يجوب باعة المياه في العاصمة برازافيل بعربات ملأى ببراميل من الماء في أثواب يبللها العرق. فمع أزمة المياه الحادة التي تشهدها البلاد، يرتفع سعر البرميل إلى 200 فرنك إفريقي (1 دولار) جاعلاً من بيع الماء تجارةً مربحة لباعة متعطشين لربح قوت يومهم. ومنذ بضعة أيام، شحّت الصنابير من جديد، ووجد سكان العاصمة الكونغولية أنفسهم يرزحون تحت وطأة الحر ويعانون ندرة المياه في إحدى أكثر الدول غنى بالموارد المائية. فالبلاد تحتل موقعاً جغرافياً متأثراً بمناخ استوائي يوفر متوسط تهاطل أمطار سنوي يعادل ال 1600 ميليمتر. بالإضافة إلى ذلك، تتوفر جمهورية الكونغو على شبكة مائية طبيعية كثيفة بوجود حوضين أساسيين لنهري "الكونغو" و ال "كويلو-نياري"، هذا فضلاً عن مواردها الجوفية المهمة. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن البلاد ذات ال 3.5 ساكن تتوفر على موارد مائية متجددة تقدر ب 832 كم مكعب/السنة. لكن بحسب شبكة "الشراكة العالمية للمياه" فإن نسبة تغطية شبكة الماء الصالح للشراب لا تتجاوز ال 47% للسكان في المناطق الحضرية و 11% في المناطق الريفية، علما بأن إجمالي عدد السكان يتجاوز قليلا ال3 مليون نسمة. وتتوفر "الشركة الوطنية لتوزيع المياه" في الكونغو على شبكة تزويد تغذيها محطتان إحداهما توجد على نهر "دجووي" جنوبي العاصمة برازافيل والأخرى على نهر "دجيري" شمالي برازافيل. رغم ذلك تواجه الشركة صعوبات كبيرة في تلبية رغبات سكان برازافيل المقدر عددهم ب 800 ألف ساكن. وقد ظلت المشاكل مستمرة على الرغم من تعزيز سعة سد مياه "دجيري" في يونيو/حزيران الماضي ب 5000 متر مكعب/الساعة والرفع من قيمة إنتاج المحطتين ب 11000 متر مكعب/الساعة مع تسجيل انقاطاعات في المياه بصفة متكررة. ويرجع المسؤولون عن "الشركة الوطنية لتوزيع المياه" مشاكل النقص إلى وجود أشغال على مستوى محطات معالجة المياه. وهو ما وضع المواطنين وجهاً لوجه أمام جشع باعة الماء المتجولين الذين يبيعون برميل الماء سعة 25 لتر مقابل سعر يتراوح ما بين 150 و 200 فرنك إفريقي، ما يعادل 3 دولارات في المتوسط. لكن هذا التفسير التقني لانقطاعات المياه لا يلقى صدى لدى السكان: "بلدتنا تتوفر على مياه بما فيه الكفاية وأزيد. ولدينا رافد مائي كبير، نهر دجيري الكبير شمالي برازافيل مع نهري "تسييمي" و "مفووا" و خور "مادوكوتسيكيلي، ورغم ذلك، الحكومة غير قادرة على إنشاء محطة تزويد مياه تشتغل باستمرار" بحسب ما ذكرت "ماريام ميسينغي" خبيرة تجميل ب "برازافيل" باستنكار. من جهتهه، قال "يوف" الذي يعمل في غسل الملابس شمالي برازافيل ويجد صعوبة بالغة في تلبية رغبات زبائنهه: "في الوقت الذي نتحدث فيه عن عشرية المياه في العالم، تحقق بعض الدول التي لا تتوفر على مجاري للمياه تقدما على مستوى إنجاز مشاريع تزويد السكان بالماء الصالح للشراب. لكننا نمتلك شبكة مائية مهمة ورغم ذلك مازلنا نشكو من ندرة المياه". وكمحاولة لمجابهة هذه المشكلة، يلتجأ العديد من الناس إلى زجاجات المياه المعدنية لكن المقدرة الشرائية لسكان برازافيل لا تسمح للجميع بشراء زجاجة بلاستيكية ذات 1.5 ليتر بسعر 500 فرنك إفريقي (3 دولارات أمريكية). وعن الوقت الزمني الذي ستستغرقه أزمة نقص المياه قال "باسكال كوامي"، تقني في "الشركة الوطنية لتوزيع المياه"، أوضح أن: "مشكلة نقص المياه في برازافيل لن تحل قريباً. يجب الانتظار لأشهر أو حتى لسنوات لأن مسالك التزويد، تعاني من القدم" (المسلك الرئيسي للشركة الوطنية لتوزيع المياه يعود ل 1963). ورغم غياب المياه عن صنابير المياه أحياناً، فإن موظفي "الشركة الوطنية لتوزيع المياه" لا يتورعون على إرغام المشتركين على دفع الرسوم تحت تهديدات باقتلاع أنابيب في حال عدم الإيفاء بالمستحقات. وينتج عن ذلك، شعور السكان بتعرضهم للاحتيال.