الليبرالية بدأت مع البرجوازية أواسط القرن الثامن عشر فلاسفة أمريكا نصحوها بإتاحة دور للدولة .. بعد الأزمة المالية العالمية قنصوة : فوكوياما وهنتنجتون "شماشرجية" يبررون بشاعة أمريكا الرأسمالية والعولمة تساويان نهب الشعوب ووصول رجال المال للسلطة الليبرالية بوجهها الإنساني تتراجع .. مقابل نشر الاستهلاك بقوة الليبرالية فكرة، لكن مروجيها يبشرون ب"دينها الخاتم" الذي لا يمكن للعالم المضي من دونه، فهي التي تتيح التعددية والحرية المطلقة، والحقيقة أن الليبرالية حررت الإنسان من عبودية الإقطاع لتدخله في عبودية المصنع، كما يؤكد الكتاب . والليبرالية كما يبرز الكاتب المغربي الطيب بوعزة في كتابه الهام الصادر عن دار "تنوير" قد أشاعت اقتصاد السوق، وسلعت كل شيء، حتى الإنسان صار في الموجة الحديثة من الليبرالية أكثر نهما للشراء والاستهلاء، وتلاشت بالتدريج القيم الاجتماعية والسياسية على الساحة العالمية ومن ثم العربية والمحلية. الكتاب يحمل عنوان "نقد الليبرالية" وقد حظى منذ صدوره برواج كبير، ونُظر إليه على نطاق واسع باعتباره أحد الأعمال الجادة النادرة في نقد الليبرالية بشكل موضوعي لا أيديولوجي منحاز. فالكاتب يؤكد بمقدمة كتابه ابتداء أنه يؤمن بالحرية الإنسانية تماما، والديمقراطية كوسيلة لتنظيم حياة البشر، وضبط اختلافاتهم، لكن نقده لليبرالية سببه أنها في جوهرها تحرر رأس المال، وليس الكائن البشري، وتحول رأس المال هذا من أداة إنتاج تخضع للمراقبة الاجتماعية، إلى كيان مهيمن يتحكم في الاقتصاد والسياسة والإعلام ، ويوجه مسار الحياة الإنسانية وفق منطقه القاصر. وحول الكتاب الهام، استضافت مكتبة "ألف" مساء أمس، ندوة لمناقشة أفكار الطيب بوعزة، المفكر الأكاديمي المغربي، بحضور كل من الدكتور ياسر قنصوة، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة طنطا، حائز جائزة العلوم الاجتماعية 2002 عن كتاب "الليبرالية" ، الباحث طارق عثمان مؤلف كتب هامة حول الليبرالية والحداثة والحالة الإسلامية ، فيما أدار اللقاء الكاتب عماد عادلي المستشار الثقافي لمكتبة "ألف". وفيما اعتبر "قنصوة" أنه لا يمكن اعتبار الليبرالية مناقضة للإسلام، أو لأي دين، لأنها ليست دينا بالتأكيد، ولا مذهبا ، وإنما مجرد فكرة، وتختلف تطبيقاتها من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر أيضا. وهو يستشهد بمقولة الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل : الليبرالي لا يقول هذا صحيح، ولكنه يقول أنه يبدو لي في مثل تلك الظروف أن هذا الرأي أصح من غيره" أي أنها لا تعطي أحكاما مطلقة وإنما متغيرة. ويتفق "قنصوة" مع صاحب الكتاب في أن الليبرالية اتخذت وجها جشعا أحيانا حين نظرت للاستعمار، في الوقت الذي تبدو أحيانا فيه عادلة تتحدث عن حقوق الإنسان ، وبمرور الوقت ظهرت "نيوليبرالية" متوحشة ، وصارت أكثر ميلا لتشجيع الاستهلاك عن ذي قبل. وقال أستاذ الفلسفة أن المواءمة ليست خداعا، فقد كان القادة المسلمون يواءمون لإدارة حياة الشعوب، وهذا لا يتناقض مع الدين في شيء. وأكد أن الليبرالية كنظرية تعد حديثة، لكن الأبناء صنعوا لها آباء من الفلاسفة الغربيين أمثال جون لوك وآدم سميث وحديثا فوكوياما. ووصف ياسر قنصوة مقولات فوكوياما وصمويل هنتجتون عن "نهاية التاريخ" ب"شغل شماشرجية" يلبس البشاعات التي تقدم عليها أمريكا، حين تريق دماء الأبرياء، ثوب الحكمة! ففوكوياما يتحدث عن الانتصار الأمريكي ويصطنع الأعداء التقليديين : الإسلام والشيوعية، أو الأخضر والأحمر والذين يجب سحقهما . هناك شيئان أصيلان بالليبرالية : الأنانية والشر، أي نهب ثروات الشعوب ، ورجل الأعمال يجب أن يصل للسلطة كي