عادت الأزمة الطاحنة لرغيف العيش لتطفو مرة أخرى على المشهد الاجتماعي المصري، فمنذ أيام شهد أحد مخابز محافظة الجيزة جريمة قتل حين سدد عامل طعنة نافذة بالصدر بمطواة للقتيل الذي حاول الحصول على الخبز بدون الالتزام بالطابور الممتد على طول البصر. فبعد ثورة 25 يناير وانهيار قلعة الفساد كنت أتوقع أحلاما وردية تتحل فيها كل مشاكل المصريين وعلى رأسها أزمة الخبز، لكن الواقع أننا ربما نحتاج أن نصبر فترة طويلة، نرجو ألا تصل إلى مقدار ما عشناه سابقا، لنجني ثمارها . العيش والعيشة واللي عايشنها والواقع أن رحلة المعاناة للحصول على "رغيف العيش" هذه لا يجب الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، فطالما كنت أسأل نفسي بطريقة تهكمية، وإيه يعني لما رغيف العيش يغلا سعره بمقدار 5 قروش ولا حتى 20 قرشا، طيب ما هي اللحمة بيزيد سعرها كل شهر 5 جنيهات والزيت كل أسبوع والخضار كل يوم، إلى أن سقطت عيناي على أحد هذه الطوابير وكان يمتد على طول أكثر من عشرين مترا، عندها فقط أدركت لماذا لا ينبغي أن يزيد سعر العيش". حيث يعتبر الرغيف في مصر الوجبة الأساسية بل الوحيدة للملايين الذين إما يدعمونه بقطعة جبن أو طبق فول أو حتى "شوية ملح"، وأعتقد أن من هنا يقال دائما "ناكل مع بعض عيش وملح" في إشارة إلى طعام الغلابة الذين لا يحلمون بأكثر من الخبز ولو كان حافا. ويروي الجماهير المرابطون مآسي لا تحصى تصادفهم كل يوم جراء سعيهم للحصول على الرغيف"، بداية من الطوابير التي لا تتحرك ومرورا بالخناقات وحوادث التحرش والسرقات، وانتهاء بخيبة الأمل التي تصيبهم بالإحباط في كل مرة يخرج عليهم فيها مسئولو المخبز ليخبروهم بأن العيش قد نفد. وبشكل عام، يحتل الخبز مكانة مهمة في كل بيت مصري، حيث يحمل الاسم الشعبي للخبز في مصر دلالة خاصة, ويسمي المصريون خبزهم باسم العيش, في إشارة واضحة للحياة. ويشكل الخبز الجزء الأساسي في الوجبات الثلاث لهم يوميا . فهكذا دائما المصريون، يقسمون بالعيش والملح, ولا يملكون رغيف خبز خاص بهم مثل شعوب العالم. ووفق الأرقام الرسمية، تقدم الدولة 9 مليارات جنيه دعما سنويا لرغيف الخبز في العاصمة وحدها, لكن الغريب في الأمر أن تلك المليارات يذهب معظمها إلي جيوب عدد من أصحاب المخابز, والسماسرة, والمتاجرين بالخبز في السوق السوداء, وبالتالي يضيع الدعم ولا يستفيد منه مستحقوه من الفقراء ومحدودو الدخل . ويشير البعض إلي أن سبب الأزمة يتلخص في لجوء عدد كبير من أصحاب المخابز إلي حيل جديدة لتهريب حصة الدقيق المدعم المسلمة لهم, إلي السوق السوداء, موضحين أن أبرز الحيل تمثلت في إخفاء الدقيق المدعم في خنادق تحت الأرض .