تحولت محافظة حضرموت كبرى محافظات اليمن ومساحتها (191,032 كم مربع) وهو ما يعادل 36% من مساحة البلاد إلى مسرح عمليات للجماعات المسلحة، لا سيما تنظيم القاعدة، الذي يمارس عمله بحرية ويستهدف قوات الجيش والشرطة بشكل متصاعد. المحافظة، التي كانت فيما مضى تتسم بالهدوء والاستقرار الأمني ، تصدرت واجهة الأحداث الأمنية في الثلاث سنوات الأخيرة بعد تحولها منذ عام 2011 (العام الذي شهد اندلاع ثورة شعبية أسقطت نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، إلى محافظة غير مستقرة تشهد اختلالات أمنية وأعمال عنف راح ضحيتها العشرات من جنود الشرطة والجيش. وتعاظم نشاط تنظيم القاعدة في المحافظة بعد فرار عناصره إليها إثر هزيمته من قبل قوات الجيش في معارك طاحنة شهدتها محافظة أبين (جنوب) في يونيو/ حزيران 2012. وبدأت أول عملية للقاعدة عام 2002 واستهدفت الناقلة الفرنسية "ليمبورج"، ثم دخلت في مرحلة هدوء حتى عام 2011 الذي شهد فراراً لمسلحي القاعدة إلى المحافظة التي يتركز نشاطها في خمس مديريات هي (غيل باوزير، شبام، القطن، سيئون، الشحر). وتقع حضرموت شرقي البلاد وتتكون من 30 مديرية وعاصمتها وأكبر مدنها هي مدينة المكلا، وتأتي المكلا في المرتبة الثالثة ضمن أهم مدن اليمن بعد صنعاء وعدن. وبحسب إحصائية غير رسمية، سُجّل مقتل أكثر من 50 جندياً وضابطاً من قوات الجيش والأمن منذ بداية العام الجاري في عمليات مختلفة بالبلاد تنوعت بين استهداف النقاط والدوريات العسكرية وبين مهاجمة المعسكرات والمقار الأمنية، فضلاً عن تنفيذ سلسلة اغتيالات باستخدام دراجات نارية. وفي أحدث مسلسل هذه الهجمات، قتل ثلاثة جنود مساء الثلاثاء الماضي في هجوم شنّه مسلحون يُعتقد بانتمائهم للقاعدة في منطقة "بروم" عند المدخل الغربي لمدينة المكلا عاصمة المحافظة، بعد خمسة أيام من هجوم مماثل نفذه مسلحون من القاعدة بحسب الجهات الأمنية على موقع للجيش أسفر عن مقتل ثمانية جنود وأربعة من المهاجمين. وتشير هذه الأرقام إلى أن 2014 سيكون عاما دموياً وأكثر قسوة بالنظر إلى الخسائر في صفوف قوات الجيش والأمن مقارنة مع العام الماضي الذي شهد مقتل 40 جندياً وضابطاً أغلبهم ينتمون إلى جهاز الأمن السياسي (المخابرات) من خلال إطلاق النار عليهم من فوق دراجات نارية يفرّ منفذوها عقب تنفيذ العملية، وتقيّد ضد مجهول. وأرجع الخبير العسكري والمتخصص في شؤون الجماعات المسلحة، علي الذهب، سبب تعاظم هذا النشاط، إلى المساحة الجغرافية الشاسعة التي تمتاز بها حضرموت، وامتلاكها لصحراء شاسعة ووديان، ساهمت في ايجاد ملاذ آمن للقاعدة. ويقول الذهب، في تصريحات خاصة لوكالة الأناضول، إن القاعدة متواجدة في حضرموت قبل عام 2011، وسبق أن نفذت هجوماً على سجن الأمن السياسي (المخابرات) في المكلا وتمكنت من تهريب 60 شخصاً. وبرأيه، هناك عوامل أخرى ساهمت في تحول المحافظة إلى مسرح لنشاط الجماعات المسلحة، أبرزها موقعها الجغرافي الهام الذي يحده السعودية من الشمال ومن الجنوب بحر العرب ومن الشمال الغربي محافظتي مأرب والجوف ومن الشرق محافظة المهرة ومن الغرب محافظة شبوة. وأضاف "الذهب" أن مخاوف استهداف القاعدة للمصالح الاقتصادية الغربية في حضرموت يضعف الدعم الغربي للحكومة اليمنية ضد القاعدة، نظرا لوجود شركات التنقيب عن النفط (أغلبها شركات غربية)، والتي يمثّل استهدافها ضربة موجعة لدولها. ولم يغفل الخبير العسكري طول الشريط الساحلي الذي يصعب مهمة القوات البحرية لمراقبة ومنع تسلل عناصر القاعدة من البحر. ورأى الذهب أن هناك جهتين تقفان وراء عمليات استهداف الجيش والأمن وهما تنظيم القاعدة والفصيل المسلح من قوى الحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، مرجحاً وجود تعاون بينهما رغم الاختلاف الإيديولوجي. وقال: "الحراك المسلح ينشط في المحافظة ويتحرك على شكل خلية تحت أجنحة القاعدة". وحول الأهداف من وراء استهداف الجيش والأمن، أوضح الذهب، أن "القاعدة والحراك المسلح يدركان أن الجيش والأمن هما القوة الوحيدة بيد الدولة لمواجهتهما ومنع سيطرتهما على المحافظة، ولذا يستهدفان هذه القوة لإخلاء الطريق من أي قوة تحول دون تحقيق طموحهما، القاعدة تحلم بإعلان حضرموت إمارة إسلامية بعد فشلها في أبين، والحراك يسعى لتحقيق حلمه بالانفصال". وأشار الخبير العسكري إلى أن "مواجهة هذه الجماعات تتطلب تعاوناً بين الجيش والأمن والمواطنين لخلق جبهة اصطفاف واسعة تمنع وجود أي بيئة حاضنة لهذه الأفكار". زاوية أخرى طرحها أحد أبناء المحافظة، الصحفي أحمد بادباه، وألقى فيها باللائمة على محافظ حضرموت، خالد الديني، الذي عينّه الرئيس السابق علي صالح. وفي تصريحات خاصة لوكالة الأناضول، قال بادباه إن "صمت هذه السلطة (يقصد المحافظ) على استمرار الاغتيالات والهجمات على الجيش والأمن يثير علامات الاستفهام حول مصلحتها في السكوت وعدم توضيح حقيقة ما يجري". وأشار إلى أن "هناك مخطط لاستهداف كوادر المحافظة خاصة من الضباط وإيصال رسالة لأبناء المحافظة مفادها أن لا تأملوا خيراً من التغيير في أحوالكم". وذهب الصحفي اليمني إلى أن "الأوضاع الأمنية بالمحافظة لن تغيير وستزداد تدهوراً طالما بقيت قيادة السلطة المحلية في مكانها ولم تشهد المحافظة تغييراً في الشخصيات الإدارية والأمنية". ولم يتسن الحصول على رد فوري من محافظ حضرموت على تصريحات الصحفي اليمني.