مجدي الدقاق يحمل الاسم الشعبي للخبز في مصر دلالة خاصة, ويسمي المصريون خبزهم بإسم العيش, في إشارة واضحة للحياة. ويشكل الخبز الجزء الأساسي في الوجبات الثلاث لهم يوميا. يقسمون بالعيش والملح, ولايملكون رغيف خبز خاص بهم مثل شعوب العالم, يعتبر المصري الحياة أكل عيش, يسعي فيها للحصول علي عيشه, ومع ذلك يضع الأحذية في واجهات المحلات ويزينها ويغلفها, ويبيع العيش علي أرصفة الشوارع, ويتركه مكشوفا, وفي القري والمناطق الشعبية بل في بعض المدن, يذهب الآلاف منهم في الصباح الباكر للوقوف في الطابور للحصول علي الرغيف المدعم من المخابز, في حين تخرج المخابز من أبوابها الخلفية, رغيفا مختلف الشكل والحجم وتبيعه علي الرصيف المقابل بسعر مضاعف. لقد عرف المصريون طوابير انتظار السلع الغذائية في بداية السبعينيات من القرن الماضي, ولعلنا جميعا نذكر طوابير فراخ الجمعية, والزيت والسكر, وطابور السابعة صباحا للحصول علي علبه سجائر سوبر!!. اختفت ظاهرة الطوابير, ولكنها ظلت باقية في كثير من المدن والقري بالنسبة لرغيف الخبز, وظل رغيف العيش مشكلة مزمنة للأسرة المصرية, بداية من الحصول علبه, مرورا بسعره, وإنتهاء بجودته, وتحول الأمر من شكوي نكررها يوميا إلي حكاية يرويها الجميع ولايجد لها حلا!! والسؤال الذي يجب علينا جميعا أن نسأله لأنفسنا, لماذا لم نستطع نحن المصريين إنتاج رغيف خبز بجودة معقولة تليق بإحتياجنا وإحترامنا له؟ قد يتصور البعض, أن الحديث عن العيش وتحسين إنتاجه وتوزيعه, هو تمهيد لإلغاء الدعم علي الدقيق والخبز, وحتي يطمئن قلب الجميع, ولايزايد علينا أحد, نقول أن تأكيدات الرئيس حسني مبارك, بأن الحكومة لن تمس دعم رغيف الخبز, وأن البحث عن سبل لوصول الدعم لمستحقيه, لايعني مطلقا إلغاءه. علينا إذن أن نعترف جميعا بوجود مشكلة حقيقية في مصر اسمها رغيف الخبز, وعلينا بعد الاعتراف قراءة الواقع ورصد ملامح المشكلة لنصل معا لحلول عملية لها. يستهلك المصريون يوميا مايقرب من210 ملايين رغيف, ويبلغ متوسط نصيب الفرد ثلاثة منها يوميا ومع ارتفاع سعر طن القمح عالميا, رفعت الدولة في الميزانية الجديدة قيمة دعم الدقيق من9 مليارات جنيه إلي15 مليار جنيه, للحفاظ علي سعر الرغيف المدعم, ومع وجود سعرين لسلعة واحدة في السوق, تم تسريب الدقيق المدعم واستفاد أصحاب المخابز بفارق السعر, ووصل رقم الفاقد في عملية الدعم إلي4,5 مليار جنيه سنويا, لم تصل إلي المواطن المستهدف من الدعم. ووجدت الحكومة نفسها تدعم الفنادق الكبري وأصحاب محال الحلويات, وأصبح الدعم دعما للجميع, يستفيد منه أصحاب الدخول المرتفعة, ومحدودو الدخل في نفس الوقت, وهو الأمر الذي يلغي فكرة العدالة الاجتماعية التي تستهدف الفئات الأقل قدرة والأكثر احتياجا. إن15 مليار جنيه سنويا لم تغير أوضاع ومشكلات رغيف الخبز في مصر, فلايزال الوضع كما هو والمشكلة قائمة, تدعم الدولة الدقيق, يتسرب30% منه إلي السوق الموازية, ويتم إنتاج رغيف لايليق بالمصريين ويقف الملايين منهم صفوفا, للحصول عليه, ويتم إهدار25% من الإنتاج بسبب استخدامه كعلف للماشية. نحن إذن ندعم الأغنياء, علي حساب محدودي الدخل, وندعم المخابز بدلا من دعم المواطن, الذي لايحصل إلا