عن دار "لارماتان" في باريس، صدر باللغتين العربية والفرنسية ديوان جديد للمصري شريف الشافعي، 42 عامًا، هو السابع في مسيرته الشعرية، بعنوان "هواء جدير بالقراءة" ، مشتملاً على 71 مقطعًا شعريًّا مكثفًا، ترجمتها إلى الفرنسية الشاعرة المصرية، المقيمة في كندا، منى لطيف. ومن المنتظر أن يوقع الشاعر كتابه الجديد في مقر الدار بباريس مساء يوم 20 من يوليو المقبل وبحسب النقاد ، ينشغل التعبير الشعري في المقاطع بمحاولة أن تكون اللغة هي ذاتها "ماهية" ما تقوله، وليست رصدًا أو وصفًا لما تتناوله الكلمات. وهنا، تتعرى لغة قصيدة النثر من صور الزينة، بما فيها الإيقاع الظاهري، وحليّ المجاز، مستندة إلى الاختزال الشديد، والتجريد، والشعرية الخام، والتصالح التام مع الذات، لتفصح عن الحالة البريئة الطازجة (كما هي)، وليس بالحكي عنها. يقول الشاعر في أحد المقاطع قولوا ما تتمنون، عن البرد سأصفه بكلمة واحدة، ترتجف الغلاف، جاء فرنسيًّا خالصًا في حروف عنوانه وعباراته المثبتة عليه، ومصريًّا في لوحته الفنية التي صممتها مي شريف، وهي طالبة عمرها 14 عامًا. ويهيمن الكحليّ الداكن تمامًا على فضاء المشهد الجامد، لكنْ تنفتح فيه نافذة سماوية، تطل منها عين الرائي على سحب بيضاء طائرة، فضلاً عن مناطيد وبالونات وطيور تحمل كل منها حرفًا أبجديًّا مقروءًا بوضوح لافت، في حين تستشعر الحواس الخفية كائنًا ألطف، تليق به القراءة المتعمقة، اسمه: الهواء ويحمل ظهر الغلاف ترجمة فرنسية لنبذة عن الشاعر، وقائمة إصداراته السابقة، وبعض المقاطع الشعرية الدالة من النص، منها المقطع المستقى منه العنوان فقط في طبعته الأولى الهواء جديرٌ بالقراءة وكما تليق القراءة بهواء أصلي لم يتم تصنيعه ولا تدويره، فإن غيابًا جزئيًّا أو تامًّا قد يكون حماية من عالم يتلون كثيرًا، ويتبدل من حال إلى حال. الحياة وقتئذ هي التلاشي، والتمزق هو التحقق، والغياب هو الكمال. يقول التي مزّقتْ أصابعَها رسمتْ بعضَ ملامحي والتي مزّقتْ لوحتها رسمتني كاملاً وتحت أية حال، يبقى دائمًا النظر إلى الصدق بوصفه منجاة، أو فهو أقل الخسائر حتى إن أتى بفضيحة. يقول الأقبحُ من العوراتِ المفضوحةِ إصرارُ البعضِ على أن يكونوا: أوراقَ توتٍ أما الموت، فإنه لا يعني شيئًا، إلا إذا كان موتًا للفكرة. يقول لا خوفَ من الموت كفكرة الخوف من موتِ الفكرة ويرى البعض أن انقشاع الظلام على نحو ما، ليس له من معنى غير حلول ضوء ما، بشكل من الأشكال، غير أن ديوان "هواء جدير بالقراءة" للشافعي يطرح في أحد مقاطعه أن الظلام قد لا يرثه إلا ظلام، حتى إن لم يكن بلون السواد. يقول البهجة الكبرى بصرفِ العفاريتِ اللعينةِ من المنزل لا يجب أن تنسينا أن ألف دجّالٍ على الأقلّ صارت معهم مفاتيحُ كلِّ الغرف وأبسط تجليات ال"هي" في النص، وأقربها إلى العذوبة، صيغة الأنثى، التي منها هو يأتي، وإليها يعود، وبدونها لا يكون: "بيتي لا يتهدَّمُ أبدًا/ بيتي هو أنكِ تسكنينني". تلك هي حالة الكلام، التي لا يجدي فيها الكلام: "ومن عذوبة كلامي فيكِ/ أبتلعهُ، ولا أقوله". تلك هي الرحلة التي تبتدع كل شيء، حتى الطريق. يقول رحلتي إليكِ أنجبتْ قدمي ومصافحتي إياكِ أنتجتْ يدي يُذكر أن الشاعر شريف الشافعي من مواليد عام 1972، صدرت له في الشعر دواوين: "بينهما يصدأ الوقت" (1994)، "وحده يستمع إلى كونشرتو الكيمياء" (1996)، "الألوان ترتعد بشراهة" (1999)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي1/ البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" (ثلاث طبعات: 2008، 2009، 2010)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي2/ غازات ضاحكة" (2012)، "كأنه قمري يحاصرني" (2013)، عن دار الغاوون في بيروت أما المترجمة، الشاعرة منى لطيف، فهي محسوبة على الثقافة الفرانكفونية، كونها تكتب قصائدها بالفرنسية مباشرة، وقد صدر لها أكثر من ديوان في مصر بعد ترجمته إلى العربية، منها "ابتهالات" (دار الهاني، 2009)، و"عنبر وضياء" (المركز القومي للترجمة، 2012). وصدر لها بالفرنسية: "عطر الحرية"، و"لحظة.. يا آن"، وأعمال أخرى. ولها رواية قيد النشر وتعد "لارماتان" واحدة من كبريات دور النشر في فرنسا، ومن المرتقب أن يوقع الشاعر شريف الشافعي ديوانه "هواء جدير بالقراءة" يوم 20 من يوليو المقبل في مقر الدار في باريس .. .. من الديوان نقرأ هذه المقاطع المتفرقة
ثمرة سقطتْ على رأسي/ يا إلهي ليس في هذا الفضاءِ شجرةٌ/ يا إلهي هذه ليست ثمرة/ إنه رأسٌ جديدٌ
* * *
على حافة البئر، أستمعُ لندائي العميق/ وحين تخطر لي فكرةُ النزول، تخطفني سماءٌ إلى أعلى، وتصير الفكرةُ سحابةً هشّة
* * *
أيها المختبئونَ بداخلي اكسروا زجاجَ عيوني واخرجوا، أنا لستُ كهفا
* * *
لأن الشمسَ جارحتي، ينزف الجُرْحُ نورًا
* * *
ساعتي الحمقاءُ تدورُ، رغم أن الوقتَ معكِ/
ساعتي التي كانت معطلةً، أصْلَحَهَا دَوَرَاني المنتظمُ، حول المتاعبِ نفسِها
* * *
حين تبدو السماءُ مثل قفصٍ يتساءلُ الطائرُ الحرُّ عن معنى الطيران
* * *
مجنونة من تظنني أعِدُها أو أعدُ أحدًا بشيء/
أنا راعي الطائرات الورقية، ولا خيط في يدي.. أنا الطائرات الورقية، ولا خيط في يد الأرض
* * *
أين تختبئين يا طفلتي؟/ اختبئي في أي مكان، سأجدكِ/ إلا أن تختبئي في طفولتي
* * *
كانت الأرض تأكل غداءها وكنتُ جائعًا أكثر، فأكلتُها/
ثم لم أجد موضعًا أرقدُ فيه
* * *
كان تمثالاً طيبًا يضحكُ معي في الصباح يبكي معي في الليل/
وحينما صرتُ تمثالاً تصدَّع هو كإنسان
* * *
وسادتي المحشوَّة بالريش شأنها شأني لم تعدْ تحلمُ بأن تطيرَ/
نحن ذبحناكَ يا طائر السماء لكنكَ كنتَ أشدَّ قسوة من ظنوننا
* * *
أصدِّقُ كل جديدٍ يَحْدُثُ هنا إلا ما يقوله البشر
وحين رأيتُ سمكةً تعبر الطريقَ سَمَّيْتُ الحياةَ غرقًا * * * قصة حياتي أنا أنتِ التي تكتبينها/ أطلعيني على الفصل الأخير كي أتأكدَ أن النهاية مفتوحة