ثورة في تونس تتبعها أخرى في مصر.. ليبيا واليمن تقلدان.. سوريا تدخل نفس المسار.. العالم يترقب والشعب العربي يريد إسقاط الأنظمة التي رفض أن يغفر لها أو يوفر لها خروجا آمنا. ووسط كل ذلك ظهر فشل الأجهزة الأمنية، ومعها استخبارات الدول الغربية في أن تتنبأ بمصير لعقود من القمع جلس فيها حكاما عرب على كراسيهم لعشرات السنين. ماذا حدث.. "عيش وحرية وكرامة إنسانية"، وعلى الجانب الأخر "عملاء وخونة" يريدون تخريب الوطن و"ممولون"، لابد من سجنهم.. وفي النهاية الكلمة للشعب.. تنجح الثورات في خلع رؤوس الأنظمة، ولكنها تفشل في خلع أذنابه. أحداث سبتمبر 2001 غيرت نظرة العالم أحداث سبتمبر 2001 أحدثت نقلة نوعية، أظهرت خلل أجهزة الاستخبارات العالمية، لعجزها عن توقع اختراق تنظيم "ارهابي"، لدولة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وأجهزتها واستطاعت تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. بعد الأحداث، وقبلها كانت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية بدأت التفكير في الشرق الأوسط، والبدء في نشر الديمقراطيات حول العالم، وتغيير طريقة تفكيرها، لاكتشافهم أن دعم رؤساء عرب لهم لم يحميهم بل على العكس اوجد التنظيمات "الإرهابية" التي باتت خطرا على شعوبهم، بعد أن أقدمت على نشر العمليات الانتحارية في بلدانهم. وبدا التساؤل لماذا ظهرت تلك التنظيمات ومن يدعمها؟، وهو ما جعلهم يعيدون النظر والتفكير في نشر الديمقراطيات حول العالم حتى لا تظهر نماذج أخرى مثل القاعدة وطالبان وغيرها ما يهدد امن واستقرار تلك الدول. الشرق الأوسط الجديد وزير الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في 2005، صرحت لجريدة الواشنطن بوست ببدء التفكير في نشر مصطلح "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط عبر الولاياتالمتحدةالأمريكية، عن طريق نشر الفوضى على أن يتبعها مزيدا من الاستقرار في دول الشرق الأوسط. ويبدو أن مصطلح الفوضى الخلاقة لم يأت بأي ثمار، أو لم يكن بدأ تنفيذه في الأساس قبل الأعوام الأربعة الماضية، حينما ظهرت شرارة الثورة التونسية بإحراق محمد البوعزيزي نفسه، اعتراضا على البطالة، في 17 ديسمبر 2010 وقامت على اثر ذلك ثورة شعبية في تونس سرعان ما امتدت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا. ونجحت ثورات الربيع العربي في خلخلة نظم امتدت في الحكم لأكثر من 40 عاما كما هو الحال في ليبيا، وكذلك نجحت في مصر وتونس، واليمن ولكنها لم تنجح في سوريا لأسباب عديدة منها الدعم الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد، والدعم السعودي للجماعات السنية حتى بات الأمر كما لو كان حرب باردة طرفاها السعودية وإيران، وضحيتها الشعب السوري. الربيع العربي سرعان ما انطفأ ونجح الربيع العربي إذن في مصر واليمن وليبيا وتونس على الأقل بالتخلص ممن جلسوا على كراسيهم لأعوام طويلة في ظل غياب الديمقراطية، ووجود أحزاب هشة لا تعبر عن الشعب. ولكنه سرعان ما عاد وانطفأ بريقه، بسبب تخلصه من رؤوس الأنظمة الفاسدة فقط دون التخلص من اذرعها المنتشرة في كل مؤسسات الدولة، فمصر التي ثارت على "مبارك" قامت بها "ثورة" شعبية أخرى دعت لها حركة "تمرد"، على أول رئيس منتخب ديمقراطيا منذ أكثر من 60 عاما شهدت خلالها الدولة الأكبر 4 حكام عسكريين، للمطالبة بانتخابات مبكرة وبعض الإصلاحات. وسرعان ما نتج عن 30 يونيو، مشهد 3 يوليو 2013 بتدخل الجيش الفعلي، وباتت مصر على أعتاب رئيس عسكري آخر في انتخابات ستجرى في نهاية الشهر الجاري، وكل المؤشرات تشير إلى أنها محسومة للمرشح العسكري المشير عبدالفتاح السيسي. في اليمن، الوضع لم يختلف كثيرا فبعد التخلص من الرئيس السابق على عبدالله صالح، تولى عبدربه هادي منصور مقاليد الأمور في انتخابات شعبية بعدما رشحه صالح!