كتاب : خطاب الإخوان تقليدي وبعيد عن هموم الشارع محيط - شيماء عيسى القاهرة : علق باحثون وكتاب مصريون أمس على كتاب صدر مؤخرا يضم مقالات د.جمال نصار المستشار الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، مؤكدين أن الفكر التقليدي لا يقدم حلولا عملية لشعب أنهكه الفقر وغياب العدالة، كما انتقدوا شعار " الإسلام هو الحل" في الإنتخابات، وغياب الإخوان كجماعة وطنية عن مشهد التظاهر الشعبي السلمي يوم 25 يناير ضد الفساد. وقد شهدت نقابة الصحفيين مناقشة كتاب "نظرات في الفكر والسياسة" الذي علق عليه باحثون سياسيون ومنهم د. عمار علي حسن، د. عمرو الشوبكي، بمشاركة د. سليمان صالح أستاذ الصحافة، وعماد الدين حسين مدير تحرير صحيفة "الشروق". تدور مقالات الكتاب في إطار الرد على ما يثار حول جماعة الإخوان من حيث الدعوة، والموقف من المشهد السياسي المصري والعربي الإسلامي، ودورها التربوي من خلال سلوكيات المواطنين في الشارع المصري.. يقول المؤلف : علقت على موقف الجماعة من أفكار المواطنة وحقوق المرأة والأقباط، وموقفها من الشيعة، ومسئولية المسلم تجاه مجتمعه وخاصة مع انتشار القيم الفاسدة كتقديم الرشاوى لإنجاز الخدمات العاجلة ، واستشهدت في مقال بفيلم "ظاظا" الذي يأتي به الحاكم ليكون في دور الكومبارس المعارض أمامه في إنتخابات الرئاسة ثم يفاجأ الجميع بأن هذا الكومبارس فاز بأصوات الناخبين ! من جهته أكد د. عمار حسن أن المقالات التي كتبها د. جمال كان معظمها منشور بمنابر ثانوية وليس بالصحف الكبرى وهو ما يؤكد محاولات الإعلام تهميش صوت جماعة الإخوان، وهو أمر ينافي الديمقراطية. ولكن عمار انتقد عدم إشتباك المؤلف مع الواقع إلا في مساحة محدودة تحدث فيها عن موقف الجماعة من أفكار المواطنة، وفي باقي صفحات الكتاب قدم فكرا تقليديا وهي مشكلة جماعة الإخوان ككل التي تعاني من تراجع الإجتهاد الفكري الجاد . وأشاد المتحدث بما يطرحه مفكرون مثل المستشار طارق البشري الذي انتهى بكتابه الذي يصدر قريبا إلى أن الإسلام منهج حياة وليس هناك فريق بعينه يتحدث باسم الإسلام في المجتمع ويطبق مناهجه بشموليتها، ولابد أن تقوم بهذا الدور التيارات المختلفة وتسعى لتكامل رؤاها لخدمة الوطن . كما أكد أن جماعة الإخوان نشأت في ظروف معينة وقت الإحتلال الأجنبي وأخذت على عاتقها أن تفعل الإحياء الإسلامي وأدت دورا هاما في حينها ولا تزال تحاول ولكن حقيقة الأمر أن هناك خلافا بين الدين والتدين، الأول معروف ولكن الثاني به تفسيرات لا حصر لها . فالإخوان كما يقول يتخذون من الدين أيدولوجيا تمكنهم من خوض السياسة وتجعل البعض يتصور أن ما يقدمونه هو المشروع السياسي للإسلام، تماما كما انبرى كتاب في الدفاع عن دولة الخلافة الإسلامية منذ عهد معاوية إلى الخلافة العثمانية ولم يتطرقوا كثيرا لما سادها من مظاهر فساد وقتل وغير ذلك ، لأنهم لم ينظروا إليها كإمبراطورية إسلامية تعبر عن حكامها وليس عن الدين ذاته . وانتقد عمار كذلك مقال بالكتاب بعنوان "الرئيس الذي نريده" وقد ناقش فيه المؤلف صفات أخلاقية في الرئيس منها أن يكون أمينا وعنده اللياقة البدنية والدراية والخبرة، ولكنه لم يتحدث مثلا عن أهمية أن يكون منتخبا من الشعب عبر إنتخابات نزيهة ! وهذا هو الإشتباك بالواقع الغائب عن الجماعة. أشاد عمار بموقف المؤلف حينما اتخذ من فلسفة الإمام حسن البنا هديا في كتابه كله، وتحدث عن فقه التغيير، وقال فيه الإمام أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، تعني الإستفادة مما تنتجه الحضارات والثقافات حول العالم من غير المسلمين ، ولكنه المؤلف اكتفى بإيراد معالجات قديمة لقضايا معاصرة . فمثلا المؤلف يقتبس ما قاله القدماء في إطار إمبراطورية مستبدة : الفرد يقوم بالتغيير بإذن الإمام أو الحاكم ، ونضع مائة خط تحت العبارة الأخيرة ! شعار الإخوان وفيما يتعلق بشعار "الإسلام هو الحل" يقول عمار: نعم يكون حلا لمجتمع وصل لحد موغل في العلمانية، ولكن حين نتحدث عن دولة تلزم الجميع بدستور تنص مادته الثانية على أن الإسلام