جدل حول دور الدولة في إنتاج الدراما التاريخية .. والنقاد : الناس تنسى كل ما هو رديء العقيد حاتم: عبدالحكيم عامر مظلوم .. و"مهمة بتل أبيب" شوهت العسكرية أبطال "صديق العمر": حاسبونا على الفن وليس التاريخ.. وصلاح نصر ليس إله الشر! نجل المشير : المسلسل عرض 5% من الحقيقة لدواع أمنية وسياسية الميري : "سرايا عابدين" أسوأ دراما قرأتها .. والجهل أسوأ من المؤامرة الكتاب يتفقون على ضرورة حضور المؤرخين تصوير الدراما تليفزيونات العالم أجمع بها رقابة، وهذا تحدٍ مني، حتى تلك القنوات الإباحية عليها رقابة ما .. هكذا تابع الكاتب المخضرم محفوظ عبدالرحمن تحديه بقوله : اذكروا تليفزيون في العالم يعرض مشهد إبن يقتل أبوه حرقا كما جرى بمسلسل "حبيشة" لمحمود رمضان، فهذه مسألة تسقط لها حكومات ، ناهيك عن مشاهد البذاءة اللفظية والفعلية على الشاشة والتي تدخل بيوت العائلات .. هل هذه هي الحرية في الإبداع ؟ وقد احتضنت دار الأوبرا المصرية أمس الأول مائدة مستديرة حول الأخطاء الفادحة للأعمال الدرامية بحق التاريخ، واستشهدت بمسلسلات رمضان وبينها "سرايا عابدين" و"صديق العمر" المائدة التي حضرها وزير الثقافي المصري، والأمين العام للأعلى للثقافة، وأدارها الصحفي محمد عبدالرحمن، وعدد كبير من أبطال الدراما التليفزيونية والنقاد والأكاديميين، إضافة لنجل المشير عبدالحكيم عامر، أكدت أن مبدأ الرقابة المسبقة على الإبداع مرفوض، لكن بالوقت ذاته فإن الأخطاء الفادحة في أحداث تاريخية لا يختلف عليها، أمر فادح ويستحق وقفة . ضيف شرف المائدة الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، تحدث عن أعمال تاريخية جادة قدمها التليفزيون والسينما مثل مسلسل "أم كلثوم"، وفيلم "ناصر 56". وقال محفوظ أنه يهتم كثيرا بقراءة أدق التفصيلات في الأعمال التي يكتبها، ودعا الدولة للتدخل مجددا للإنتاج الدرامي التاريخي، كما جرى بمسلسلي "ليالى الحلمية"و"رأفت الهجان" واللذان لقيا نجاحا مبهرا . واتفق مع تلك الرؤية، الفنان سامح الصريطي وكيل نقابة المهن التمثيلية، مؤكدا أن الثقافة خدمة وليست سلعة ، وقال أن الدراما التاريخية كانت تحظى بمراجعة المتخصصين في الماضي، فكانت أخطاؤها تخرج قليلة. وقال أن المعلن هو الذي يحرك صناعة الدراما الآن، وهو يبحث عن المشاهدين وبالتالي فحتى لو تحمس أحدهم لإنتاج عمل تاريخي، فإنه يقدمه بشكل مثير مليء بالفضائح لضمان المشاهدة العالية، بعيدا عن المصداقية والموضوعية، ومن هنا وجب إعمال حركة نقدية لتوعية الرأي العام وفضح مزيفي التاريخ. أسرة صديق العمر الفنان صبري فواز، أحد المشاركين بمسلسل "صديق العمر" قال أن الأعمال التاريخية التي نفخر بها الآن مليئة بالأخطاء التاريخية ومنها "الناصر صلاح الدين" و"الشيماء"، مؤكدا أن مسألة الأخطاء الدرامية تم تكبيرها أكثر من اللازم، ووضعوا على كاهل الأعمال عبء التأريخ للأحداث وهذا ليس دور الفنان، وهو ما أثار حالة من الجدل والغضب في القاعة، واضطر على إثرها أحد النقاد للمغادرة. الفنان عاطف عمار، الذي جسد شخصية صلاح نصر في مسلسل "صديق العمر"، قال أننا اعتدنا تصوير هذا الرجل وكأنه "إله الشر عند المصريين" ولكنه حين عكف على مذكراته، وجد أنه شخصية ظلمت كثيرا، فلم يتذكر أحد أنه مؤسس جهاز المخابرات المصرية، وله دور بارز في ثورة يوليو، وتحدثوا فقط عن تعذيبه للمعارضين السياسيين، وهذا غير حقيقي ، على حد قوله . أما الدكتور عمرو عبدالحكيم نجل المشير عامر، فتساءل أين التاريخ كيف تقولوا اليوم أننا زورناه؟ هل يستقى من محمد حسنين هيكل ، المقرب من عبدالناصر؟ أم يستقى من الإخوان الإرهابيين ؟ . وقال نجل عامر : المسلسل خرج بنحو 5% من حقائق أبي، لأن الباقي صادم ويحرج الجميع.. والحقيقة أننا كمصريين في حالة نوم ولا ندري هل نعيش ثورة أم مؤامرة ! من جانبه أكد المستشار العسكري للمسلسل، العقيد حاتم صابر، أن دوره كان ضبط الإيقاع العسكري المشوه بالعمل، لأننا اعتدنا على خروج أعمال لا تحترم عقول المصريين فضلا عن العسكريين، وأشهر تلك الأعمال "الطريق إلى إيلات" والذي شوه العسكرية المصرية ، فجعل مادلين طبر تجسد دور المخابرات، وجعل البطل رامي عبدالعزيز البطل المصري الذي أمسك البوصلة وحده ولغم العبارة الإسرائيلية "باتيم" بأنه ارتجف مع بدء العملية لظروف صحية ثم قال بعدها "ياريتني كنت معاهم" وهذا لم يحدث .. ناهيك عن أشياء صغيرة مثل "صباع العسلية" الذي كان ينحته قائد العملية ، وتجاهل دور "علي ريشة" القائد بالقوات الخاصة والذي درب الضفادع البشرية . وتساءل العقيد : لمصلحة من تجعل المشير يتعرف على الفنانة برلنتي عبدالحميد بصالة حمراء؟ بالرغم من أن ذلك السلوك المشين كان كفيلا بالقضاء على منصبه بحكم القانون ؟! وكيف يقول ذلك سكرتير الرئيس الشخصي للمعلومات سامي شرفّ! الميري يكشف ال"سرايا" دافع الدكتور خلف الميري عن نفسه بعد اتهامه بأنه كان مستشارا تاريخيا لمسلسل "سرايا عابدين" فأكد أن جهة الإنتاج تحدثت معه كثيرا تليفونيا وعبر البريد الإلكتروني، وكان يرسل لها التصورات والتصويبات وتحدث معهم كثيرا عن عظمة الخديوي اسماعيل الذي ظلم حيا وميتا ونسى الجميع أنه أحد بنائي نهضة مصر الحديثة بالمؤسسات والمدن والطرق التي أسسها، ثم فوجيء بأن كل ذلك غير موجود في العمل حين شاهده في رمضان، واكتشف أن ظنه من البداية كان في محله، بأن الإنتاج يتحكم بالإخراج، معلقا على أخطاء العمل التاريخية بقوله : الجهل أسوأ من المؤامرة . ووصف "خوشيار هانم" أم الخديوي التي جسدت دورها الفنانة يسرا، بأنها مغايرة تماما للصورة الجامدة التي خرجت عليها في العمل، فقد كانت خفيفة الظل ، ولكن الفنانة حاولت تقليد أم السلطان العثماني في "حريم السلطان" . زمن الرداءة رأى الناقد الفني البارز طارق الشناوي أن الحركة النقدية لن تستطيع مقاومة الأخطاء أو تغييرها، بل العكس، فالناس بذائقتها هي التي تقود لنجاح العمل من عدمه، وقد استبعد الشناوي فكرة المؤامرة على تاريخ مصر والتي تحدث عنها البعض وأرجعوا رأس المال الأجنبي والخليجي . وقال الشناوي أن الخوض في التاريخ عادة تستتبعه مشكلات، فحتى محفوظ عبدالرحمن، والكل يعلم خبرته الواسعة بالتاريخ والكتابة الدرامية، تعرض لانتقادات من ورثة أم كلثوم بعد المسلسل، ورفعت عليه قضايا ولكن بعضهم سحبها بعد نجاح العمل. واعتبر الشناوي أن مشكلة مسلسلي "سرايا عابدين" و"صديق العمر" لم تكن فقط في الأخطاء التاريخية الفادحة، ولكن في الرتابة بالكتابة وغياب الإبداع، فقد أصبحنا في زمن الرداءة، لكن الحقيقة أن كل زمن كانت تقدم به أعمال رديئة وعادة ينساها الناس ولا يعيش إلا العمل الحقيقي. المشكلة برأي الشناوي ليست في أن كاتبة "سرايا عابدين" كويتية، وهي هبة مشاري، لكنها استسهلت، أما مسلسل "صديق العمر" فلم يتمكن جمال