، ودول خليجية لحل الأزمة، ولكن الوضع سرعان ما تغير، وباتت أطرافا كثيرة تحاول أن تأخذ جزءا من كعكة الثورة، ما بين انفصاليين، وإخوان، والقاعدة، وأنصار الرئيس السابق نفسه. وفي تونس بات المشهد معبرا عن ثورة "الياسمين"، وأعطى حزب النهضة الإسلامي درسا في الديمقراطية، حينما تخلى عن السلطة بعد أن قدم رئيس الوزراء علي العريض استقالته تحت ضغوطات قوى المعارضة في يناير الماضي، ليكون بذلك النموذج الوحيد الناجح من ضمن دول الربيع حتى الآن. أما عن ليبيا فبات المشهد على النقيض من ناظريه تونس واليمن ولكنه قريبا من المشهد المصري مع الاختلاف، فما حدث ثورة ب "انقلاب ناعم" كما يصفه مراقبون، وباتت ليبيا على شفا "انقلاب" عسكري فعلي بقيادة اللواء خليفة حفتر، مدعوما من دول عربية هو الأخر، وقوات أمريكية مستعدة بالفعل للتدخل حال تأزم الأمور أكثر من ذلك، والشخص نفسه أعلن ترشحه للانتخابات حال طلب الشعب الليبي منه ذلك!. فوضى أم ربيع ويرى مراقبون أن مخطط تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة موجودا بالفعل، وبدا الإعداد له بعد انتصار الجيش المصري في أكتوبر 1973، واتخاذ البترول سلاحا للضغط على الولاياتالمتحدة ومن يدعمون إسرائيل، وظهور قوة عسكرية واقتصادية ظهرت باتحاد العرب. المخطط استهدف في البداية العراق ومصر وسوريا، باعتبارهم الأقوى عسكريا، وتم تنفيذ الخطة على ثلاثة مراحل، الأولى كانت بإقحام العراق في حرب مع إيران، وبعدها غزو العراق للكويت ليكون ذريعة للتدخل الدولي، حتى استيقظ العالم فجأة على سقوط "بغداد"!، بخيانة من دول مجاورة ومن داخل الجيش العراقي نفسه. التخلص من العراق لم يكن سهلا واستخدم بدعم عربي عن طريق إرسال جيوش تدخلت بذريعة تحرير الكويت، حتى بات الأخوان يتقاتلان وكل ذلك بذرائع غربية لوأد فكرة الاتحاد العربي الذي بات حلما صعب المنال تأكد الجميع منه، بعد أن ترك شرخا أوجده الاحتلال الأمريكي للعراق بإياد عربية!. مرحلة التقسيم الثانية بدأت باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005، الذي لعب دورًا هاما في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإعادة اعمار لبنان، وتقديم المساعدات لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان. والوجود السوري العسكري في لبنان كان السبب في اغتيال "الحريري"، وبالفعل تم اتهام عناصر سورية رسمية وأفراد من الأمن اللبناني، وتم على اثر ذلك انسحاب الجيش السوري من لبنان، وبات التخلص من الأسلحة الكيماوية في سوريا بعد قيام الثورة فيه، الأهم بالنسبة للمجتمع الدولي خاصة الولاياتالمتحدة لحماية إسرائيل، وهو ما تم بالفعل، وتحول الوضع في سوريا لحرب أهلية، وحدثت انشقاقات داخل الجيش السوري لتصفيته وتشتيته. أما مصر والتي كانت المحطة الأخيرة والاهم في مخطط التقسيم باعتبارها الأقوى عسكريا وقلب العروبة وبسقوطها يبدأ يبدأ جني ثمار المخطط. وفي هذا يقول المحللون أن بدايته كانت الضغط على مبارك للسماح بالمعارضة للترشح في البرلمان وبالفعل حصدت جماعة الإخوان في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في 2005 على أكثر من 80 مقعدا وهو ما دعا الرئيس الأسبق لغلق الباب مرة أخرى ما يعني أن سقوط مبارك بات وشيكا إلا انه نجح في إعادة السيطرة مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية التالية في2010 ، والذي وصف بأنه أكثر برلمان شهد تزوير في انتخابات مصرية، ما اغضب أمريكا وعجل برحيله بعد قيام ثورة 2011. الغرب لا يريد الربيع للعرب فيما يرى الطرف الأخر أن الفوضى الخلاقة أو مخطط تقسيم الشرق الأوسط بالفعل موجود، ولكنه جاء بعد نجاح الثورات العربية وليس سببها، لأنه بات وشيكا أن الأقطار العربية ستشهد عهدا جديدا بعد أن قضت على امبراطوريات الفساد على مدار عقود طويلة ما يعني طفرة اقتصادية جديدة وسياسية تحدث عنها بالفعل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي في أحد خطاباته. والصحوة العربية الجديدة بعد ثورات الربيع العربي، باتت خطرا على الغرب، وعلى ممالك عربية مجاورة مما جعلها تدعم ثورات أخرى أو "انقلابات" كما حدث في مصر باعتباره ثورة وكذلك ليبيا باعتباره "انقلابا"، فنجاح تلك الثورات يهدد كراسيهم. فوضى كانت أم ربيع.. فالأكيد أن الشعوب العربية بحاجة بالفعل لعمليات تحرر سياسي تستطيع من خلالها أن تعيش في حرية وتمارس حقوقها بدون خوف من عمليات القمع واتهامات العمالة والخيانة. ويبقى التساؤل هل ينجح الربيع آم يستمر مخطط الفوضى هذا ما ستسفر عنه الأيام وربما الشهور أو السنوات المقبلة؟.. بعد أن بات الترقب سيد الموقف!.