ما إن ينسحب ماء البحر بسواحل قرى مدينة صفاقس، شرقي تونس، في الساعات الأولى من كل صباح، حتى يهرع رجال ونساء لنبش تراب البحر، وتلمس ما خلفته أمواجه من صدفيات "القفالة" التي علقت به. رحلة مضنية، تلك التي يخوضها عاملات وعمال تونسيون للبحث عن "القفالة" من أجل بيعها والاستعانة بعائدها في مواجهة مصاعب الحياة والأزمات الاقتصادية. ويستقطب صيد محار "القفالة"، أو كما اصطلح أهل صفاقس على تسميته "الكلوفيس" (الاسم الفرنسي للمحار)، أعدادا كبيرة من العمال والعاملات، الذين يعرفون في تلك المناطق ب"اللقاطة". وقال ناجح الشيخ، ممثل وحدة الصيد البحري بصفاقس (هيئة حكومية تابعة لوزارة الفلاحة التونسية)، إن "القفالة هي صنف من القوقعيات، من فصيلة الرخويات ذات الصدفتين، التي تعيش في مناطق المد والجزر، حيث يكون القاع البحري رمليا طينيا، وتتكاثر خلال فترتين في السنة الواحدة، الأولى من مايو (أيار) إلى يونيو(حزيران)، والثانية من سبتمبر (أيلول) إلى نوفمبر (تشرين الثاني)". ومضى قائلا لوكالة الأناضول إن "كميات كبيرة من القفالة تتواجد على الشريط الساحلي لمحافظات صفاقس وقابس ومدنين (شرق)، وخاصة بمصبات الأودية، ويُعتبر صيدها من الأنشطة البحرية الهامة اقتصاديا". وفي ولاية صفاقس، يتراوح عدد من يعملون في صيد القفالة بين 900 و1000 عامل، 95% منهم نساء، فيما يوفر هذا القطاع قرابة 6 آلاف وظيفة عمل موسمي ( في موسم الصيد) مباشر على مستوى تونس و500 وظيفة غير مباشرة، خلال 7 أشهر، بحسب الشيخ. الشيخ قال أيضا إن "الكمية المنتجة من القفالة بمحافظة صفاقس خلال موسم 2013، بلغت 620 طن بنسبة مساهمة بلغت 84% من اجمالي الإنتاج الوطني". وبخصوص طريقة صيد القفالة، فإنها "تتم بواسطة المشي على الأقدام، في أماكن نزوح البحر والبحث عنها بوسائل بدائية، كالمنجل الذي يستعمل في نبش التراب"، وفق الشيخ. وأوضح المسؤول التونسي: "ينطلق عمال صيد القفالة من منازلهم، حسب أوقات نزوح البحر، والتي تتراوح بين السادسة والتاسعة صباحا، ليقطع بعضهم مسافات تتراوح بين 1كلم و5 كلم، مشيا على الأقدام، وعند بلوغهم البحر ينطلقون في نبش التراب الذي تراجع عنه ماء البحر بواسطة المنجل، بحسب ممثل وحدة الصيد البحري". وتابع: "يستمر العمل بنفس الوتيرة قرابة 8 ساعات متواصلة دون انقطاع حتى لتناول الإفطار". وأشار الشيخ إلى أن تسويق "القفالة" يتم من خلال وسطاء يطلق عليهم اسم "القشارة" الذين يتوجهون إلى أماكن الصيد ويشترون المحار من البحارة بأسعار تتراوح بين (2.5 - 5) دينار تونسي (1.5 - 3) دولار أمريكي، للكيلوغرام الواحد. في ذات السياق، تقول حورية المانع، والتي تعمل في جمع القفالة، لوكالة الأناضول، إنها وباقي العاملين في القطاع، "لا يتمتعن بأي حقوق رغم التزامهم بأغلب التراخيص المفروضة" وأن النساء العاملات فيه، يعانين "وضعية مزرية". وبحسب ناجح الشيخ، يعيش القطاع عدة مشاكل، أهمها "عدم احترام فترات غلق الإنتاج من طرف بعض المهنيين، وتهريب منتوج المناطق المغلقة التي يحجر فيها الصيد، وإلحاقه بالكميات المجمعة بالمناطق المفتوحة، بما ينذر باستنزاف هذه الثروة البحرية من خلال جمع منتوجات لا تستجيب للأحجام الضرورية لقاعدة التكاثر البيولوجية". ويوفر قطاع صيد القفالة عائدات هامة من العملة الأجنبية، تصل إلى حوالي 2 مليون دينار (مليون و121 ألف دولار)، عند الإنتاج، ويرتفع عند التصدير إلى حوالي 6 مليون دينار (3مليون و636 ألف دولار) سنويا. ويوجه أغلب إنتاج القفالة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا وإسبانيا، وفق الشيخ.