خالد فهمي: باسم الاستقرار يُمارس التعذيب وتقوض مؤسسات الدولة سوزان فياض: الكتاب يشرح باستفاضة كيفية السيطرة على الضحية وتعذيبه نفسياً وائل عبدافتاح: التعذيب في مصر ثقافة..وحتى 2003 "الكرباج" كان في الأقسام بسمة عبدالعزيز: توافر إرادة سياسية من النظام يضمن توقف التعذيب استضاف أتيلييه القاهرة مساء أمس الأربعاء، حفل توقيع كتاب "ذاكرة القهر" للطبيبة والكاتبة بسمة عبد العزيز، والذى صدر منذ أيام قليلة عن دار التنوير بالقاهرة. تحدث د.خالد فهمي أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية عن أهمية كتاب "ذاكرة القهر" قائلاً أنه الكتاب الأول الذي يؤرخ فيه للتعذيب في مصر، واصفاً الكتاب بأنه مزعج ومقلق، لأن تفاصيله صعبة، فهو يضم قصصاً مزعجة ليست كلها عن مصر، فالكتاب رسالة جماعية عن التعذيب، وللأسف مصر أصبحت نموذجاً يُدرس في التعذيب، فلا يمكن الحديث عن التعذيب إلا وتأتي سيرة مصر التي تمارس التعذيب بشكل ممنهج. الكتاب برأيه ليس فقط مادة ووقائع وتاريخ وأسماء، بل يقدم تفسيرات وتحليلات ومفاهيم نظرية مقدمة بشكل أساسي للقارئ المصري. وتوقف فهمي عند مصطح نفسي يعتبره مهماً، قدمته الكاتبة الطبيبة في مؤلفها وهو "اضطراب كرب ما بعد الصدمة"، مؤكداً أن كل كلمة من كلمات المصطلح مفسرة بشكل علمي، لافتاً إلى أن الكتاب يضم تعريفات عن التعذيب وأنماطه وأدواته التي تقشعر منها الأبدان على حد وصفه. كذلك يتحدث الكتاب عن العلاقة المتشابكة بين الضحية والجلاد، واصفاً الكتاب بأنه جدير بالاقتناء. أما عن السياق الأمني والسياسي والبيروقراطي الذي يمارس من خلاله التعذيب، فيلفت فهمي إلى أن هذا أيضاً يتحدث عنه الكتاب، الذي يتناول لماذا يحدث التعذيب هل لمجرد انتزاع اعترافات، أم لقهر شخص وانتفاء إنسانيته وإذلاله أمم بغرض الردع والترويع، أم من أجل فرض هيبة الدولة؟!. ويحاول أستاذ التاريخ الإجابة قائلاً، أن الأمر لا يتعلق بهيبة الدولة ولكنها تتعلق بفرض هيبة الضابط، مع أن التعذيب برأي فهمي يؤدي إلى التفريط في هيبة الدولة وإذلالها. واعتبر فهمي أن اهمية الكتاب تأتي من كوننا اليوم نسمع دوماً عن أحد ضحايا التعذيب الذي يفقد روحه مثلاُ، أو عن قضايا التعذيب بشكل عام، قائلاً: ما نشهده الآن انتصار ساحق للثورة المضادة، والذي نتج عنه عودة التعذيب بشكل لم يسبق من قبل. وأكد أستاذ التاريخ د.خالد فهمي أن الكتاب يضم كتالوج يعرض خطوات انتصار الثورة المضادة، منها مثلاً تضخيم الأخطار المحيطة بالوطن، تقديم شخص قادر على درء هذه الأخطار، رسم صورة براقة لمرتكبي العنف والتعذيب وإقناع المواطنين بأهميتهم. وأوضح فهمي أن ما ينقص الكتاب هو دور المجتمع وتواطئه مع الجلاد، فالضحية دائماً محط لوم من المجتمع، فما أن يسمع أحد عن ضحية تعذيب إلا ويقول: "أكيد ارتكب خطأً"! واستشهد بالفيلسوفة والصحفية "هنا أرنت" التي أدانت المجتمع النازي الذي تواطئ وسمح لمسئوليه وموظفيه أن يمتنعون عن التفكير النقدي وهم يقومون بالتعذيب، فالمسئولية إذاً جماعية، ويعلق فهمي: هكذا نحن الآن التعذيب والانتهاكات في أقسام الشرطة تمارس باسمنا، فالدولة تزعم أنها تحقق الاستقرار المنشود عبر هذه الوسائل. ويتساءل فهمي: أي استقرار هذا يمكن أن يأتي عبر إذلال الأفراد والمواطنين أيّاً كان من هم، النظام من الممكن ان يقتل باسمنا دون محاسبة، وهذا ما يسمح للضابط باستخدام كرابيج وعصي بغرض الإذلال. وأوضح أنه في عام 