كان يرتاد حافلة صغيرة قبيل عودته مساءً لمنزله غربي القاهرة، وعند منطقة اعتادت أن تشهد مظاهرات معارضة واشتباكات مع عناصر شرطية، اخترق أذنيه صوت مرتفع لطفلة صغيرة تتحدث لأمها قائلة"ماما فاكره الإخوان الإرهابيين". هكذا يسرد شاهد عيان، تحفظ علي ذكر اسمه، في حديث للأناضول، جزءً من واقعة عاصرها في أواخر ديسمبر الماضي، بعد أيام من اعتبار الحكومة جماعة الإخوان "إرهابية" بدعوي تورطها في أعمال إرهابية رغم حديث الجماعة عن تمسكها بالاحتجاج السلمي، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء ااااا"الأناظول". ويضيف الشاهد "استغربت سيدة تجلس بجواري مقولة الطفلة التي لم تتعد الثماني سنوات، وقالت لأمها: سنها صغير علي هذا الكلام" ، فحكت الأم ما حدث قائلة "كنا ماشيين في نفس المنطقة يوم جمعة وكان في مظاهرات الإخوان وبدأ ضرب نار وسمعت "تقصد الطفلة" من الناس في الشارع كلمة الإخوان الإرهابيين فبدأت ترددها وعندها حق. خالد هو الآخر طفل وجد نفسه وهو يعيش أسعد أيام حياته، مرتبط بواقع السياسة مضطرا، فقد كان يحتفل كما يقول والده، هشام محمد، بعيد ميلاده الرابعة مؤخرا، ووسط الاحتفال، يُسأل خالد عن عمره، فيرفع بعفوية أصابعه الأربعة ليعبر عن سنه، غير أنه يتذكر سريعا أنها إشارة رابعة ويقول مازحا لا ده رابعة. وهو ما يفسره الوالد قائلا "ارتبطت الأصابع الأربعة في ذهن خالد بما يسمعه باستمرار من وسط أسري أو عبر وسائل الإعلام من معاقبة السلطات المصرية لمن يرفع إشارة رابعة". وإشارة رابعة ترمز إلى اعتصام مؤيدي الرئيس الأسبق محمد مرسي، في رابعة العدوية، غربي القاهرة، الذي بدأ في 28 يونيو/حزيران 2013 وتم فضه أمينا 14 اغسطس الماضي، ما أوقع مئات القتلى، بحسب حصيلة رسمية. ومنذ عزل مرسي، عاقبت السلطات المصرية تلاميذ مصريين وطالبات وطلاب في المرحلة الجامعية بالحبس الاحتياطي، لرفعهم شارة رابعة أو لحملهم أدوات أو دبابيس تحمل الإشارة ذاتها. هذه الطفلة وخالد جزء من جيل من الأطفال بحسب ما رصدته الأناضول، غرقوا في هموم السياسة، خلال العام الذي أعقب عزل مرسي بعد احتجاجات واسعة ضده في 30 يونيو 2013 . الطفلة سلوى، حالة أخرى للأطفال المسيسين، تقطن بوسط القاهرة، وتبلغ من العمر ثلاثة سنوات ونصف، عاشت في وسط انحاز إلي المشير عبد الفتاح السيسي مبكرا، وسمعت كثيرا من والديها عبارات دعمه حينما كان وزيرا للدفاع وأطاح بمرسي، وما لبثت أن رددت تلك العبارات. محمد إبراهيم، والد الطفلة سلوى، يري في حديث للأناضول أن هذا الأمر طبيعا، موضحا "سلوى سمعت أغاني وأراء كثيرة داعمة للسيسي من التليفزيون أو في الوسط العائلي، فرددتها. سلوي الطفلة الصغيرة بحسب والدها "حينما تري صورة السيسي في التلفاز وهي تجلس مع الأسرة تغني تلقائيا أغنية تسلم الأيادي "انتشرت بعد الاطاحة بمرسي"، وتؤدي بيديها شارة دعم السيسي التي تتكون من حرفي "سي" باللغة الانجليزية وملامحها تكسوها السعادة، فهي عاشت في جو أسري يسعد بهذا الرجل الذي قدم الكثير لمصر. صاحبت سلوى والدها حينما ذهب للتصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مايو الماضي والتي