مصدر التشريع، وتقوم معظم الأحكام القضائية على روح ونص الشريعة ، وحينما يكون المصريون مجتمعا متدينا بطبيعته ، فهنا الإسلام ظاهر في سلوكيات الجميع ولا داعي لرفعه بشعار لننتخبه . وفي حديث مؤلف الكتاب عن شروط انضمام جماعة الإخوان لحملات مقاطعة الانتخابات المحلية أو عمليات الإضراب المدني العام، يقول بأن ذلك ممكن بشرطين أن يكون سلميا وأن تتوافق القوى السياسية مع الدعوة ، وهو ما يفسر برأي د. عمار موقف الجماعة البعيد عن وقفة يوم 25 يناير القادم الذي وصفه المتحدث بالمتخاذل عن "وقفة المصير ضد الإستبداد". الشعار الديني من جهته قال د. عمرو الشوبكي أن جماعة الإخوان المسلمين دعوية سياسية، وقد أورد المؤلف أمورا متعلقة بالقيم ونحتاجها بالفعل في العمل العام. وانتقد المتحدث شعار "الإسلام هو الحل" المستخدم بالإنتخابات التشريعية قائلا أن المجتمع بحاجة لبرنامج واضح لكل مرشح، أما الشعار الديني فيُفهم منه وكأن باقي المرشحين ليسوا مسلمين، كما أنه يعطل التعاون بين التيارات المختلفة في المجتمع . وقال الشوبكي أنه من المؤسف أن كل من يهاجم الشعار يفاجأ بمن يتهمه بأنه حتما محسوب على الحزب الوطني أو الجهات الرسمية بالدولة. وأضاف: على من يدخل اللعبة السياسية في أي مجتمع أن يلتزم بقواعدها ، حتى يتمكن من التعبير عن رؤيته فيما بعد، ولدينا مثلا تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا والذي استطاع بعد الوصول للحكم أن يضع رؤيته الإسلامية في نظام علماني بحت واستطاعت الطالبات دخول الجامعة وهن ترتدين الحجاب. غلاف الكتاب ولكن إخوان مصر وضعوا خطابا شديد الثورية ضد النظام وتزوير الإنتخابات بينما هم مشتركون في الإنتخابات الرسمية ولم يقاطعوها، وهو ما تفعله حركة حماس التابعة للإخوان المسلمين أيضا . انتقد الشوبكي أيضا فكرة المؤامرة الخفية التي يتحدث عنها المؤلف، والتي تسببت مثلا في تفجيرات شرم الشيخ قريبا في مصر، بالرغم من أن هذا العصر يشهد مؤامرات علنية وتخطيط غربي لم نتمكن من مجابهته بعد حتى نبدأ التصدي لما هو سري فعلا، وذلك مع الأخذ في الإعتبار أن العصر يشهد ثورة معلومات غير مسبوقة ، ربما من ثمارها الحديثة تسريبات ويكيليكس التي تهدد الأنظمة بفضح أسرارها وأسرار الزعماء فيها . وقال الشوبكي أن الدول الإسلامية كانت مستثناة دائما عند الحديث عن التقدم، ولكن بعد دخول التجارب الماليزية والتركية والإندونيسية وغيرها اختلفت فكرة تخلف الإسلاميين، وقد ساعدت الثورة التونسية في محور فكرة إنهزامية العرب، حينما قدمت نموذجا لشعب يريد الحرية والكفاية . حضور المناقشة المشروع الحضاري أما الكاتب الصحفي عادل حسين فقال أن المقالات التي يكتبها الصحفي أو الكاتب ليست دائما صالحة لجمعها في كتاب، خاصة إذا لم تكن تدور في إطار موضوعي أو زمني واحد، كما أن المقالات تركز على أحداث بعضها انتهى وشهد العالم تطورات مختلفة. وبرأي المتحدث جاءت المقالات غالبا شديدة العمومية مثل حديثه عن المرأة والأقباط، وأغفلت أمورا هامة منها في مقال حول الرئيس المطلوب غياب الحديث عن الديمقراطية وهي التي جعلت ممثلا مغمورا في أمريكا "رونالد ريجن" يصير زعيما لأكبر إمبراطورية بالعالم قادت تفكيك الإتحاد السوفيتي، كما لم يشر المؤلف برأي عادل حسين إلى بطانة أي رئيس عربي وهي التي تنافقه كثيرا أو تعطي له مشورة غير وطنية ، كما لم يشر إلى فكرة غياب البرنامج الإنتخابي المدروس عن معظم المرشحين من جماعة الإخوان للإنتخابات التشريعية أو الرئاسية. وبخلاف الآراء المطروحة رأى د. سليمان صالح أن المؤلف يعبر عن المثقف الملتزم في مواجهة المتأمرك وأشاد بموضوعية المؤلف في مناقشته للقضايا واحترامه لأدب الخلاف في الإسلام ، واتفق مع شعار " الإسلام هو الحل" باعتبار أن الدين مشروع حضاري يرد على المشروع الرأسمالي المرتبط بالعولمة والإستعمار والمشروع الإشتراكي . كما أشاد بحديث المؤلف عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين باعتباره الإمتداد لفكر حسن البنا وهو يعبر عن المقاومة الفلسطينية.