندي تجلّى على أكثر من مستوى، وأعراضه بدت واضحة ومتفشّية في العديد من المناطق. وتأكيدا لما ورد في الدراسة التي أعدّتها المنظمة البوروندية، فقد ألقت الشرطة البوروندية، خلال الفترة ذاتها (من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/ تموز 2014) القبض على 12 طفلا كانوا يقيمون في فندق بحي آسيوي في العاصمة البوروندية، ثبت أنهم قادمون من محافظة "ماكامبا" (بلدية كايوغورو في الجنوب، و"كينيينيا"، إضافة إلى محافظة "رويجي" شرقي البلاد). وتتراوح أعمار الأطفال بين 4 إلى 12 سنة، وقد تم اختطافهم بغرض بيعهم خارج بوروندي. كما تبين أنّ أولئك الأطفال كانوا برفقة سيدتين تنتحلان شخصية أمهاتهم، فيما يلعب رجلان دور الوساطة في كلّ ما يتعلّق بتوفير وثائق السفر وغيره ممّا تتطلّبه عمليات مماثلة. وقد تمّ إلقاء القبض على جميع هؤلاء من قبل شرطة الآداب وحماية القصّر في بوروندي. وفي حادثة مماثلة، ذكرت الشرطة أيضا إستعادتها، مؤخرا، لصبي يبلغ من العمر 12 سنة من ملاوي، مشيرة إلى أنّها أطلقت مذكّرات اعتقال دولية بخصوص 5 فتيات غادرن أيضا نحو الدولة نفسها. وفي سياق متصل، تم اعتراض طريق 15 طفلا دون سن 17 في محافظة "ماكامبا" الواقعة على الحدود مع تنزانيا، وألقي القبض، خلال هذه العملية، على 6 أشخاص يشتبه في تورطهم في الاتجار بالبشر في "رومونج"، في حين تم اعتقال 4 آخرين في بلدة "ماباندا" التابعة لمحافظة "ماكامبا"، جنوبي البلاد. وتفيد مصادر الشرطة البوروندية أن جميع المعتقلين هم من النساء اللواتي يعملن مع الشبكات الناشطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وعلى حد تعبير هؤلاء الأطفال، كما أفادت به الدراسة التي أجرتها "منظمة التضامن بين الشباب المسيحي من أجل السلام والطفولة"، فإنّ دولا مثل مالاوي وموزامبيق كانت تشكّل الوجهة النهائية لتلك العملية. مدير قسم الأطفال والعائلة صلب المنظمة "إينياس نتاويمباريرا" أعرب، في تصريح للأناضول، عن "قلقه" من تنامي ظاهرة الاتجار بالأطفال في بوروندي، وخصوصا البيض منهم، مشيرا إلى تشكيل "لجنة للتشاور ومراقبة الاتجار بالبشر"، وذلك بهدف إقرار مشروع قانون يقضي بالوقاية والتصدّي لهذه الظاهرة وحماية ضحاياها. ورغم قتامة الوضع، إلاّ أنّ "نتاويمباريرا" أبدى تفاؤله حيال النجاح المنتظر خلال هذه المعركة ضد تجار البشر عموما، قائلا "الناس هنا (في بوروندي) في حالة تأهب لمواجهة هذه الآفة، ولهذا السبب يتم القبض على العديد من تجار البشر متلبّسين". وأضاف أنه سيقع تنظيم دورات توعية لتشجيع سكان البلاد على بذل المزيد من الجهود لكبح جماح هذه الظاهرة.