الغرب ليس علمانياً .. والساسة يمارسون "العنف المقدس" محيط – سميرة سليمان يوسف زيدان د. يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية ، ارتبط اسمه بالجدل الفكري والديني وخاصة منذ صدور روايته "عزازيل" ، وتبدو كتاباته عموما وكأنها خوض متعمد في حقول الألغام ، ولكن كتاباته حول العقيدة المسيحية تعد على رأس موضوعاته المثيرة للجدل ، وخاصة فيما يتعلق بالصراعات التاريخية بين رجال الكنيسة ومفاهيم دينية أساسية كطبيعة المسيح وحقيقة الإله. وبرغم ذلك يشهد أشد المعارضين لقلم زيدان بمعارفه وقراءاته المتعمقة والتي تبدو في أعماله الروائية والبحثية الجادة . التقت "محيط" بالروائي والباحث ، بعد صدور كتابه الجديد "اللاهوت العربي" الذي أثار حفيظة رجال الفكر والدين المسيحي ، وخلال الحوار أكد زيدان أنه لم يتعمد انتقاد أية ديانة ولكن نقده موجه للمتدينين أنفسهم من الإسلام والمسيحية. وعن العلمانية رأى زيدان أنها مجرد خرافة في أذهان من يتبعونها ولا وجود لها على أرض الواقع لأن الدين والسياسة فى الغرب المعاصر لم ينفصلا . محيط: ما حقيقة تأخر صدور كتاب "اللاهوت العربى" ؟ موعد صدور الكتاب يحدده الناشر لا المؤلف، وقد أعطيت "اللاهوت العربى" لدار الشروق فى نهاية شهر إبريل الماضى، وأعلنت الدار عن صدوره فى شهر أكتوبر 2009، ثم أجَّلت ذلك قرابة شهرين، فصدر الكتاب فى معرض الكتاب هذا العام، وأظن أن ذلك كان لأسباب فنية تتعلق بالناشر. وقد استغربتُ ما نُشر فى بعض الصحف ومواقع الإنترنت من أن دار الشروق تعرضت لضغوط جعلتها تؤجل طرح الكتاب، أو أننى فضَّلت تأخيره حتى تهدأ عاصفة "عزازيل".. إلخ، وهذه مجرد توهُّمات، فلا ضغوط تمت ولا تأخير حدث ! وقد كنتُ مشغولاً فى تلك الفترة بالمؤتمر السنوى لمركز المخطوطات الذى انعقد فى نهاية شهر مايو الماضى، ثم شغلتنى رواية "النبطى" التى أكتبها من وقتها، فلم أتابع هذا التأخير المزعوم، خاصة أن الكتاب لم يظل فى مرحلة الطباعة لمدة عام، مثلاً، حتى أنشغل بتأخر صدوره . محيط: انتقدت العاملين بمقارنة الأديان الذين تحولوا للدفاع كل عن دينه ، ألم تخش من اتهامك بذلك حين أكدت أن القرآن هو الحل لإشكاليات الديانات السابقة عليه ؟ حاولت بقدر الطاقة أن أقدم رؤية موضوعية لليهودية والمسيحية والإسلام، باعتبارها ديناً واحداً له تجليات ثلاثة. ومن هذه الزاوية رأيت أن القرآن قدم حلاً مقبولاً للإشكال المسيحى "العويص" بخصوص مفهوم الإله، مثلما كانت المسيحية محاولة لحلِّ الإشكال التوراتى المتعلق بصورة الله والأنبياء فى اليهودية، ولم أطرح ذلك باعتباره "مقارنة" للأديان، وإنما فى سياق التواصل العقائدى فى منطقة الهلال الخصيب، أى الشام والعراق، وأصدائه فى المنطقة الجغرافية/ العقائدية المسماة بالعالم القديم. غلاف الكتاب محيط: ما ملامح التشابه بين أهل السنة والأرثوذكس كما ذكرت فى كتابك ؟ ملامح الفكر السلفى واحدة، وآليات العمل فيه واحدة. سواء تسمى ذلك بالأرثوذكسية أى "الإيمان القويم" أو بالسلفية أو بأى اسم آخر. علماً بأننى لا أُدين هذه الاتجاهات فى حد ذاتها، وإنما أوضح اقترانها واجتماعها على محاولة العودة للجذور الأولى، والاعتماد على فهم واحد للنص الدينى، والاستناد إلى السلطة الإلهية. والذى يثير القلق عندى، ليس هو طبيعة هذا المذهب فى المسيحية أو فى الإسلام، وإنما فى العنف الاجتماعى الذى يمارسه أولئك وهؤلاء، أو بالأحرى، يستغله أصحاب السلطة السياسية ليكون راية دينية يتم تحت لوائها ممارسة العنف المقدس: عنف الأمويين ضد آل بيت النبوة، وعنف العباسيين من بعدهم مع أنهم أقارب لآل البيت، وبالتالى عنف الشيعة "الصفويين" فى مواجهة السُّنة "العثمانيين"، وماهى فيما أرى، إلا رايات عقائدية يستخدمها أصحاب السلطة السياسية لتأكيد مكانتهم فى نفوس أتباعهم. هذا ما نراه فى تاريخ الإسلام، ونرى مثله فى تاريخ المسيحية، فقد تنازعت الكنائس تحت دعوى امتلاك اليقين الوحيد الذى تزعمه كل كنيسة باعتبارها المعبر عن الأرثوذكسية "الأمانة القويمة