سليمان من إتقان لهجة عبدالناصر، على خلاف إياد نصار الذي جسد ببراعة دور حسن البنا، رغم عدم كونه مصري. تاريخ مصر .. خط أحمر الفنان أحمد سلامة ،رأى أن تاريخ مصر خط أحمر ولا يصلح العبث فيه على الإطلاق، وطالب بإنشاء لجنة مشتركة بين وزارتي الثقافة والإعلام لمراجعة الأعمال الدرامية التاريخية، على غرار فكرة خضوع الأعمال الدينية لمراجعة الأزهر الشريف. وقال سلامة : قدمنا كثيرا للنماذج المشوهة في مصر، فهل لا نملك أبطال قوميين نشحذ همم الناس بهم ؟ أم أن المسألة متعمدة، ولدينا رأس مال أجنبي بأغلب الأعمال الدرامية، فلا يمكن استبعاد نظرية المؤامرة، ولابد من لجنة معتمدة تمر عليها الأعمال التي تتناول تاريخ مصر. تجارب ناجحة الكاتب والروائي هشام الخشن، شدد على أن التاريخ يكتبه المنتصر أو المستفيد ، مستشهدا بتجربته في رواية "جرافيتي"، التي جمع فيها بين شخصيات حقيقية مثل حسن البنا ودرية شفيق، وشخصيات غير موجودة من الأساس لكنه حرص على الإلتزام بما هو ثابت، فيما يتعلق بالشخصيات الحقيقية، مشددا على أن الإخوان هم من كتبوا تاريخهم السيئ والجيد لكي يفرضوه على الناس. واعتبر الخشن أن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كان أكثر تطرفا في أفكاره من سيد قطب، المنظر الشهير الذي تم إعدامه في عهد عبدالناصر. أما الفنان طارق عبدالعزيز فتذكر دوره بمسلسل "مصطفى مشرفة" تأليف محمد السيد عيد، حيث جسد شخصية مصطفى النحاس ، واضطر للجلوس فترات طويلة مع المؤرخين والفنانين والنقاد ، وتحدث عن حرص المخرجة إنعام محمد علي على الحصول على تسجيل صوتي نادر للنحاس تكلف حينها 45 ألف جنيه، لكي يتقن الفنان دوره . المؤرخ الدكتور جمال شقرة، تحدث عن تجربته مع السيناريست المخضرم يسري الجندي، خاصة في عمله "ناصر 56" . وقال "شقرة" أن الأعمال العالمية التاريخية يتحرك فيها فريق عمل متكامل وليس فرد. وعاب المؤرخ على "سرايا عابدين" كم الافتراءات التي قدمها، حين جعل الجيش المصري الذي أرساه محمد علي باشا شبيها بعصابة علي بابا، أما "صديق العمر" فنجده يشوه الحقبة الناصرية تماما في وقت تتعاظم في ذكرى المصريين لتلك المرحلة ونواجه فيها الإرهاب والعنف. اعتبرت المؤرخة الدكتورة لطيفة سالم أن الدراما التي تعيش هي تلك التي تتحمل المشاق من أجل المصداقية، وتذكرت مسلسلات كثيرة ومنها "الملك فاروق" كانت تتحدث فيها مع صناع العمل عن أهمية اختيار ألوان محددة للملابس والسيارات أو انتقاء كلمات بعينها، لتناسب العصر الدرامي للأحداث. أما المؤرخ الدكتور أحمد زكريا الشلق فأكد على أن تصوير الأعمال التاريخية في البلاد الغربية يتم بحضور مستشار تاريخي مخضرم. الوثائق الغائبة الدكتور شوكت المصري الأستاذ بأكاديمية الفنون، طالب في كلمته بإتاحة الوثائق الموجودة في دار الكتب والوثائق المصرية، مؤكدا على وجود كنوز تاريخية في دار الكتب والوثائق، التي لا يستطيع أحد الإطلاع عليها، وستغير كثير من التاريخ الذي نراه على الشاشة. ودعا الناقد أيضا للاهتمام بالأكاديمية ودعمها بحيث تخرج أجيال من الفنانين والنقاد المحترمين. وقال أن مسلسل "صديق العمر" نقل كل التهم من كاهل المشير لكاهل الرئيس، وهذا حقه دراميا وإبداعيا، لكن ليس من حقه أن يغير الحقائق الثابتة. وطالب "المصري" بالاقتصار في المسلسلات على كم الحلقات المطلوبة ووقف عملية المط والتطويل ليصل العمل ل30 حلقة.