جاءني إلي عيادتي أحد المرضى يعمل مدرسًا وبعد الانتهاء من علاجه جلسنا سويا ًنتجاذب أطراف الحديث.. رأيته مهمومًا حزينًا قلت له: ما يحزنك؟. قال: أحوال المدارس أصبحت أسوأ من الأعوام الماضية. فقلت له: ما الذي زاد على التعليم فهو سيء منذ فترة طويلة ويعتمد اعتمادًا كليًا على الدروس الخصوصية التي خربت ميزانية الأسرة المصرية. قال: لقد دخل الصراع السياسي المدارس بشكل بشع.. حتى المدارس الابتدائية لم تسلم منه.. لقد اشتعل الصراع والتشاتم السياسي بين الطلاب بعضهم البعض من جهة.. وبين المدرسين.. وبين بعض المدرسين والطلاب من جهة ثالثة. وكلمة السر في هذه الصراعات: هل أنت مع مرسي أم السيسي؟ هل ما حدث هو انقلاب أم ثورة؟ هل تحب "تسلم الأيادي".. أم "شعار رابعة"؟ وزاد الطين بلة أن بعض مديري الإدارات التعليمية ألزموا مدارسهم تشغيل أغنية "تسلم الأيادي" في طابور الصباح.. وهذه الأغنية بالذات تولد ارتكاريا حادة لدي كل المؤيدين للإخوان وللدكتور مرسي.. فتتولد ردود أفعال غاضبة في الطابور مع نقاشات وخناقات حادة وارتكاريا بذاءات وشتائم. وقد علمت أن الوزارة لم تطلب ذلك من المدارس.. ولكن بعض مديري الإدارات أرادوا التزلف لدى الحكومة الحالية ونفاقها فأمروا بتشغيلها ولتذهب العملية التعليمية إلى الجحيم.. وهؤلاء المديرون يظنون أنهم بذلك يضمنون مناصبهم وأن ذلك قد يستر فشلهم أو فسادهم التعليمي.. ولا يهمهم أن تحترق المدارس سياسيًا بمن فيها .. في الوقت الذي يحاول فيه الطلبة المؤيدون ل"رابعة" حشد الأنصار والأتباع وتوزيع إشارات رابعة وتجهيز كل أدوات المظاهرات واستغلال حشود الطلبة في المدارس المتجاورة لعمل مظاهرات ضد الحكومة عند خروج الألاف من المدارس المجمعة. وأحيانًا تجد مظاهرة من مدرسة ابتدائية في لحظة خروجها من المدرسة مع أن هؤلاء الأطفال لا ينبغي أن تحرق أعصابهم بالصراع السياسي ولا تشحن نفوسهم البريئة بأحقاد السياسة وأضغانها التي يبدو أنها دخلت مصر ولن تخرج منها. لقد أخطأ قادة اعتصام رابعة خطأ قاتلا ً حينما جعلوا الأطفال الأبرياء يحملون أكفانهم على أيديهم في مشهد جنائزي ضمن ما أسمى وقتها "مشروع شهيد " .. وهل الطفل عليه جهاد في الشريعة الإسلامية .. وهل الطفل مادة للصراع السياسي بين الفرقاء السياسيين.. ولماذا نعلمه فقه الموت قبل أن يحيا ويحب الحياة ويقبل عليها.. وهل هذا هو الموطن الحق الذي تزهق فيه هذه الأنفس البريئة؟! وأخيرًا .. قتل الأطفال في نفس اعتصام رابعة العدوية وهرب كل القادة الذين دشنوا هذه المشاريع المجنونة. ثم ما علاقة المرأة بالجهاد في الإسلام إن كان ثمة جهاد.. فالجهاد ليس مفروضاً عليها .. ما علاقة الطفل بالموت والقتل والجهاد وهو لم تفرض عليه الصلاة بعد.. وما الجدوى من قتل كل هؤلاء الفتيات اللاتي قتلن ظلمًا وعدوانًا من الفريقين . فالذين جاءوا بها ظلموها وعرضوها للقتل وهم يعلمون أن الاقتحام قد حسم أمره والذين قتلوها ظلموها أيضًا بسفك دماء النساء والأطفال العزل دون ذنب أو جريرة. من أراد أن يسمع تسلم الأيادي أو أناشيد رابعة أو يشير بإشاراتها فليكن ذلك خارج المدارس.. وأرجوكم أن تجنبوا الأنفس البريئة الطاهرة عن قذارة الصراعات السياسية. لقد حكت لي إحدى الأمهات أنها وزوجها تؤيدان الفريق السيسي وشقيقتها تؤيد د/ مرسي.. وشقيقتها تأخذ أولادها وتقول لهم: ادعوا على السيسي وادعوا على أبيكم لأنه من أتباعه لكونه ضابط شرطة.. مما أحدث قطيعة للرحم بين الأسرتين.. بعد أن كانت هناك محبة كبيرة بينهما. لماذا نعلم أولادنا الكراهية قبل أن نزرع فيهم الحب؟.. ازرعوا الحب في قلوب الأطفال للجميع أولا ً.. ودون استثناء.. واتركوهم عندما يكبروا ليميزوا وحدهم بين الصواب والخطأ والحق والباطل.. وحينما يكبرون لن يكون هناك لا مرسي ولا السيسي.. ولا جبهة الإنقاذ ولا الإخوان.. سيكون هناك عالم جديد غير عالمنا.. فدعوهم لعالمهم ولا تفسدوه عليهم مبكرًا .