والإيمان المستقيم" والكاثوليكية "الكنيسة الجامعة" فاصطدمت هذه الكنائس بقوة فى المؤتمرات الكنسية المسماة "المجامع المسكونية" مما أدى إلى عنف هائل راح ضحيته آلاف من الناس، بل ملايين، من المسيحيين أنفسهم، لأن كل فريق يزعم أنه وحده الذى يملك اليقين ويسير على خطى السلف الصالح من الرسل والأئمة والحواريين والصحابة .. إلخ. والذى يدفع ثمن ذلك هو البسطاء من الناس، بينما يجنى زعماء المذهب الخيرات! ومن هنا نفهم محاولة أساقفة الإسكندرية فى أواخر القرن الرابع الميلادى، والقرن الخامس ، إقامة دولة على أساس عقائدى، حتى إن الأسقف "كيرلس" الملقب بعمود الدين، وعمود النار! كان يلقب أيضاً بالفرعون، وكان الأسقف بروتيروس يلقب بابن آوى، ولا أريد هنا أن أزيد !. محيط: قلت إن المسيحية لم تعد دين محبة، لماذا ؟ كل الأديان فى أصلها دين محبة، لكن العبرة ليست بالنصوص وإنما بالأفعال التى يقوم بها المتدينون. فى الإنجيل آيات كثيرة للمحبة، وفى التوراة أيضاً وفى القرآن الكريم ؛ ولكن أفعال المنتسبين لهذه الديانات تأتى فى أزمنة مختلفة بغير ذلك. وكلهم مارسوا العنف المقدس، باسم الإله ، وباسم الحق الوحيد، وباسم اليقين النهائى، وباسم يهوه، وباسم يسوع، وباسم ظل الإله فى الأرض. والغريب فى أمرنا نحن المصريين والعرب المعاصرين، أننا منذ سنوات طويلة ندعو لإعادة قراءة التاريخ وإعادة كتابته، وقد امتلأت الصحف طيلة الثلاثين عاماً الماضية بمقالات تدعو لذلك، وصدرت كتب كثيرة تدعو إليه، فكلما رأى الناس محاولة أو رؤية أو وجهة نظر أخرى تخالف الأوهام التى يتعاطونها بصدد التاريخ ، هاجوا وماجوا وأرغوا وأزبدوا وتوعدونى بالويل والثبور وعظائم الأمور. محيط: لماذا قلت إن العلمانية خرافة، رغم ما يدعيه مفكرون من أنها سبيل التحضر ؟ العلمانية وهم كبير، فلا يمكن تصور مجتمع إنسانى لا يتخذ موقفاً سياسياً من الدين، بالقبول أو الرفض.. ولا يمكن تخيل ديانات بدون جماعة إنسانية، أو بعيداً عن مجتمع له سياسة محددة! فكيف يمكن الفصل بين الدين والسياسة. الذين يتوهمون إمكانية ذلك، يعتقدون أن أوروبا والغرب المعاصر فصل بينهما، وهذا غير صحيح. الذى فعله الغرب، هو القضاء على فكرة توظيف الدين سياسياً، لكنه لم يرفض الدين كما يظن العلمانيون فى بلادنا. وإلا، فما هذا الاهتمام الكبير فى أوروبا بالكنائس وبرجال الدين، وما هذه العبارة المكتوبة على الدولار الأمريكى: نثق فى الله! إن الدين والسياسة فى الغرب المعاصر لم ينفصلا، ولا يستطيع أى مرشح رئاسى فى أى بلد هناك، أن يطرح برنامجاً انتخابياً معادياً للكنيسة، ولكن فى الوقت ذاته نجد الناس هناك قد تعلموا بعد تجربة مريرة، أن أولئك الذين يستعملون الدين لأغراض دنيوية، هم أهل دنيا لا أصحاب الدين. وبالتالى لم يعد هناك مجال لتحقيق أحلام البابوات فى السيطرة على المجتمعات باسم الإله وصكوك الغفران، كما كان الحال فى العصور الوسطى، لقد تم الفصل بين الدين والاستخدام السياسى للدين، وبين السياسة التى تتأسس على الحق الإلهى وليس على العقد الاجتماعى بين الحاكم والمحكومين. أما طبيعة المجتمع العامة، فقد تمازج فيها الدين والسياسة بشكل إنسانى نراه فى المظاهر والمناسبات الاجتماعية كالأعياد ذات الأصل الدينى، والاهتمام بالبابوية، والأديرة، وإظهار الاحترام "المتبادل" بين السياسيين ورجال الدين . محيط: هاجمك البعض لانتقادك اليهودية والمسيحية بدلا من البحث عن جذور التواصل معهما . ماذا ترى؟ الكتاب لا ينقد الديانات ولا ينتقدها، وإنما ينظر فى تجارب التدين. والدين يختلف عن التدين. الدين سماوى والتدين ممارسة أرضية. الدين إلهى والتدين إنسانى. الدين يدعو للفضائل والتدين يكون أحياناً مجرد وسيلة للسيطرة على الآخرين . محيط: ألم تخش من اتهامك بإثارة الفتنة الطائفية بعد أزمتي "عزازيل" و"اللاهوت العربى" ؟ الفتنة الطائفية لا يحدثها الذين يقرأون الكتب، وإنما يقوم بها الجهلة والأغبياء . محيط: أخيراً .. ما جديدك الذى تعكف عليه الآن ؟ رواية أسميتها "النبطى"