" أنا عابر سبيل .. ابن الحارة المصرية .. ليس لى صاحب ..لذلك كما ظهرت فجأة سوف اختفى فجأة .. فحاول تفتكرنى " هذا هو الراحل الساخر جلال عامر ، الذى سيظل خالدا بكلماته ، التى حفرت فى قلوبنا الضحكة التى لن تنسى ، كلما تذكرنا وجهه و كلماته . ها هو وجهه البشوش يطل علينا بضحكته المعهودة ، و نحن جالسين لنشاهد فيلم " حكيم الساخرين جلال عامر " ، هو أكثر من عبر عن الشارع المصرى ببساطته و تلقائيته ، مما جعله ينفذ إلى قلوبهم بسهولة . فى الذكرى الثانية لرحيل " جلال عامر " تم تدشين الفيلم الذى أنتجته جريدة البديل اهداءا لروح الراحل ، و يتناول الفيلم جوانب عديدة من حياة و شخصية جلال عامر ، فالتقى فريق العمل باثنين من أولاده راجى و ريهام جلال عامر " ، كما صوروا فى الشارع الذى عاش به بإسكندرية و الذى يحمل الآن اسمه ، و صوروا من داخل المقهى الذى جمع بينه و بين أصدقائه و جيرانه ، و زملائه الصحفيين الذين عايشوا مولد الكلمة من نطقه بها كإفيه تلقائى حتى ترسيمها على الورق . و فى بداية الفيلم يطالعنا تظاهرة شبابية وقفت حاملة كلمات جلال عامر ، تلك الكلمات التى دقت ناقوس التغيير و بشرت دوما به ، كما عرض الفيلم مجموعة من أشهر كلماته منها " ترقد الطيور على بيضها ليفقس ويرقد الحكام على شعوبهم لتفطس" ، "كل واحد يسأل الآن "مصر رايحة على فين؟ " مش تسألوا قبل ما تركبوا". ، مع بعض اللقطات القصيرة له من لقاءات مختلفة ، كما ألقوا نظرة على حياته العسكرية و الثورية و الصحفية و الإنسانية . عقب عرض الفيلم فى " التحرير لاونج " التابع لمعهد جوته الألمانى ، تحدث صناع الفيلم المعد محمد خفاجى و المخرج محمد أنور، كما استضافت الندوة الكاتب الصحفى بالمصرى اليوم ماهر حسن ، و غاب عن اللقاء أبو العز الحريرى عضو مجلس الشعب السابق والمرشح الرئاسي السابق صديق الراحل جلال عامر ،وذلك بعد أن أثارت مشاركته الاعتراض من قبل عدد من الشباب . و تحدث ماهر حسن عن عامر قائلا أنه من القلائل الذين أعادوا المصالحة بين الكاتب النخبوى و الشارع ، فكان فيلسوف و حكيم الشارع ، و اختصر بجملته " فى ناس عايشة كويس .. و فى ناس كويس أنها عايشة " مشاكل الحياة . عامر كان شاهدا على مخاض الثورة و تجسدت كلماته أمامنا واقعا ، استطاع بفلسفته و بكلماته القليلة أن يضرب بعمق فى جذور الوضع المصرى بمشكلاته و همومه ، فلم يكن فيلسوفا ساخرا فقط و لكن كان كاتب ذو رؤية مستقبلية ، عندما كتب مقالاته الأربعة تحت عنوان " إعادة إنتاج الطغاة ". و من كلماته الشهيرة : " ليس صحيحاً أن كل من يطيل ذقنه لا يستطيع أن يرسم على خده علم مصر وليس صحيحاً أن كل من يطلب الدولة المدنية "أبولهب" ، و " حتى الآن لم يتم إعلان أسماء المرشحين لمنصب الرئاسة و اكتفوا بإعلان اسم الفائز " . حسن و عامر جمعتهم زمالة فى جريدة المصرى اليوم ، و قال حسن أن