1861 صدر قانون استبدال عقوبة الضرب بالحبس، وهو تاريخ إنهاء الشرطة في مصر للتعذيب، حين قالت الشرطة أنه أسلوب لا يثمر ولا يأتي بنتيجة. واعتبر فهمي أن تكلفة فتوحات محمد علي باشا كبيرة، يكفي أن يظل المجتمع في حالة حرب لمدة 25 عاماً، وأن تستمر فترة التجنيد مدى الحياة، وحين تقلص تكون 15 عاماً، وقد دُمر جيلين في الحرب، وانتشرت الدعارة بسبب الفقر، وكل هذا ثمناً للإمبراطورية العظيمة!. ولفت إلى أن مصلحة القضاء الشرعي في مصر تاريخها مشرف، فأول دفعة مصرية تخرجت من القصر العيني تم تعيينهم في أقسام الشرطة والمديريات والأقاليم، ووقفوا أمام السلطة الغاشمة وكتبوا تقارير تثبت التعذيب ضد البيت الحاكم والباشاوات، والضباط. أما الآن كما يشير فهمي، فمصلحة الطب الشرعي مهترئة، وموظفيها بلا كفاءة أو أدوات، لذلك فأمامنا مشوار طويل للتخلص من التعذيب في مصر الذي أصبح من سمات الدولة المصرية الحديثة. وأكد فهمي في ختام كلمته أنه باسم الاستقرار، يقوض النظام دعائم الشرطة لأنه يقلل من مصداقية هذا الجهاز وكفاءته، ويُذهب بوئام المجتمع عبر جرائم التعذيب، ووجه كلمته لكل من شارك في ثورة 25 يناير قائلاً: اللحظة والمواجهة الحقيقية قادمة، فنحن أمام نظام عميق ومن السذاجة أن نتصور أنه من الممكن أن ينتهي بسهولة، مؤكداً ان الكتاب يعطي أملاً ودليل على أن المجهود الحقيقي سيبدأ الآن. حالات مبكية من جانبها أوضحت د.سوزان فياض مديرة مركز النديم لعلاج ضحايا التعذيب أننا نفتقد طوال الوقت لمرجع باللغة العربية يقدم مثل هذه التحليلات العميقة للتعذيب، فقد علمنا الضحايا أن نسلك الطرق القانونية لتحقيق الانتقام، وأن ننشر وقائع لتعذيب لفضح الجلاد الذي قام بالتعذيب. وأوصت فياض بالكتاب للأطباء النفسيين لأنه يقدم تحليل عميق وشبه متكامل للتعذيب، فالكتاب ليس فقط إضافة لكنه نقلة على حد وصفها. فالآثار النفسية للتعذيب التي يتناولها الكتاب أكثر خطورة من الآثار الجسدية، لأنه يكسر الإرادة ويدمر شعور الضحية باستقلاليتها، ويقوم بإذلالها، لافتة إلى أن الكتاب يقدم رسالة واضحة عن الهدف من التعذيب فهو جريمة. وعبر تعاملها مع كثير من حالات ضحايا التعذيب تؤكد أن كثير ممن يعذبون لا يقف تعذيبهم بعد الاعتراف، فمن الممكن أن يستمر تعذيبه للحصول على معلومات هم يعرفونها جيداً بهدف إذلاله وخضوعه التام، ومن أجل "امتلاك الضحية" كما يشير الكتاب. فالجلاد لا يكتفي بالسيطرة على الضحية بل يريدون أن يأتي الضحية في صف الجلاد وهو واعي ومحب لذلك. ويشير الكتاب إلى أن طرق السيطرة على الضحية تبدأ بعزل الضحية عن المجتمع المحيط، حيث يوضع في مكان غير معروف تحت الأرض مثلاً أو في ظلام دامس، وبدون ملابس، وفي هذا السياق تبدأ عمليات التعذيب ليصلوا للإذلال المفرط للضحية، وتحقيره وإهانته، عبر ترديد أنه حشرة والسخرية من جسده، وفي أثناء هذا يشير الكتاب إلى أن الجلاد يهدف من ذلك إحداث ارتباك ذهني للضحية، منها مثلاً الإفراج الوهمي، أن يقولوا للسجين أنه إفرج وعلى باب السجن يقبض عليه من جديد، أو ان يبلغوه بأنه سيعدم ويمر في إجراءات الإعدام للنهاية دون أن يحدث هذا. التشويش الفكري هذا – تواصل فياض – مع الإذلال تساهم في السيطرة على الضحية، ومن ثم يتعرض الكتاب للتبعات النفسية للتعذيب، أي ما يطلق عليه الكتاب "ندوب الذاكرة"، أي ما تحتفظ به الذاكرة من عمليات وحشية أثناء عملية التعذيب وتطارد الشخص في حياته اليومية، وقد