«بشرة خير».. الشعب في «ملهى الجمهورية السياسي»

ولماذا لا يرقص الشعب وينتخب في آن واحد؟.. وهل هناك قانون يجرم الرقص أثناء عملية التصويت في أي دولة؟.. سؤالان طرحا نفسهما مؤخرًا بين طوائف المجتمع المصري المختلفة، وتحديدًا منذ بداية التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حتى إعلان فوز المشير عبدالفتاح السيسي بمنصب رئيس الدولة، بعد أن قرر الشعب أن يرقص.
في الطريق لفوز السيسي خرج ملايين الناخبين ليدلوا بأصواتهم وهم يرقصون على أنغام معظم الأغاني الوطنية .وإن نجحت «بشرة خير» في فرض نفسها. ليقدم المصريون للعالم مشهدًا غير معتاد في مثل تلك المناسبات، أكد على فرحت كل من شارك في التصويت..
ويبدو أن الشعب المصري ملّ كل فعلته حكومات مصر السابقة منذ ثورة 1952 بعد أن فرضت مبدأ «ترقص الشعب على الشناكل»، فقرر في 2014 أن يرقص الدولة على «واحدة ونص»، ليثبت أنه أفضل من كل الحكومات في الرقص في ملهى جمهورية مصر العربية السياسي..
«عندما تدفعك الأغنية الوطنية للرقص .. أرقص»
سبق «بشرة خير» أغنيات وطنية كثيرة نجحت في حث المصريين على الوقوف بجوار مصر وزيادة شعلة الوطنية داخلهم، على مدى التاريخ والأحداث، وارتبطت تلك الأغنيات ولا تزال بوجدان المصريين مثل «قوم يامصري» لسيد درويش، و«صورة» و«احلف بسماها وبترابها» لعبدالحليم حافظ، و«على الربابة» لوردة، وهي الأغنيات التي استقرت في وجدان المصريين خلال حقبة العهد الناصري وفترة حكم أنور السادات ورسخت لفكرة الوطن بالغناء..
وفي فترة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك تحول الوطن إلى غنوة حلوة للحاكم، يحفظها الشعب دون أن يشعر أو يعمل بها، لتتحول الأغنية الوطنية إلى مفرخة مطربي الأغنيات الوطنية في ظل نظام مبارك مثل محمد ثروت وهاني شاكر وعلي الحجار ونادية مصطفى..
«الجسمي المطرب العسكري»
تحولت «بشرة خير» بدورها إلى وقود يحث ويحمس الناخبين على التوجه للاقتراع والوقوف أمام اللجان، لكن هذه المرة بنكهة إماراتية لحسين الجسمي الذي سبق وارتبط اسمه مؤخرًا بأغنية «تسلم إيدينك» التي أيد خلالها الجيش المصري، حتى أن البعض أطلق عليه «المطرب العسكري التابع للقوات المسلحة»، وهو ما دفع «الجسمي» إلى التأكيد على أنه قدم الأغنيتين حبًا في مصر وشعوره بأنها بلده الثاني دون توصية من أي جهة رسمية في البلاد.
«بشرة خير».. شعار المرحلة السياسي..
منذ أشهر قليلة نجح أوبريت «تسلم الأيادي» في فرض الحالة نفسها على الشارع المصري، ولاقت الأغنية نجاحًا وانتشارًا كبيرًا خاصة مع طرحها بعد عزل محمد مرسي، لكن يبدو أن الشعب المصري وصل إلى مرحلة التشبع لتواجدها في كل المناسبات الوطنية والفضائيات والأفراح والاحتفالات الخاصة والعامة..
تحولت أغنية «بشرة خير»، إلى ما يشبه الشعار السياسي للمرحلة الحالية بين معظم المصريين، وحول الشعب مضمون كلماتها التي تشجع على المشاركة في الانتخابات الرئاسية، إلى مجموعة كبيرة من الكليبات التي تمتلئ برقصات البسطاء من المصريين المتطلعين لمستقبل أفضل رغم همومهم وضغوط الحياة الصعبة..
في الوقت نفسه تحولت الأغنية إلى سلاح استخدم من قبل مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي ضد كل من رقص أو استمع للأغنية خلال الانتخابات، في حملة هجومية شرسة كانت مواقع التواصل الاجتماعية أرضها الخصبة، لدرجة وصلت إلى نعت فتيات وسيدات مصر بالعاهرات، لا لشئ سوى لأنهم عبروا عما شعروا به دون تفكير دون إسفاف..
«رابعة على واحدة ونص»
ردًا على الحملة التي شنها مؤيدو مرسي ضد فتيات وسيدات مصر، خرجت حملة مضادة تحمل اسم «رابعة على واحدة ونص»، تدافع عن الرقص أمام اللجان الانتخابية، بل وتم طرح كليبات تظهر خلالها طالبات الإخوان في الجامعات وهن يخرجن بالدفوف والطبول يرددن هتافات مناهضة للجيش ومؤيدة لمحمد مرسي، لتتحول الحرب إلى «صراع كليباتي» به كل أنواع الرقص من كل طوائف وفصائل فتيات وسيدات مصر..
«بشرة خير» تصل الكباريهات..