عامر كان قليل الكلام و لا لم يكن يحب أن يجلس مع أحد عندما يأتى للجريدة ، و عبر الكاتب ماهر حسن عن حزنه لعدم اكتمال مشروع الدراما الذى بدأ فيه عامر و لم يستطع إكماله ، كما أن هناك مشاريع كتب كثيرة لم تتم . و اختتم ماهر حسن حديثه قائلا : ليس هناك شخصا مات بأزمة قلبية متحسرا على وطنه مثله ، و أن الفيلم نجاحه فى أنه جمع بين الشخص و النص كتدشين توثيقى لحياة عامر . محمد خفاجى معد العمل و من عشاق الراحل جلال عامر رغم أنه لم يقابله يوما ، و لكن كانت كلماته تحيا بداخله كل يوم ، و عن كواليس الفيلم قال خفاجى أن فى الذكرى الثانية للراحل أقاموا ندوة بالبديل عن الراحل ، ثم تطورت الفكرة لعمل فيلم عنه ليخرج الفيلم إلى النور بالتزامن مع ذكراه الثانية . و قال خفاجى أن جيل الشباب متعلق بعامر أكثر من الكبار ، لذا أرادوا أن يبرزوا جانبه الإنسانى و علاقته بأسرته و حاولوا أن يسجلوا فى بيته و لكن الأمر كان مرفوض فاحترموا خصوصية عائلته ، كما سجلوا مع أصدقائه و جيرانه ، و مدى تأثير كتاباته على الناس ، ليرفعوا كلماته عاليا فى تظاهراتهم من أجل الحرية ، و ختم خفاجى بقراءة قصيدة اهداءا لروح حكيم الساخرين خاتما بجملة " رغم موته قدر يعيش ". أما عن مخرج العمل محمد أنور فقال أنهم أرادوا أن يظهر فى الفيلم روح جلال عامر ، هذا الإنسان البسيط بروحه المرحة ، الذى امتلك الشارع بلغته القريبة منه ، عابر السبيل ابن الحارة ، الذى ابتدع تشبيهاته من الشارع ،ليضرب بكلمات قليلة فى عمق و جذور مشاكل المجتمع ، لتشكل مقولات جلال عامر جزء كبير من وعى الشباب المطالب بالتغيير . و عندما علق الجمهور أنهم لم يشبعوا كفاية من عامر فى الفيلم ، قال أنور أنهم حاولوا تسليط الضوء على جوانب كثيرة من فكر عامر فى مدة الفيلم القصيرة 15 دقيقة . و قال عادل المحروقى المسئول بتحرير لاونج أن القلم و السخرية كانت أداة عامر للتغيير و نشر الوعى ، نُشرت مقالات عامر في عدة صحف منها جريدة الأهالي وجريدة البديل وجريدة القاهرة وجريدة العرب القطرية وجريدة الشرق السعودية، خُصص له عمود يومي في جريدة المصري اليوم بعنوان "تخاريف" . و عامر صاحب مدرسة في الكتابة الساخرة تعتمد على التداعي الحر للأفكار، وتميز أسلوبه بالاعتماد على التورية التي تجذب انتباه القارئ حتى نهاية المقال وتفتح مداركه . و أن استضافة مشروع التحرير لاونج للفيلم جاء إيماناً بأهمية حرية الرأي والتعبير في المجتمع، فيمكن من خلال جملة أو كلمة أو حتى صورة فوتوغرافية نشر فكرة إيجابية في المجتمع يمكن أن تساهم في تحقيق التغيير الإيجابي الذي نسعى إليه . اختتم اليوم بمجموعة من الأغاني لفرقة "بيان حالة" و التى غنت أغنية تتر النهاية للفيلم " يا عم جلال " ، و التى بدأوا بها غنائهم ، كما أمتعوا الحاضرين بالعديد من الأغانى المعاصرة التى تعبر عن الشارع المصرى .