نتج عنها فوز السيسي، وغمست مع والدها يديها في الحبر الفسفوري عقب التصويت. في المقابل، كان الطفل محمود من قاطني القليوبية الذي يقترب عمره من أربع سنوات، يلح علي والده ليسمع من هاتفه الجوال أغنية "ثورة ده ولا انقلاب"، "أغنية أشتهرت بين مؤيدي مرسي عقب الإطاحة به"، أثناء تواجدهم في حافلة، وعندما استجاب له والده، بدت علامات رفض الأغنية على وجوه بعض الركاب، على حد قول الوالد. والد الطفل، الذي تحفظ علي ذكر اسمه، يفسر ذلك قائلا "ابني كان من المشاركين مع والدته في اعتصام رابعة العدوية "شرقي القاهرة" وكان يسمع الأغنية علي المنصة "بناء خشبي تلقي من فوقه الكلمات والأغاني" وكان يرددها واهتمامه يزيد بها تلقائيا. كما يحكي الوالد في حديثه للأناضول أنه "سبق وأن وصله استدعاء ولي أمر من مدرسة نجله "لم يذكر اسمها" وحينما التقي المدير أخبره أن نجله محمود يعلم صديقه كيف يرفع شارة رابعة ويردد رابعة رابعة. حالة محمود تكررت مرة أخرى مع الطفلة سما التي لم تتجاوز الثلاثة أعوام ، كما تحكي أسماء فتحي والدتها المناصرة لمرسي، و"حضرت مظاهرات قليلة ضد السيسي واعتادت أن ترفع يديها بإشارة رابعة كما يفعلها ويرددها المتظاهرون بكثرة ردا علي فض رابعة. وفي حديث لوكالة الأناضول، تضيف والدتها "سما فأجاتنا أنا وزميلات أثناء سيرنا في الشارع بأنها ترفع شارةرابعة وتقول رابعة رابعة حينما رأت سيارة شرطة فجعلتنا نضحك جميعا من عفويتها وخشينا أن يتم القبض علينا ولكن مرت بسلام. وتحفظت والدة الفتاة على ذكر محل إقامتهما. ويرى يسري عزباوي، عضو وحدة الرأي العام بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية والسياسية، أن الانقسام السياسي الموجود في مصر علي مدار عام، انتقل بقوة إلي الأسرة والطفل جزء أساسي من هذه الأسرة وينقل عنها ويردد كل ما يسمعه. وأضاف عزباوي في تصريحات للأناضول: "ساعد علي ترسيخ ذلك إعلام غير محايد "، موضحا أن "الأطفال بالطبع حينما يسمعون الجزيرة "قناة فضائية قطرية داعمة لمرسي" سيقولون مرسي رئيسي وعندما يسمعون السي بي سي "قناة مصرية خاصة مؤيدة للسيسي" سيقولون الإخوان خونة. واعتبر عزباوي أن إقحام الأطفال في الصراع السياسي اعتداء علي حقوقهم بالنسبة لمن يرون أن القانون المصري يجرم الاستغلال السياسي للأطفال، فيما يراه آخرون هاما كون الأطفال جزءً من تحول ديمقراطي يجب أن يشاركوا في بناءه؟ غرباوي استنتج أن الأطفال المسيسين لن يخرجوا من النفق المظلم الذين بداخله إلا عندما يخرج الكبار. وكانت مؤسسات حقوقية انتقدت استخدام الأطفال أثناء اعتصام رابعة "شرقي القاهرة" في الصراع السياسي بعد تدشين حركة أطفال ضد الانقلاب، وإلباسهم أكفان ردا علي قتل متظاهرين مؤيدين لمرسي وقتها. كما وجه حقوقيون في يناير/كانون ثاني الماضي، انتقادات شديدة لاستخدام مؤسسة رعاية ايتام الأطفال بملابس صيفية في فصل الشتاء، في مؤتمر دعم للسيسي، قبل أن تتخذ الدولة إجراءات ضد هذه المؤسسة. يذكر أن الجيش المصري أطاح قبل نحو عام، بمشاركة قوى سياسية ودينية، بمرسي، في خطوة اعتبرها أنصاره "انقلابا عسكريا"، فيما رآها معارضوه "ثورة شعبية".