عاش التجربة: صلاح الدين عبد الله - شيماء عثمان "مواطن أشعل النار في نفسه بعد أداء الصلاة في مسجد السيدة زينب وهو علي قناعة أن فعلته ليست كفرا، وإنما نتيجة عجزه عن توفير لقمة عيش لأولاده.. سيدة عجوز فقدت حياتها من أجل رغيف عيش أثناء انتظارها في طابور العيش" حدثان متلاحقان مرا بذاكرتي عندما تشبثت بي أيادي عدد من الغلابة في صراعهم للحصول علي رغيف الخبز. رصدت "العالم اليوم الأسبوعي" ما يحدث في موقع الحدث.. أي داخل طوابير الخبز أمام المخابز وبين الناس.. عشنا المشهد علي مدي أكثر من 5 ساعات للوقوف علي حقيقة المأساة من أجل الحصول علي رغيف خبز، وتمنينا وقتها لو كان بينهم الدكتور علي مصيلحي وزير التضامن الذي ربما لو عاش لحظة وسط هذه الأعداد الغفيرة أمام كل فرن عيش لتغيرت وسائل علاجه وحلوله لهذه الأزمة. صراخ السيدات، استغاثات العجائز، توسلات الأطفال.. مشاهد تكررت كثيرا أثناء جولتنا بين أفران العيش، تؤكد جميعها أن الأزمة وصلت إلي مستوي خطير جدا والطوابير انتشرت في كل أنحاء مصر أمام أفران العيش.. والصورة لا تختلف كثيرا بين الاحياء الشعبية والراقية وبين الريف والحضر. لم نختر منطقة معينة لبدء جولتنا، تحركنا في شوارع الجيزة حتي سمعنا أصوات مشاجرات وتتبعنا مصدرها في أحد الشوارع الجانبية لمنطقة بولاق الدكرور لنجد أنفسنا أمام أحد الأفران البلدية وكان الازدحام كبيرا، لدرجة اغلاق كل المنافذ المؤدية إلي الشارع.. وبدأنا في رصد الوقائع. الفضيحة "صور.. أنتم فين.. افضح الحكومة" ثلاث صرخات متتالية أطلقتها رضا بيومي مواطنة تقول: لدي خمسة أبناء وأحرص بصفة يومية بعد صلاة الفجر مباشرة علي الإسراع إلي فرن العيش بشارع الحنفية في بولاق الدكرور حتي أحجز مكاني في الطابور، للحصول علي بعض العيش الذي يسد جوع أولادي طول اليوم. قالت: "هذا المشهد صار مكررا بالنسبة لي بشكل يومي، وأحيانا إذا ما تأخرت لا استطيع الحصول علي عيش، وأبحث وأسرتي عن أي بديل يسد الأفواه". وأضافت: ان راتب زوجي العامل البسيط غير كاف لشراء أي من الحبوب الأخري، فالأرز صار الآن ب 4 جنيهات، وكذلك المكرونة. "نحن في حرب طروادة".. هكذا كان تعبير عادل محمود الذي يضطر للحضور منذ الساعة الخامسة صباحا، حتي يحجز دوره في الطابور.. فهو العائل الوحيد لأمه وأشقائه الثلاثة، وبالتالي ينتظر بالساعات للحصول بمبلغ جنيه علي عيش. ولم يكن خالد خلف الله "مدير عام سابق" أحسن حالا من باقي الناس فهو الآخر يستيقظ مبكرا لأداء صلاة الفجر ثم الانتظار حتي يحصل علي العيش، وربما تمتد به الساعات إلي انتهاء الوقت المحدد للفرن، دون أن يرجع إلي بيته برغيف عيش واحد. سألت نادية حنفي: كيف تتصرفين إذا ما تعذر حضورك مبكرا للفرن.. فقالت: اضطر إلي منع ابني من الذهاب إلي المدرسة، وارسله إلي فرن العيش حتي نجد قوت يومنا. وأضافت: المشكلة تكمن في قيام المحظوظين من أصحاب المطاعم بشراء كميات كبيرة من العيش بالاتفاق مع أصحاب الأفران في الوقت الذي نبقي نحن في الانتظار حتي تنتهي فترة عمل الفرن. مأساة نادية لم تكن الوحيدة، فعلي بعد امتار بسيطة يقع أحد الأفران، وأمامه يتكرر المشهد السابق.. حيث هدي عبد المنعم قالت: نحن 7 أفراد، وزوجي يعمل سائقا، ونخصص جزءا من دخلنا الشهري البسيط للعيش، فنحن أسرة فقيرة، ليس لدينا ما يكفي لمتطلباتنا سوي العيش.. فرغيف العيش علي حد قولها هو ارخص السلع الغذائية التي تلائم دخل أسرتها. وظائف جديدة كان أكثر ما لفت انتباهي أمام مخبز جمال قطب ببولاق الدكرور سيدة تحمل طفلة رضيعة علي كتفها وتنتظر دورها حتي تحصل علي ما يكفي أولادها من عيش.. قالت: اسمي سهير فتحي ومع كل يوم بعد خروج زوجي لعمله وأولادي لمدارسهم أحضر إلي هنا وانتظر ساعات طويلة وعلي كتفي ابنتي الرضيعة للحصول علي أي عدد من أرغفة العيش. أما زينب فرج فهي سيدة تنتظر منذ السابعة صباحا في الطابور حتي تحصل علي عيش بمبلغ 50 قرشا، رغم أن عدد أولادها 5 أبناء ولكن علي حد قولها ما باليد حيلة، في ظل الارتفاع الجنوني لباقي الحبوب الأخري سواء كانت الأرز أو العدس أو حتي المكرونة.