محمد السمادوني أثار توقيع عقوبة الحرمان من حضور الجلسات لأحد أعضاء مجلس الشعب بسبب آراء أبداها داخل المجلس، تساؤلات عدة عن مدي جواز ذلك، وهل يشكل ما حدث خرقاً صريحاً لمبدأ عدم مسئولية أعضاء البرلمان عما يبدونه من أفكار وآراء أثناء ممارستهم عملهم داخل المجلس النيابي، وهل هذا المبدأ مقرر لصالح النائب أم هو من أجل تقوية وحيوية العمل البرلماني، وبمعني آخر هل هذا المبدأ يتعلق بالنظام العام أم بالصالح الخاص، وتساؤل آخر عن كيف تكون الأغلبية داخل المجلس خصماً وحكماً في الوقت ذاته، ومدي انعكاس ذلك علي الحياة السياسية والتجربة الديمقراطية بصفة عامة. تحرص الدساتير عادة علي النص علي ضمانة أساسية بهدف توفير الحرية والطمأنينة للنائب بالنص علي عدم مسئولية أعضاء البرلمان عما يبدونه من أفكار وآراء أثناء ممارستهم نشاطهم داخل المجلس النيابي، وتنص المادة 98 من الدستور المصري علي أنه »لا يؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه«. ذلك أنه لو تقرر محاسبة عضو البرلمان عن أفكاره وآرائه كما يحاسب غيره من المواطنين، فإن ذلك سيجعله متردداً في التعبير عن آرائه ومقترحاته بشأن إصلاح ما يلاحظه من خلل في عمل الحكومة أو ما قد يكون من نشاط يشكل انحرافاً في إحدي مؤسسات الدولة. ويستفيد من ضمانة عدم المسئولية البرلمانية جميع أعضاء البرلمان لا فرق بين العضو المنتخب والعضو المعين بقرار من رئيس الجمهورية، ولا فرق بين من هو في حزب الأغلبية ومن هو في المعارضة، ويشترط للاستفادة من هذه الضمانة أن تبدي الآراء والأفكار التي تصدر عن عضو مجلس الشعب داخل قاعة المجلس أو في إحدي لجانه. وضمانة عدم المسئولية البرلمانية ليست مقررة »»لشخص« عضو مجلس الشعب، وإنما هي مقررة لحماية العمل البرلماني ذاته ولصالح البرلمان ممثل الأمة. إن حرمان أحد أعضاء مجلس الشعب من حضور جلسات المجلس حتي نهاية الفصل التشريعي بناء علي طلب نواب حزب الأغلبية لأنه في آرائه التي أبداها داخل المجلس قد ارتكب تجاوزات في خطابه عن وزارة الداخلية، ونقد سلوكها وتصرفها المالي وهي بصدد تنظيم بعثة الحج، يمثل خرقاً لمبدأ عدم المسئولية البرلمانية وهو عمل ليس في صالح التجربة الديمقراطية. ولو حدث وأساء عضو البرلمان لتلك الحصانة فقد تكفلت لائحة المجلس بوضع الجزاء الذي يبدأ من التنبيه ولا يتجاوز الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس لخمس جلسات فقط، ويصدر القرار من المجلس بعد سماع أقوال العضو، وتقدير وجود خروج علي النظام أو التجاوز أمر متروك لرئيس المجلس، فرئيس المجلس عليه أن يبدأ بتحذير العضو ولفت نظره لخروجه علي النظام، وقد يستجيب العضو إلي الصواب في التعبير عن رأيه وهنا ينتهي الموضوع، فلابد أن يسبق الجزاء تحذير من رئيس المجلس. ومن هنا فإن الجزاء الذي تم توقيعه هو جزاء في منتهي القسوة، خاصة إذا علمنا أنه في ذات الفصل التشريعي تم توقيع عقوبة الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس لنائب من جماعة الإخوان عشر جلسات لما نسب إليه من إهانة لمجلس الشعب في حديث من أحاديثه، في الوقت الذي يتم فيه حرمان نائب آخر مستقل من جميع الجلسات لأنه أهان وزارة الداخلية، فهل كرامة مجلس الشعب أقل من كرامة تلك الوزارة؟ لا يخفي التداخل بين حزب الأغلبية والحكومة، فكيف يكون حزب الأغلبية هو الخصم والحكم في تقييم سلوك نائب مستقل أثناء ممارسته لعمله في نقد الحكومة داخل قاعة مجلس الشعب. إن حزب الأغلبية هو الذي اقترح العقاب بتقديم طلب لرئيس المجلس، ثم إن حزب الأغلبية هو الذي وقع الجزاء أيضاً، فهل حزب الأغلبية يحتكر الحقيقة المطلقة، وهو اللاعب الوحيد، خاصة أن هذا الجزاء تم توقيعه دون أخذ أقوال العضو كما تشير اللائحة، ولعب حزب الأغلبية دور القاضي ودور وكيل النيابة ودور المحامي ودور الجمهور. إن ما حدث ليس في صالح التجربة الديمقراطية، ويتعارض مع نصوص الدستور، فحرية التعبير من الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة النظام الديمقراطي، وتعد ركيزة لكل نظام حكم سليم يقوم علي مبدأ السيادة للشعب وحده الذي هو في الوقت ذاته مصدر جميع السلطات. ذلك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب ممثل في نوابه أعضاء السلطة التشريعية الكلمة الحرة فيما يتم مناقشته داخل المجلس من شئون عامة، وأن قمع الكلمة الحرة هو عمل ضد الديمقراطية. عن صحيفة الوفد المصرية 4/3/2008