محيط – رهام محمود القاهرة : عقدت مؤسسة "المورد الثقافي" العربية الأهلية بمقرها بالقاهرة جلسة مغلقة لمناقشة كتاب "السياسات الثقافية في العالم العربي" الصادر بالتعاون مع دار "شرقيات" والتي سبقتها جلسة ببيروت في يونيو الماضي، وحضر اللقاء الثاني نخبة من المثقفين والناشرين وممثلي المؤسسات الثقافية الخاصة في مصر بينما أدارها الكاتب الصحفي سيد محمود. مشروع السياسات الثقافية عبارة عن مسح أجرته المؤسسة على 8 دول عربية هي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر وتونس والمغرب للتعرف على سياسات الثقافة في هذه الدول ، وتمت عملية الرصد من مايو 2009 حتى يناير 2010 ، وفي شهر أبريل الماضي صدر الكتاب الذي يضم ملخص الأبحاث ونتائجها. من بين المشاركين الفنان الدكتور عادل السيوي والذي أكد ل"محيط" أنه اقترح في اللقاء أن يكون في مصر مجلس مستقل لإدارة الثقافة، ويحظى باستقلال نسبي عن الحكومة، لأننا نجد أن التنفيذيين العرب يؤدون معظم الأدوار في مجال التخطيط للعمل الثقافي مع أن ذلك ليس من صميم عملهم، ومهمتهم هي الإدارة والإشراف على الخطط التي يضعها المثقفون أنفسهم ، وبالرغم من أن مصر فيها المجلس الأعلى للثقافة الذي يفترض فيه أن يكون العقل الذي يدير الثقافة في مصر ، إلا أنني أرى أنه مجلس شكلي جدا وغير حقيقي، ولابد من تحريره ولو نسبيا من هيمنة الوزارة عليه وأن يشعر المثقفون بداخله بهذا كي يقدموا أفكارهم بحيادية وحرية . وبخصوص الفنون التشكيلية أرى أن لدينا مشكلتين كبيرتين في مصر لابد أن يسهم قطاع الفنون التشكيلية بحلها؛ الأولى تتمثل في حالة العزلة التي تتحرك فيها الفنون التشكيلية بعيدا عن المجتمع وعن مجتمع الثقافة بشكل عام، بالإضافة لغياب العقل النقدي عموما، وعلى المستوى العربي هناك قطب خليجي ظهر خلال السنوات الأخيرة واستقطب باقي الدول العربية وهذا ليس عيبا ولكن للأسف بدأت مصر تفقد دورها التشكيلي العربي، ولذلك اقترحت في جلسة المورد أن نقيم دائما معارض للفن العربي المعاصر بإشراف مصري، وقد قدمت هذا الإقتراح لوزير الثقافة . وكانت من بين المتحدثين صاحبة دار "العين" الناشرة د. فاطمة البودي وأكدت ل"محيط" أن الحضور اتفقوا على غياب استراتيجية واضحة وخطط في الحياة الثقافية العربية على كافة المستويات كالفنون التشكيلية والموسيقى والشعر، ووجود عدد كبير من القوانين المناهضة لحرية التعبير بما يعوق أي تقدم في مجال الثقافة، وهناك مشكلة أن المؤسسات الحكومية تعمل كل منها بمفرده، ولا توجد خطط ثقافية تنفذ بسهولة ولهذا لابد من إفساح المجال للقطاع الخاص، بحيث يكون العمل متكامل مع وزارة الثقافة لأن الاثنين في مركب واحد . أما الروائي ابراهيم عبدالمجيد والذي شارك أيضا بجلسات المؤتمر فيرى أن مصر بها حرية تعبير يكفلها الدستور لكن القانون يمنع هذه الحرية تحت دعاوى "عدم خدش الحياء العام" ، ومن هنا فهو يرى أن السياسات الثقافية المنعدمة جزء من الحياة الاجتماعية والثقافية التي يعيشها العرب عموما، وهناك دور مفقود للثقافة الجماهيرية والحاجة الدائمة لصندوق يدعم سياسات شفافة لتطوير الثقافة وبحيث تتيح الفرص المتساوية للجميع . يذكر أن الدراسات التي تضمنها الكتاب حول السياسات الثقافية أكدت بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، أن وزارات الثقافة العربية على الرغم من ميزانياتها الضخمة لا تعمل وفق رؤى وخطط تؤدي لأهداف مدروسة محددة، هذا إلى جانب غياب الشفافية، وصعوبة وصول الباحثين لمعلومات دقيقة حول عمل هذه الوزارت وسبل الإنفاق فيها، وقياس نجاحها وإخفاقها. كما توصلت الأبحاث إلى أن "السياسات الثقافية العربية لا تتعدى كونها توجهات عامة يتم السير وفقها، ولا تتطور لتصبح مجموعة قوانين وقواعد تقرها السلطات رسميا من أجل تطوير بعيد المدى كما أن الثقافة في العالم العربي تبقى مسخرة لخدمة السياسة: القومية، الحزب الحاكم، الهوية الإسلامية، أو ربما ثقافة المقاومة". و السياسات الثقافية التي يفترض أن تكون مسألة وطنية، وسيادية، تعطيها الحكومات العربية أولويتها، تهتم بها اليوم في العالم العربي مؤسسة أهلية صغيرة في مصر، وتمولها جهات أوروبية هي "المجلس الثقافي البريطاني" و"المؤسسة الثقافية الأوروبية" و"مؤسسة دون الهولندية".