بمناسبة الذكرى 33 لتأسيس حركة النهضة .. راشد الغنوشي زعيم الحركة : بحمد لله وتوفيقه تعيش حركة النهضة هذه الأيام اجواء الاحتفال بالذكرى الثالثة والثلاثين للندوة الصحفية التي أعلنا فيها يوم 6 جوان 1981 ، تأسيس اول حركة إسلامية تتبنى الديمقراطية خيارا ثابتا كاملا غير منقوص . احتفال له هذه السنة طابع خاص، فقد اجتازت فيه هذه الحركة الأصيلة محنة جديدة، ضحت فيها من اجل تونس، بموقعها في حكومة منتخبة ، وذلك من اجل الحرية لكل التونسيين، وحماية انتقالنا الديمقراطي من الانتكاس، مساهمة بذلك الى جانب شركائنا السياسيين والجمعاتيين، وشعبنا الأبي، في جعل "الاستثناء التونسي" القلعة الاخيرة للربيع العربي شامخة ، شاهدين نحن معشر التونسيين ،على ان العرب أيضاً أهل للديمقراطية، وتونس دليل على ذلك . وكما اخترنا قبل ثلث قرن، الانحياز لخيار الديمقراطية والسلم نهجا في المعارضة فقد أكدت حركة النهضة، خلال الفترة التي قضتها في الحكومة، وبعد مغادرتها القصبة، ان الاسلاميين ليسوا كما يروج بعض خصومهم الايديولوجيين، أعداء للديمقراطية، وان وصولهم للسلطة يؤدي بالضرورة الى قيام نظام فاشي، يقمع الحريات، ويحتكر الحكم، ويغير نمط المجتمع!! وغير ذلك من الأراجيف التي تهافتت امام التزامنا الديمقراطي المدني، وتعلقنا بمصلحة وطننا الذي كادت بعض المؤامرات ان تفقده حرياته التي ضحت لنيلها اجيال وأجيال، منذ الاستقلال، وسقطت دفاعا عنها أفواج من الشهداء الأبرار، كان منهم العشرات من أبناء النهضة. نترجم عليهم ونهنئ أسرهم المناضلة وكل شهداء وطننا من اجل الحرية وسجنائه السياسيين وعائلاتهم مؤكدين لهم ان تونس ماضية بمشيئة الله على طريق الحرية المحفوف بكثير من المخاطر، والصعاب. والنهضة كلها عزم وتصميم على ان تكون قوة دفع أساسية لانجاح هذا المسار وحمايته من الانتكاس حتى يبلغ مأمنه برعاية الله سبحانه . هذا خيارنا وهذا التزامنا، وهذا عهدنا الذي قطعناه لشعبنا، قبل الثورة، وبعد سقوط نظام الاستبداد، وبعد نيلنا الاغلبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، ونجدده اليوم، ونحن نبارك لشعبنا ما تحقق له من إنجازات بالتوافق على دستور الثورة العظيم وعلى القانون الانتخابي ، وتركيز هيئة مستقلة للانتخابات واختيار حكومة كفاءات، تمضي ببلادنا نحو استكمال المرحلة الانتقالية الثالثة بثبات وامان موكدين حاجة البلاد المتاكة الى المزيد من التوافق حول تحقيق اهداف الثورة . لقد اختارت النهضة منذ تأسيسها ان تكون قوة بناء، ولم يكن هذا الخيار سهل التحقق في ظل ما تعرضت له من اضطهاد وقمع، قبل الثورة، ومحاولات لإفشال تجربتها في الحكم. ولكن عزيمة ابنائها كانت بعون الله وتوفيقه، أقوى رغم شدة المحن التي تعرضنا لها. لقد فشلت الدكتاتورية ان تزحزح النهضة عن نهجها السلمي وان تحولها الى قوة عنيفة، وكان خطنا واضحا على مدى عقود من القمع بأن التضحية بحزبنا، أهون من ان نكون سببا للفتنة بين التونسيين. وهو ما جلب لحركتنا تقدير العالم رغم محاولات التشويه التي تعرضنا لها، وسخر لها النظام المنهار، جهودا جبارة وموارد ضخمة، وآليات دعاية متعددة، لشيطنتنا، وإلصاق تهمة العنف بنا. وتجربتنا في الحكم لم تجعلنا طلاب كراسٍ، ولا ساعين للهيمنة على المشهد، بل رسخت فينا الشعور بضرورة ان تكون حركتنا التي تحتفظ بأكبر مخزون للاضطهاد، خزانَ العفو والتسامح والوسطية، في البلاد، وابعد الناس عن ثقافة الثأر والانتقام والتشفي وذلك اقتداء بنبيّنا عليه الصلاة و السلام وهو يتعامل مع مشركين ظلمة قساة ، الا تكون السماحة مع من ظلمنا من قومنا وهم في المحصلة من اهل ملتنا، من باب أولى ، الا نحب ان ندرج في سلك"الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" وهو ما عبرنا عنه باختيارنا التعايش بين الاسلاميين والعلمانيين في تحالف الترويكا، ووقوفنا ضد كل القوانين التي من شأنها بث الفرقة بين التونسيين، ويدنا الممدودة، لكل المنخرطين في الثورة والمدافعين عنها لإدارة المرحلة القادمة في إطار من الوفاق والتعايش السلمي، وتجنب كل ما من شأنه ان يعيدنا الى مربع الاحتقان والصراع الحزبي. ان تجربة النهضة في مواجهة الدكتاتورية، وفي قيادة اول حكومة منتخبة بعد الثورة، انبنت على رؤية ثابتة وهي ان تبقى قوة بناء تحافظ على وحدة الدولة والمجتمع، وتحمي ثورتنا من