عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال "اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك ". الشرح: قصد البخاري إثبات مشروعية قيام الليل مع عدم التعرض لحكمه، وقد أجمعوا - إلا شذوذا من القدماء - على أن صلاة الليل ليست مفروضة على الأمة، واختلفوا في كونها من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي تصريح المصنف بعدم وجوبه على الأمة قريبا. وتفسير التهجد بالسهر معروف في اللغة، وهو من الأضداد . يقال تهجد إذا سهر، وتهجد إذا نام ، حكاه الجوهري وغيره. ومنهم من فرق بينهما فقال: هجدت نمت، وتهجدت سهرت، حكاه أبو عبيدة وصاحب العين، فعلى هذا أصل الهجود: النوم، ومعنى تهجدت: طرحت عني النوم قال الطبري : التهجد السهر بعد نومة، ثم ساقه عن جماعة من السلف، وقال ابن فارس: المتهجد المصلي ليلا، وقال كراع : التهجد صلاة الليل خاصة . قوله : ( إذا قام من الليل يتهجد ) في رواية مالك ، عن أبي الزبير ، عن طاوس : إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل . وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة ، وترجم عليه ابن خزيمة ؛ الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا التحميد بعد أن يكبر. قوله : "قيم السموات" القائم بنفسه بتدبير خلقه المقيم لغيره، "أنت نور السموات والأرض" أي منورهما، وبك يهتدي من فيهما، "أنت ملك السموات" كذا للأكثر، " أنت الحق" المتحقق الوجود، الثابت بلا شك فيه، "ووعدك الحق" أي الثابت، "ولقاؤك حق" فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وهو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال . "والجنة حق والنار حق" فيه إشارة إلى أنهما موجودتان "ومحمد صلى الله عليه وسلم حق" خصه بالذكر تعظيما له، وعطفه على النبيين إيذانا بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة، وجرده عن ذاته كأنه غيره، ووجب عليه الإيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته كما في التشهد . "والساعة حق" أي يوم القيامة، وأصل الساعة: القطعة من الزمان، وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لا بد من كونها، وأنها مما يجب أن يصدق بها، وتكرار لفظ " حق " للمبالغة في التأكيد . قوله "اللهم لك أسلمت" أي انقدت وخضعت "وبك آمنت" أي صدقت "وعليك توكلت" أي فوضت الأمر إليك تاركا للنظر في الأسباب العادية "وإليك أنبت"؛ أي رجعت إليك في تدبير أمري . "وبك خاصمت" أي بما أعطيتني من البرهان ، وبما لقنتني من الحجة ،و"إليك حاكمت" أي كل من جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحكم بيننا، لا من كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه، "ولك الحمد فاغفر لي" قال ذلك مع كونه مغفورا له ، إما على سبيل التواضع والهضم لنفسه وإجلالا وتعظيما لربه ، أو على سبيل التعليم لأمته لتقتدي به، "ما قدمت" أي قبل هذا الوقت "وما أخرت" عنه . "وما أسررت وما أعلنت" أخفيت وأظهرت، أو ما حدثت به نفسي، وما تحرك به لساني، زاد في التوحيد من طريق ابن جريج، عن سليمان "وما أنت أعلم به مني" وهو من العام بعد الخاص أيضا . "أنت المقدم وأنت المؤخر أنت الحق" إشارة إلى المبدأ، والقول ونحوه إلى المعاش، والساعة ونحوها إشارة إلى المعاد، وفيه الإشارة إلى النبوة وإلى الجزاء ثوابا وعقابا ، ووجوب الإيمان والإسلام، والتوكل والإنابة، والتضرع إلى الله والخضوع له ، وفيه زيادة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بعظمة ربه ، وعظيم قدرته ، ومواظبته على الذكر والدعاء والثناء على ربه ، والاعتراف له بحقوقه ، والإقرار بصدق وعده ووعيده ، وفيه استحباب تقديم الثناء على المسألة عند كل مطلوب اقتداء به صلى الله عليه وسلم .