علي رغيف لايليق بآدميته. والنتيجة النهائية, عدم رضا المواطن في الريف والحضر عن العيش, بسبب عدم توافره, وصعوبة الحصول عليه, وجودته, وبات من غير المقبول أن تستمر هذه الأوضاع. إن وصول الدعم لمن يستحقه أصبح أمرا ضروريا وعلينا البحث عن آليات عملية لذلك, فلايعقل أن يشتري القادرون شوال الدقيق ب60 جنيها في حين يبلغ سعره في السوق260 جنيها. ويستفيد هؤلاء من إلزام الدولة بإستمرار الدعم, مثلهم مثل الفقراء ومحدودي الدخل, ففارق السعر الذي تحملته الدولة مخصص لغير القادرين وبسطاء الناس, وليس لفنادق الخمس نجوم وتجار الحلوي والدقيق. إن إستمرار هذا الوضع علي ما هو عليه يفرغ معني تحقيق العدالة الاجتماعية من مضمونه, ولايحقق الهدف المنشود بإدراج هذا المبدأ في كافة السياسات العامة. لقد دعا الرئيس مبارك لحوار مجتمعي لإيجاد حلول لقضية وصول الدعم لمستحقيه, مؤكدا انحيازه الدائم والمستمر لحقوق المواطن وللبسطاء في هذا الوطن. في إطار مفهوم واسع وشامل للعدالة الاجتماعية التي لايمكن حصرها في قضية واحدة. وأستطيع التأكيد علي أن هناك إلتزاما من جانب الحزب الوطني وحكومته بهذه السياسة, وخاصة فيما يتعلق بالإصلاح الاقتصادي والخدمات العامة, والإستهداف المباشر للفقر, والاهتمام بالمناطق الأكثر احتياجا والفئات الاجتماعية الأولي بالرعاية. أن قضية العدالة الاجتماعية لايمكن تجزئتها, فالبحث عن آليات لوصول الدعم لمستحقيه بالنسبة للخبز, لاينفصل عن مشروع توسيع شبكة الضمان الإجتماعي, ولاعن إصدار بطاقة الأسرة للأسر الأولي بالرعاية ولاعن برنامج النصف مليون وحدة سكنية, ولاعن زيادة عدد الأسر المستفيدة من مشروع الأسر المنتجة من مليون أسرة إلي2 مليون خلال خمس سنوات, ولاعن زيادة التمويل المتاح في إطار نظام الاقراض الصغير والمتناهي الصغر بتوفير250 مليون جنيه لهذا الغرض, ولاعن توفير200 مليون جنيه في موازنة الدولة لتشجيع الاستثمار وإيجاد فرص عمل جديدة في محافظات الصعيد, ولا عن الاهتمام بمياه الشرب والصرف الصحي في القري المحرومة ولا عن غيرها من مشروعات التعليم والصحة والتأمينات. نحن إذن أمام توجه شامل وفهم جديد لقضية العدالة الاجتماعية, ولايبقي سوي فتح باب الحوار مع كل فئات المجتمع من أحزاب, ونقابات ومنظمات مجتمع مدني, وخبراء ومتخصصين في الاقتصاد والسياسة والاجتماع, حول السبل الأمثل لإيجاد آليات جديدة تتلاءم مع احتياجات المجتمع وأولوياته لضمان وصول الدعم لمستحقيه وتحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها الشامل, وحتي يتحقق هذا الأمر, سنظل نتمسك بتصريح الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء, الذي أكد فيه أن الحكومة ترحب بالأفكار المختلفة. لتطوير سبل وصول الدعم لمستحقيه بأي صورة من الصور التي تحقق الكفاءة والعدالة, سواء بالتحول إلي الدعم النقدي أو استمرار الدعم العيني الحالي, مع تطوير آلياته وسبل توزيعه, بما يحقق دعم احتياجات الأسر والفئات المستحقة لهذا الدعم. أن الجميع مدعو للحوار, والمشاركة في حل قضية الخبز, حتي نستطيع معا أن نقسم بالعيش والملح علي أننا نستطيع بهدوء حل قضايانا المعلقة منذ سنوات!!. عن صحيفة الاهرام المصرية 16/12/2007