الإجهاض وايضاً من الاندفاع في المجهول، الذي قاد تجارب مماثلة الى كوارث وفتن مظلمة . من اجل هذا تنازلت النهضة عبر تاريخها تنازلات مؤلمة، وبذلت تضحيات لا يتحملها الا جسم قوي متماسك، يدرك أبناؤه، مسؤولياتهم تجاه وطنهم، ويحسنون قراءة التوازنات الداخلية والخارجية، حتى تكون قيادتهم رشيدة، تتجاوز الفخاخ المنصوبة، لثورتهم ولوطنهم وللإسلام و الديمقراطية . في هذه اللحظة نستحضر الماضي، لنستفيد من تجاربه، نحافظ على المثمر، ونصلح الخطأ، وغايتنا في هذا وذاك، هي ان نذهب الى المستقبل، موحدين، متوافقين، في مواجهة الرياح الهوجاء التي تعصف بالإقليم ،و المخاطر المحيطة ببلادنا، وفي مقدمتها الارهاب الذي لم يتراجع رغم الضربات الموجعة التي تلقاها من قوات امننا وجيشنا، عن مخططه الأحمق الشرير، لهز استقرار بلادنا والتشويش على مسارنا الانتقالي الناجح. وكما سُعدنا بأن تحل ذكرى تاسيس النهضة وبلادنا بعيدة، عن ذلك الوضع الصعب الذي تلظت به بلادنا السنة المنصرمة لا أعادها الله ، فنحن ندعو كل التونسيين، وكل الاحزاب السياسية، وكل الفعاليات، الى ان نحافظ على مناخ الوفاق الوطني، وان نجعل الانتخابات التي ينتظرها الجميع محطة أساسية لتدعيم السلم الأهلي، وتدعيم فرص المصالحة بين التونسيين، لا سببا لعودة الاستقطاب ولغة التشنج والتحريض. ان علامة نجاحها ليست في فوز هذا الحزب أو ذاك فليس في الديمقراطية منتصر أبدا أو منهزم دائماً وإنما مقياس النجاح هو التوفق في إجراء انتخابات نزيهة يشارك فيها الجميع ويقرون بنتائجها ، وان تجري هذه السنة ، وما سوى ذلك تفاصيل . قال تعالى"وتلك الأيام نداولها بين الناس ". وكما اكدنا من قبل عددا من المرات، فإن قناعتنا ثابتة بأنه لا يمكن لحزب واحد ان يحكم تونس في المرحلة القادمة، بل تحتاج بلادنا الى حكومة وحدة وطنية تعطي التيارات الاساسية جميعها الفرصة في المساهمة في إنجاح الفترة القادمة ومواجهة التحديات الصعبة التي تواجهنا. وإننا ندعو الجميع من هذا المنطلق الى تغليب المصلحة الوطنية في حسم ملف موعد الانتخابات، حتى لا تُغرقنا الحسابات الحزبية ضيقة الأفق، وما يمكن أن يغنم هذا الطرف او ذاك من مكاسب، في التجاذبات. وما حرصُنا على تقديم الانتخابات التشريعية، الا لضمان قدر واسع من المشاركة في المرحلة المقبلة لكل الأطراف، حتى لا نواجه مجددا سيناريو سلطة ومعارضة، ونتجنب إمكانية هيمنة مكون ما من المشهد السياسي على المكونات الاخرى. كما ندعو الجميع الى مواصلة دعم حكومة السيد مهدي جمعة، ما دامت ملتزمة بتطبيق خارطة الطريق، على نفس المسافة من كل الاحزاب، مؤكدا ضرورة مواصلة التشجيع على الإقبال على الاكتتاب الوطني، ليحقق أقصى ما يمكن من التوازن المالي لبلادنا. وأجدد دعوتي لأشقاء تونس، وشركائها وأصدقائها، لمساعدة بلادنا حتى ينهض اقتصادها من جديد، وتنجح حكومتها في إدارة المرحلة المتبقية من ولايتها، بسياسة تراعي ضرورة المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطنين وخاصة من ذوي الدخل المحدود، وتبذل لرجال الاعمال الحوافز التي تمكنهم من بعث المشاريع وخاصة في المناطق الداخلية. وأوجه الى أبناء تونس في الخارج ونحن على مشارف موسم عودتهم الى ارض الوطن، نداء ليساهموا بفاعلية في جهد التنمية، ولتكون تحويلاتهم بالعملة الصعبة موردا يعزز ما سيحققه الموسم السياحي من مداخيل نتمنى ان تكون قياسية. انها لحظة تاريخية، تؤكد فيها حركة النهضة انها نبتة أصيلة في هذه الارض الطيبة، وانها قوة بناء، من اجل تونس، ورقي شعبها وتحقيق اهداف ثورتها. لحظة تاريخية مليئة بالأمل في ان تواصل بلادنا طريقها نحو شاطئ الأمان رغم التحديات والصعاب والمخاطر، التي يجب ان تقوي عزائمنا على التوافق، والوحدة الوطنية، ورص الصفوف دون استثناء او اقصاء. قال تعالى "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" صدق الله العظيم * اقرأ فى هذا الملف " مصر في عيون خبراء ومفكرين تونسيين" *رئيس تحرير "الشروق" التونسية : مرونة النهضة ناتجة عن حسابات وليس قناعات * الصحفي التونسي «محمد بعود»: اليسار ليس له دور.. والإخوان سرقوا الثورات * الخبير التونسي نوفل الزيادي: الدولة الدينية لا تقبل بالحريات السياسية * المفكر التونسي جمعى القاسمي : الربيع العربي سرق زورا.. و30 يونيو استعادة لهوية مصر * بداية الملف