استكمالا لانتشار الأغنية ظهرت كليبات قصيرة لراقصات ببدل رقص عارية داخل الملاهي الليلية، واستغل المعارضون للانتخابات هذه الكليبات والتي يظهر بها راقصات وسط مجموعة من الرجال يصفقون، لتنهال التعليقات التي ربطت بين انتخابات المصريين واختيارهم وحالة الرقص واللامبالاة لقتلى رابعة، ليصلوا إلى نتيجة أن الانتخابات التي جرت ما هي إلا عهر سياسي اتضح على حقيقته، وتم اتهام «بشرة خير» بالإساءة إلى سمعة نساء مصر، وخرجت حملات مضادة جديدة تدافع عن المرأة المصرية باعتبارها الأم والشقيقة والزوجة التي فرحت باختيارها للسيسي..
هوس الأطفال ب«بشرة خير»
لم يتوقف انتشار «بشرة خير» وتأثيرها عند مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع والحارات، فكان للقنوات الفضائية نصيب في بث الأغنية كنوع من التأييد المستتر للمشير عبدالفتاح السيسي، فتم بثت الأغنية عدة مرات على مدار اليوم بشكل خلق تشبع لدى متابعي الفضائيات، لكنها نالت حالة من الهوس لدى الأطفال الذين يرقصون عليها كلما بثتها إحدى القنوات، بشكل دفع طفلة ظهرت في أحد البرامج تقترح بث الأغنية في المدرسة كل صباح بدلا من النشيد القومي.
وانتشرت كليبات يؤديها الأطفال على الأغنية على موقع «يوتيوب»، وانتقلت فوبيا الأغنية الممزوجة بحب الوطن إلى قنوات الأطفال، لتقدم إحدى قنوات الأطفال مع انتهاء الانتخابات كليبا للمغني كريم محمد والطفلة ملك محمد يحمل اسم «انتخبت السيسي»، كبداية لكليبات تأييد السيسي الواضحة والصريحة وتكريس صورته كزعيم ورئيس مصري بين الجيل الجديد من الأطفال..
«بشرة خير» تتجاوز الحدود
كان ملفتا خلال الأيام الماضية تجاوز الأغنية للحدود المصرية واستغلالها سياسيا لمهاجمة اختيارالمصريين للمشير السيسي، مثل انتشار كليب ادعى ناشروه أنه لفتيات سوريات ترقصن على الأغنية تأييدًا للرئيس السوري بشار الأسد، بل واعتبر البعض أن الأغنية هي التيمة الغنائية لسفك الدماء سواء في سوريا وما يحدث فيها أو في مصر وما حدث في رابعة، ولم تفوت قناة الجزيرة القطرية الموالية للإخوان الفرصة لتقديم تقرير حول هذا الموضوع حمل اسم «المصريون يرقصون على دماء الإخوان»..
في الوقت نفسه هاجم منشد أردني يدعى ساند العجيمي المصريين الذي أيدوا السيسي والذين شاركوا في العملية الانتخابية مستخدمًا لحن الأغنية، قال في كلماته : «دي فركة كعب ع جبينك.. ووصمة عار على سنينك.. حتنتخب اللي قاتلينك.. شروك ببلاش.. خدت إيه مصر من طيبتك.. قالت ياريت أنا ما جيبتك.. ويا لا ارقص على خيبتك.. رخيص ببلاش.. روح نادي ع الصعيدي يخبطك ألم حديدي.. وابن أخوك البورسعيدي يخبطك علمين.. عمك الاسكندراني يخبطك ع دماغك تاني.. والقناوي والميناوي قالوا عقلك فين.. متوصيش السوايسة دول قالولك كدة اصحى يامصري اصحى انت بتختار حراس العدا.. والجدعان الشراقوة قالوا احنا أقوى لو مش هنصوت بالقوة احنا مقاطعين.. بلدنا مش بلد عسكر.. ولا جبهة ولا معسكر.. وعايزين بوقنا يسكر ونعمي العين.. وننسى رابعة والنهضة.. وشهدا بحرق منفضة.. زمانك من زمان عدى .. خلاص ياحزين».
لكل «بشرة» كمالة ساخرة
ربما لإيقاعها الراقص، وتصويرها الذي يشبه كليبًا شهيرًا للمغني الأمريكي فاريل ويليامز يحمل اسم happy، تحفز الناخبون على النزول والرقص أمام اللجان مفعمين بطاقة إيجابية للأمل في غد أفضل، فرقصوا بجلاليبهم وعماماتهم، وانتشرت الكليبات انتشار النار في الهشيم، وانتشرت معها كليبات موازية أعدها مستخدمو مواقع التواصل على كلمات وألحان الأغنية، لكن كان أبطالها ممثلي الكوميديا أمثال محمد هنيدي ومحمد سعد وعلاء ولي الدين وأحمد مكي من أفلام «يا أنا ياخالتي» و«الناظر» و«حزلئوم»، ليضيف ذلك نجاحًا فكاهيا ساخرا للأغنية..
أيضًا مع انتشار الأغنية نجد البعض يستثمر انتشارها مثل المذيع الساخر أكرم حسني الذي قدم كليبا اطلق عليه اسم «كمالة بشرة خير»، ذكر خلالها المحافظات التي لم يرد ذكرها في الكليب الأصلي، كما سخر من أداء المصريين السياسي والاجتماعي وارتباطهم بتلك الأغنية خلال الانتخابات.