يتحرر رأس المال ! ومن هنا نشأت الأفكار الرأسمالية . أما الأنانية فنراها حين يريد الغرب تطبيق معايير ليبرالية لا تعود بالنفع على شعوبنا،لكن على شعوبهم فقط ! من سمات الليبرالية أيضا تفكيك الدول وزيادة هيمنة ونفوذ الشركات عابرة الجنسيات، وكانت تلك من مقدمات العولمة، التي هي ابنة أصيلة لليبرالية. كما يؤكد قنصوة أن الفصول الأخيرة من الكتاب تتحدث عن الليبرالية العربية التي بدأت مع رفاعة الطهطاوي ومحمد علي والحملة الفرنسية، لكن الحقيقة ان تلك الحملة نبهتنا لوجود الآخر وساهمت ببشائر الاستنارة لكنها لم ترسم لها خارطة للاستمرار، ولم تقصد ذلك أبدا، وحاولوا أن يجبروننا على منطقهم في الفهم بالرغم من أن مجتمعنا مختلف وليس لدينا كهنوت في الإسلام، وليست لدينا حاجة لمعاني العلمانية الجامدة التي تطبق في الغرب . والحقيقة كما يراها ياسر قنصوة أن المشروع الليبرالي العربي مفقود تقريبا ولا يجري الحديث عنه إلا بالغرف المغلقة والشاشات الفضية، لأنه موقف لا يصلح لرجال الشارع مهما كانت قيمة ما يقال. ويتفق مع هذا المعنى، الباحث طارق عثمان، والذي ذهب إلى أن الليبراليين العرب مدعون غالبا، وهو يؤكد ما ذهب إليه الكتاب من أن الليبرالية لا تعني الحرية البشرية، ولكن حرية السلع . وقد أسس ميكيافيلي للحداثة الأوروبية عبر عزل السياسة عن الأخلاق، ، والليبرالية هي الوجه الأول للحداثة على نحو ما ذهب له الفلاسفة. لقد نشأت الليبرالية في حضن طبقة البرجوازية والتي نظر لها جون لوك ليسوغ لها التملك، باعتبارها طبقة إقطاعية، وتحب أن تتاح لها حريتها. تطورت الليبرالية من ليبرالية برجوازية، إلى كنيزية، ثم نيوليبرالية، كانت الدولة في أواسط القرن الثامن عشر تشبه الحارس الليلي الذي لا يتدخل بالعملية الاقتصادية تماما، فلا توفر الدولة الخدمات للفقراء، ولا المعاش ولا دعم السلع الأساسية ولا مجانية التعليم، ووظيفتها ضمان انفتاح المجال الاقتصادي للفرد المالك ليزداد تملكا، وظلت تلك النظرية مطبقة منذ الثورة الصناعية منتصف القرن الثامن عشر حتى أزمة الكساد الكبير 1929 . في هذا العام أصيبت الأنظمة الليبرالية بنكبات حقيقية ما أجبر لإعادة النظر لأفكارها تعديل ابتعاد الدولة عن السلطة فبدأت الدعاوى لتدخل الدولة بالعملية الاقتصادية لتضمن نسب تعليم مجانية ورعاية صحية ومستوى من العدالة يعم أفراد المجتمع وطبقت حتى أواخر السبعينات . في السبعينيات جرت أزمة ارتفاع أسعار البترول وظهر تيار النيوليبرالية كإعادة الكلاكسيكية في نسخة أشد قسوة وحدية فالدولة لا تتدخل في شيء، والمؤسسات الكبرى كصندوق النقد والعولمة هي المتحكمة، وظهرت أفكار مستشار تاتشر وريجان المدعو "هايك" صاحب مدرسة شيكاغو التي خرج منها فريدمان ويلفت الباحث لأفكار جيم ستوارت الذي يحصر القيمة في كل ما هو نافع مادي، فالدولة الصالحة هي التي توفر لشعوبها قدر من اللذة الحسية. وأكد أن أعلام الليبرالية المصريين كطه حسين وأحمد لطفي السيد ، كانوا أكثر قدرة من الليبراليين المعاصرين. لقد أخذت الآليات التقنية المدفوعة بثقافة الإمبريالية إلي ترسيخ نموذج "انسان السوق" بتعبير جارودي، إنسان استهلاكي، يدور ويتمحور حول الأشياء منشغلا كليًا بالسعي نحو امتلاكها، ليجد نفسه في مقولة "واطسن" /الكوجيتو الجديد : "انا أستهلك .. انا موجود"، بعد كوجيتو ديكارت المعبر عن : "انا أفكر .. انا موجود" مؤلف الكتاب مفكّر وأكاديمي مغربي، نشر ما يقرب من ثلاثمئة مقالة ودراسة في دوريّات عربيّة ودولية. له سبعة كتب؛ منها: "قضايا في الفكر الإسلامي المعاصر"، "مشكلة الثقافة"، "مقاربات ورؤى في الفن"، وموسوعة "تاريخ الفكر الفلسفي الغربي" التي صدر منها جزءان