الكتاب ينتمى إلى مجال النقد الأدبى «تخصصا دقيقا» لكن القارئ العادى غير المهتم بهذا المجال لن يعدم استفادة منه فى مجال الفكر والفلسفة؛ بسبب ارتباط هذه العلوم وتداخلها مع النقد. الكتاب يقدم تأريخا جيدا للحداثة وما بعدها فى مجال النقد «المتداخل مع الفلسفة كما وضحت من قبل» لكنه تأريخ للأفكار وعرض انسيابى جميل للنظريات النقدية الحديثة الفاعلة فى عالم النقد والفلسفة اليوم. يبدأ الكتاب بمقدمة يوضح فيها الكاتبان أن «الكتاب يقف عند اللحظة التاريخية الحاسمة التى شهدت موت ما بعد الحداثة وبداية بعد ما بعد الحداثة» هكذا فيما يشبه نعيا أنيقا لمرحلة ما بعد الحداثة تذكرنا بذلك النعى «العنيف» الذى أطلقه تشومسكى على المرحلة نفسها، مؤكدا أنها كانت «جهلا بكل شىء ولهذا لا تعنى أى شىء ولا تقدر أن تفسر أى شىء؛ فكيف يفسر من لا يعلم؟!». يقع الكتاب فى قسمين: الأول فى تسع وأربعين مقالة تنتظم مائة وخمسا وتسعين صفحة، تعرض هذه الصفحات لمرحلة ما بعد الحداثة وما فيها من نظريات وأفكار ومصطلحات فلسفية، فنجده يستعرض «بالمناقشة أحيانا» الأسلوبية والبنيوية وما بعد البنيوية واللسانية والتفكيكية وغيرها.. والفروق بين البنيوية وما بعدها من نظريات تفكيكية، وتعرض فى عجالة سريعة لحركة النقد الجديد فى أمريكا كما يتعرض لأفكار الفلاسفة والنقاد الكبار فى العالم، مثل هايدجر وجادامير ودريدا، وكيف شكلت عودته إلى نيتشة بدلا من هوسرل وهيجل حجر الزاوية فى فلسفته التفكيكية. القسم الثانى من الكتاب تعرض للجهود النقدية والتنظيرية التى تحاول تحديد طبيعة المرحلة القادمة؛ إذ تناول الكاتبان هذه الأفكار والتنظيرات من خلال شرح المصطلحات التى استخدمها الفلاسفة والنقاد الغربيون ممن كتبوا عن هذه المرحلة لنصطدم بمصطلحات مثل الحداثة العائدة والحداثة الزائفة والأدائية وغيرها.. كل هذا يعرضه المؤلفان فى لغة رشيقة جدا تمتاز بالتبسيط الشديد؛ ما يمكن القارئ من الإلمام بكل هذه النظريات دون صعوبة تذكر!. هذا التبسيط الشديد يلاحظ عليه أمران: أن الأغلب فيما ورد بالكتاب هو ترجمة وعرض لمقولات كبار الكتاب الغربيين، ونادرا ما نعثر على رأى خاص أو حتى انحياز لرأى ما من جانب المؤلفين؛ ما يجعل الكتاب أشبه بكتاب مترجم وليس كتابا مؤلفا. الأمر الثانى أن بعض الظواهر لم تستوف حقها من الدراسة والبحث؛ ربما لاعتقاد المؤلفين أنها هامشية بالنسبة إلى موضوع الكتاب. نلاحظ هذا عند حديثه عن العلاقة بين ظاهرتى «العولمة» و«ما بعد الحداثة». فقد طرح المؤلفان أسئلة حول طبيعة العلاقة بينهما، واكتفوا بالنقل عن بعض الغربيين دون إبداء رأى أو تعمق فى العرض. كما أجاد الكتاب فى عرض العلاقة بين تحولات ما بعد الحداثة فى الفكر والأدب والسياسة وبين التغير الاجتماعى وأنماطه المختلفة، كما يحق لنا أن نتساءل بعد هذا العرض: «أليس هناك بديلا لمصطلح (بعد ما بعد الحداثة) بسبب ثقل هذا المصطلح وطوله؟!» خصوصا أن هناك من يرفض مصطلح ما بعد الحداثة نفسه؛ لأنه يرى أنه ليس ثمّة ما بعد الحداثة، إنما هى الحداثة تجدد نفسها. «من هؤلاء المفكر المغربى محمد سبيلا الذى يرى أن الأولى أن نسميها الحداثة البعدية»، لا شك أن الجواب فى بطن المؤلفين!!. تأليف أمانى أبو رحمة ومعن الطائى- إصدار أروقة للنشر 2012 عرض وحوار مع المؤلفة- عبد التواب السيد