يستعد أكثر من 22 مليون ناخب جزائري غدا الخميس لانتخاب رئيس جديد للبلاد وسط احتقان لم تشهده البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، بعدما اصبح شبح ثالوث المقاطعة والتزوير والعنف هو العنوان الابرز لهذا الاستحقاق. وأظهرت الحملة الانتخابية التي اختتمت منتصف ليل الاحد الماضي، أن انتخابات الرئاسة في الجزائر هذه المرة لن تكون كسابقاتها، بسبب دعوة جزء كبير من المعارضة وشخصيات وطنية الى مقاطعة هذه الانتخابات التي وصفتها ب"المهزلة"، ومخاوف من انزلاق البلاد نحو العنف مجددا بسبب تمسك كل فريق بموقفه. ويرشح المتتبعون أن يكون رئيس الوزراء الاسبق علي بن فليس، المنافس الابرز لبوتفليقة في هذه الانتخابات بخلاف المرشحين الخمسة الاخرين وهم موسى تواتي رئيس حزب الجبهة الوطنية الجزائرية وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل وفوزي رباعين رئيس حزب عهد 54 ولويزة حنون الامينة العامة لحزب العمال، بعد نجاحه اللافت في حملته الانتخابية بدليل حضور عشرات الالاف المتعاطفين لتجمعاته في كل الولايات ال48. وقد جعل نجاح علي بن فليس "المبدئي" عرضة لهجمات شرسة لإضعافه ودفع الموالين للتخلي عنه من قبل الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة وفريقه الذي فشل الى حد ما في تسويق العهدة الرابعة لرئيس مريض لم يخطب ود شعبه طيلة الحملة الانتخابية في سابقة هي الاولى في تاريخ العصر الحديث. غير ان مصادر اخرى نوهت الى ما اسمته "الدور الحاسم" لأولئك الذين استفادوا من ريع السلطة ، مؤكدة أن بوتفليقة ليس مستعدا للتخلي عن الحكم بسهولة، وذهبت الى حد اعلانه فائزا من الدور الاول. وأجمعت احزاب وشخصيات منها عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الإسلامي، الى القول إن بوتفليقة سيستمر في الحكم بدعم كبير من الادارة التي ستقوم بتزوير الانتخابات ومصادرة رأي الشعب مثلما كان الامر في مختلف الاستحقاقات السابقة. وأثار هؤلاء تساؤلات حول كيف لهيئات غير مستقلة تدين بالفضل لبوتفليقة في تعيينها او وجودها، ان تقبل باللعبة الديمقراطية وتحرص على نزاهة وشفافية الانتخابات وربما اعلان الرئيس خاسرا. غير ان وزارة الداخلية ومعها اللجنة القضائية للإشراف على العملية الانتخابية، شددتا في اكثر من مرة على توفير كل الظروف المثالية لاقتراع ديمقراطي، مع تمكين ممثلي المرشحين الستة من متابعة عملية التصويت من بدايتها الى غاية فرز الاصوات وتسليم محاضر النتائج. ولكن رفض الاتحاد الاوروبي وهيئات أخرى "مرموقة" مراقبة انتخابات الرئاسة، قد يضعف حجة الحكومة الجزائرية رغم حضور مراقبين من الاممالمتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي والاتحاد الافريقي، وأيضا شخصيات دولية مستقلة. وأكد حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية، العلماني العضو الفاعل في تنسيقية الاحزاب والشخصيات المقاطعة للانتخابات، قدرته على اضعاف مخطط السلطة عندما دفع بالآلاف من مناصريه بمنطقة القبائل الى الشارع امس الثلاثاء، تعبيرا عن رفضه لهذا الاستحقاق. وقد أدخل التراشق اللفظي بين مرشح السلطة ومنافسه القوي واستعراض القوة في الشارع من قبل المعارضة وتلويح قيادة الجيش بإفشال أي مخطط من شأنه أن يجر البلاد الى مستنقع الفوضى وعدم الاستقرار، عددا من الجزائريين في حالة ذهول وذعر جعلتهم يقبلون بشراهة على تخزين المواد الغذائية خوفا من المجهول ، متمنين في نفس الوقت ان لا يتكرر سيناريو مقتل شاب تردد انه متعاطف مع بن فليس على يد اخر من مؤيدي الرئيس بوتفليقة في اليوم الاخير من الحملة الانتخابية بالضاحية الغربية للعاصمة الجزائر. وتحسبا لأي طارئ، استنفرت اجهزة الامن عناصرها لتأمين الاقتراع الرئاسي وبدا الوضع شبيها بأجواء حرب، حيث أعلن جهاز الشرطة نشر 186 الف شرطي لتغطية 4600 مركز تصويت بما يعادل 27700 مكتب تصويت، الى جانب تكثيف الحواجز الامنية والثابتة، واتفقت الشرطة والدرك على زيادة الحواجز الامنية والثابثة ب10 ألاف حاجز. وأكد الجيش عزمه "تأمين الانتخابات بقوة وإرادة وحزم"، فيما سخر جهاز الدفاع المدني 42 ألف عنصر من رتب ضباط وضباط صف وأعوان لتقديم الاسعافات الاولية والتوجيهات. وأعلنت وزارة الداخلية عن إجراءاتها "المعتادة" المتمثلة في منع سير كل مركبات نقل البضائع برا وبواسطة السكة الحديدية، باستثناء المركبات المستعملة للتموين العادي للسكان بالمواد الغذائية، فضلا عن غلق الأسواق الأسبوعية باستثناء الأسواق اليومية للجملة ونصف الجملة والتجزئة للخضر والفواكه، الى جانب تأجيل جميع الفعاليات الرياضية والثقافية، في الفترة التي تمتد من الساعة السادسة من مساء اليوم الاربعاء حتى الساعة السادسة من صباح بعد غد الجمعة.