قاهرتي لم تعد قاهرتي، المحبة والتعايش والتخاطب غاب عنها قليلا، هكذا بدأ حديثه د. فاروق القاضي في الندوة التي أقامتها دار عين للنشر والتوزيع لمناقشة كتابه «العلمانية هي الحل» بحضور رئيس مجلس إدارتها فاطمة البودي والتي حضرها كل من د. علي الدين هلال ود. سمير مرقص، والشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، د. عمرو الشوبكي. أكد فاروق القاضي خلال كلمته أن العلمانية ليست ضد الدين فهي «أن تؤمن بما تريد» مادمت لا تعكر صفو النظام العام وحسن الأداء، وتحدث عن مقدمة د. يحيي الجمل لكتابه بينما أكد د. علي الدين هلال أن الكتاب أوضح ثقافة الكاتب الرفيعة ولغته الراقية وإلمامه بالتاريخ العربي والإسلامي والأوروبي، وعبر عن اتفاق عام مع الحجة الأساسية للكتاب ولكنه اختلف في بعض التفضيلات وبعض التقييمات التاريخية حيث يري هلال أن دساتير مصر خلت من الإشارة إلي الإسلام كدين للدولة ورأي أن المؤلف أخذ موقفا قاسيا من جمال الدين الأفغاني والذي يعتبره هلال شخصية غامضة واعتبر حديث المؤلف عنه اجتهادات جريئة. وأضاف أن المؤلف كان موفقا للغاية عندما طرح تاريخ نشأة مفهوم أن الإسلام دين ودولة ودحضها بالتاريخ ومقارناته التي قدمها وسلوك الحكام المسلمين. ووفق من ناحية أخري في التأكيد أنه لا هو ولا العلمانية ضد الدين إنما ضد التفسير الخاطئ للدين أو المتحايلين للخلط بين الدين والدولة باسم الإسلام ورأي أن الدعوة هي فصل الدين عن الدولة وليس عن المجتمع وتلك كانت الأطروحة السائدة للفكر المصري خلال القرن العشرين كما قال رفاعة الطهطاوي وجورج زيدان ومحمد عبده. سيئة السمعة وتطرق د. علي الدين هلال إلي ما حدث في المجتمع المصري والردة الثقافية والسياسية والفكرية وأسباب ذلك وما حدث في أعقاب عام 1967 والصدمة النفسية للمصريين والتي أدت إلي البحث عن الدين وبدأت بعدها التحركات الإسلامية واستشهد هلال بمذكرات د. عبدالمنعم أبوالفتوح، وبعدها جاءت فترة السادات والتي شجعت علي التحركات الصوفية. وأضاف هلال أن شعور الناس بالرغبة في اليقين أدي لكل هذه الحالة، وافق هلال علي مضمون الكتاب واستثني من موافقته هذا «العنوان» واعتبره لا يفي بالمضمون لأن كلمة العلمانية كلمة سيئة السمعة نجح فريق من الناس في إلصاقها بالإلحاد، أما د. سمير مرقس فرأي أن «العلمانية هي الحل» كتاب مهم يحمل اجتهادات ومعالجات للعلاقة بين الدين والدولة والسياسة وأشاد بإلمام الكاتب «بالتراث السياسي» في الإسلام ومحاولته الجادة للتعامل مع الظاهرة الدينية من خلال علاقتها بالمجتمع خاصة مع تركيزه علي بعض المراجع والحاجات المهمة غير المستخدمة من قبل مثل الطبري والمسعودي، وأضاف مرقس أن العلمانية ليست قرارا بمنطق ما قدمه المؤلف نتاج حركة اجتماعية وسياق تاريخي لا يمكن أن نقول إنها الحل لأننا يجب أولا أن نحدد طبيعة التطور الاجتماعي فهي ليست لونا واحدا في الغرب بل ألوان تختلف ما بين فرنسا وألمانيا وبذلك فهي تعطي براحا للحديث عن الحالة المصرية. التجربة التركية بينما أخذ د. عمرو الشوبكي في مصر والتخوف من اعتبار العلمانية كما لو كانت مرادفا للإلحاد ولهذا يري أن جزءا كبيرا من المثقفين العلمانيين يستخدمون الدولة المدنية باعتباره شعارا أكثر فهما، ورأي الشوبكي أن العلمانية بالمعني السياسي قد تكون مرادفا لمدنية الدولة ولهذا قد يثير العنوان بعض التحفظ خاصة حين نجد البعض ينحي الدين عن كل شئون الحياة خلال التعرف علي هذا المصطلح، وتطرق الشوبكي إلي الحديث عن تجربة العلمانية في تركيا وتراجعها والتي اعتبر تجربتها أهم تجربة حزب سياسي في الإصلاح السياسي «حزب العدالة والتنمية» واعتبرها علمانية متصالحة مع فكر المجتمع لحل مشاكله واختتم حديثه بأن العلمانية ليست هدفا أو نهاية المطاف ولكنها مجرد وسيلة وآلية لحل مشكلات المجتمع ولهذا فغير مفيد التعامل معها باعتبارها «يوتوبيا» وأنه مع نظام علماني سياسي يظل الدين حاضرا في المجال العام والقيم الدينية حاضرة في الناس. مواجهة ورأي د. نبيل زكي أن هذا الكتاب جاء في وقته وهناك حاجة كبيرة له من المجتمع المصري واعتبر الدين تحولا منذ توقف الاجتهاد وتحوله إلي مؤسسة تجارية تروج للخرافات والأساطير وأكد أن العلمانية ليست ضد الدين ورفض فكرة هلال بأن الكلمة «العلمانية» سيئة السمعة واعتبر دور المثقف المصري هو ترقية سمعة الكلمة ولهذا فهناك أهمية لطرح الكلمة فيما طالب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي بإبعاد السلطة الدينية عن السياسة واعتبر الكاتب لينا في تعامله مع تاريخ الدولة في الإسلام. واعتبر الكاتب سعد هجرس موقف الجماعة الثقافية المصرية من قضية الدين والسياسة موقفا مترددا غير محسوم حتي الآن وأنهم تركوا قضية الإصلاح الديني في مصر للمجهول حتي أصبح إرثا للجماعة الرجعية واختتم فاروق القاضي مؤلف الكتاب الندوة بأنه قصد من العنوان أن يكون صداميا واعتبره عنوانا نضاليا يواجه بكل قوة الواقع.