تظهر هذه الندوب في الأحلام أو ذكريات تقتحم مخه، واستشهدت فياض بحالة تشكي زوجته من أنه كل يوم يستيقظ من نومه منتصف الليل ويظل ينبح وهو يسير على يديه وقدميه، وبعد العلاج اكتشفنا أنها وبة ارتجاعية فهو كان يفعل هذا أثناء التعذيب، ومريض آخر كان يرفض الجلوس على الكرسي في العيادة، لأن الكرسي شبيه بما كان يعذب عليه في السابق!. وتؤكد فياض أن ليست كل الشخصيات قابلة للانسحاق، فبعض الضحايا الذين يقاومون يصيبون الجلاد بالارتباك، فتماسك أصحاب القضايا السياسية واحتفاظهم بصفائهم الذهني وصلابتهم، يمكنهم من استكمال مسيرتهم وبعضهم يصبح من النشطاء. ثقافة مجتمع من جانبه قال الصحفي وائل عبدالفتاح أن التعذيب ليس قضية سلطة فقط، بل هي قضية كل من مارس السلطة، فالمجتمع برأيه متخلف سياسياً وقانونياً وعلى مستوى تكوين الدولة، ويكفي أن نعرف كما يقول أنه حتى عام 2003 كان من ضمن أدوات العقاب في الأقسام "الكرباج"، واستمرار وجود الكرباج هو دليل على استمرار اعتراف المجتمع بقهر الجسد كثقافة لقهر الإنسان. فالضابط الذي يمارس التعذيب – يواصل وائل – غير كفء وفاشل وغير متمكن من أدواته، لافتاً إلى أن التعذيب رسالة يومية لكل المجتمع بمباركة الشعب، وانتهائه يبدأ بإنهاء هذه الثقافة حتى تتغير مصر. مبادرات وقف التعذيب في أدراج الحكومة أكدت صاحبة الكتاب د.بسمة عبدالعزيز أن الكتاب كان رسالتها للماجستير، وقد انتهيت منها عام 2005، وفي الفترة الماضية أثيرت أسئلة كثيرة حول، لماذا لا يتم تناول آثار التعذيب من الناحية العلمية أو النفسية، وأسئلة تتعلق عن كيفية تقليل آثار التعذيب، وما الذي يمكن أن يفعله الضحية لاستفزاز جلاده، وكيف يمكن تقليل آثار التعذيب. ولكل هذه الأسباب – تتابع نسمة – أعدت الصياغة أربع مرات حتى لا يكون الكتاب جاف، وقمت بتحديث كل معلومات الكتاب ليضم كل حالات التعذيب حتى 30 يونيو. وأوضحت أن الكتاب يشتمل على ستة فصول الأول يتناول تاريخ التعذيب، والثاني يتناول التعذيب باعتباره صدمة ذات طابع خاص، والفصل الثالث يتحدث عن التبعات النفسية للتعذيب، وعن الآثار الجانبية للتعذيب يتناول الفصل الرابع الدراسات التي أجريت في دول امريكا اللاتينية عن التعذيب، ويتحدث الفصل الخامس عن الجلاد والنظام، وأخيراً جاء الفصل السادس عن الممارسة الطبية والتعذيب، وما يتعلق بالطب الشرعي والتقارير "المضروبة" وغيرها. واعتبرت بسمة أن المجتمع بشكل ما يساهم في استمرار منظومة التعذيب، وأشارت إلى تعريف التعذيب في منظمة الأممالمتحدة وهو ينص على أن الشخص الذي يُعذِب هو موظف في الدولة مخول له تعذيب الآخرين، وبهذا التعريف فإن ضرب الرجل لامرأته مثلاً لا يعد تعذيباً. وأكدت الطبيبة النفسية صاحبة الكتاب أن المجتمع يقبل فكرة القهر الجسدي، بدءاً من المدرسة حتى تأديب الرجل لزوجته، وأننا نقبل أن يكون التعذيب عقاباً، على الرغم أن كل خطأ له تكييف قانوني خاص به بعيداً عن التعذيب على حد قولها. وأوضحت أن النظريات تشير إلى أن أي شخص يُدرب بطريقة معينة ويدخل في سلطة استبدادية يمارس التعذيب، وقليل من يمتنع. وأكدت صاحبة الكتاب أن الجلاد يعاني كذلك من حالات اكتئاب وتوتر مثل الضحية، لافتة إلى أن مناهضة التعذيب يتم عبر التعليم والإعلام وتغيير ثقافة المجتمع، مع ضرورة توفر إرادة سياسية من النظام نفسه، فهناك كما تقول مبادرات لوقف التعذيب ووصلت إلى الحكومة نفسها، لكنها وضعت في الأدراج، دون تفعيل!.