قصة "الحصان" تجسد خلافات الإرث التي لا تشمل الأموال فقط إبراهيم عيسى لم يراجعني إلا في مقالي عن "وحيد حامد" تلميع النجوم وصناعة الأصنام أبرز "خطايا" الإعلام الكاتب دوره أن يقف دوماً على يسار السلطة وألا يؤيد القادة معرض الكتاب كان مليئاً بالأعمال السيئة على عكس الأعوام السابقة أكد الكاتب الشاب عمر طاهر أن اختيار عنوان كتابه الجديد "طريق التوابل" جاء انعكاساً لحبه الشديد لمحلات "العطارة"؛ قائلاً في تصريحات خاصة ل"محيط" أن محل العطارة إحدى الأماكن الأثيرة لديه مع المكتبة، وأنه يشعر بالألفة داخلهما، حتى أنه حين يلج لمحل العطارة يكون لزاماً عليه أن يشتري أي شئ، مثل"رجل العفريت" مثلاً، فهو يشتري أشياء من داخل المحل للاقتناء حتى وإن لم تكن صالحة للاستخدام. يواصل: حين وجدت أن في المجموعة قصة تذكر "طريق التوابل" الشهير، وجدت أنها فرصة أن أشبع حبي للعطارة والتوابل، وهذا ما أفعله في معظم أعمالي، ففي ديوان "عرفوه بالحزن" كتبت قصيدة بعنوان "محل عطارة في باب اللوق". جاء هذا في حفل توقيع كتاب عمر طاهر الصادر مؤخراً عن دار أطلس بعنوان "طريق التوابل"، واذي استضافته مكتبة "أ" مساء أمس في فرعها بالمعادي، والكتاب يضم30 حكاية قصيرة، في جزأين الأول حكايات قصيرة جدا بعنوان "التوابل"، والثاني مقالات تم تجميعها وسبق نشرها من قبل تحت عنوان "طريق". وعن قصة "الحصان" التي تحكي عن إرث بين شقيقين تم تقسيمه، وبقي "حصان" الأب الذي كان يستخدمه دائماً، فأصر الشقيق الأكبر على الاحتفاظ به، فالحصان كان معتاداً أكثر عليه، وافق الشقيق الأصغر أن يتركه لشقيقه. تحكي القصة عن أن الشقيق الأكبر حرص على أن يمتطي الحصان في خيلاء أمام شقيقه الأصغر، وأصبح هناك خصومة بينهما، إلى أن مرض الأخ الأكبر فعاده شقيقه ومكث معه، وأخذ يبكي ويستحثه على الشفاء، وألا يتركه ويموت فرغم الخصومة بينهما، إلا أنه كان يشعر أن هناك شيئاً يجمعهما، وبالفعل شُفي أخيه الأكبر واحتضنه، لتصدمنا القصة أن الأخ الأصغر مات في حضن شقيقه الأكبر! وحينها أقسم "الكبير" على ألا يركب أي حصان ثانية إلى أن يموت. وعن القصة يقول "طاهر" ل"محيط" رأيت من قبل نزاعات على "الحصان" في الميراث، ففي الصعيد النزاعات لا تكون فقط على الأموال، بل على "الجياد" و"مكينات المياه" وغيرها من الأمور فأردت تسجيلها، أما نهاية القصة فمن خيالي. وعن بداياته يقول عمر طاهر أن القدر وضع في طريقه وسائل مساعدة، ليصبح كاتباً منها أن يعمل مع الكاتب إبراهيم عيسى الذي ساعده على تطور تفكيره، ثم العمل مع الكاتبة الصحفية سناء البيسي التي علمته كيف يعبر عن أفكاره، مؤكداً ان في أرشيفه كثير من المواد التي يريد التخلص منها، والتي تتسم بقدر من الرعونة وقلة الخبرة، لكنه مع ذلك يؤكد على اهمية هذا الأرشيف الذي استفاد منه كثيراً. مؤكداً أن من علم نفسه بنفسه أفضل كثيراً ممن ملأ رأسه بنظريات لا يعرف كيف يطبقها. ولفت صاحب "زمن الغم الجميل" أن إبراهيم عيسى لم يراجعه في مقال كتبه من قبل، إلا في مرة واحدة حين هاجم "طاهر" الكاتب "وحيد حامد" بعنف، يقول: كتبت عنواناً لاذعاً، فتدخل إبراهيم عيسى ونصحني بتغييره، وأن أبقي المتن كما هو، وحينها اقتنعت بالفعل، واكتشفت بعدها أنه محق. وباعتباره إعلامياً قدّم عدد من البرامج، سأله "محيط" عن خطايا الإعلام حالياً، فقال أن خطايا الإعلام تحتاج إلى صفحات للكتابة عنها، لكن الأبرز فيها دون تفصيل هو تلميع النجوم، وصناعة الأصنام. فالكاتب والمبدع دوره أن يكون دوماً على يسار السلطة، وألا يقف مع حاكم أو يدعم قائد، فالأمر برأيي أشبه بمظاهرات التأييد، فالكاتب حين يؤكد أن القائد على حق يضع نفسه في موضع شبهة، وأختلف مع أساتذتي كثيراً بسبب هذا الرأي، وأؤثر دوماً الابتعاد عن مناطق الشبهات، لذلك لن أقدم برنامجاً في الوقت الحالي. وبسؤاله عن المرشح الذي سيحظى بصوته في الانتخابات الرئاسية، قال ل"محيط" أنه لم يستقر بعد على من سيعطيه صوته، قائلاً: أتمنى ألا أقاطع الانتخابات، وأن تعطينا الأسماء المرشحة حماساً وتجعلنا نختار بلا تردد. وعن جديده يقول في تصريحات خاصة، أنه بصدد الانتهاء من كتاب عن السيرة النبوية، مؤكداً أنه بذل مجهوداً كبيراً ليكتب عن السيرة بشكل جذاب وليس جافاً كما هو متبع، وأن يكتب عنها باعتبارها عملاً فنياً، مؤكداً ان أرباح الكتاب ستذهب إلى "بنك الطعام". كذلك يعد لكتابه "صنايعية مصر" وهو مخصص للذين ساهموا في بناء مصر الحديثة، وآثروا الابتعاد عن دائرة الضوء، لذلك تظل حكاياتهم مجهولة منهم "أبلة نظيرة"، "عبود باشا" وغيرهم. وحول منع فيلم "نوح" والاعتراض عليه؛ يقول "طاهر" أنه يتفهم لوجهة نظر علماء الدين، ويقتنع بها، في منع تجسيد الأنبياء والصحابة فرغم عدم وجود مانع شرعي في ذلك، إلا أن باب "سد الذرائع" يُغلق به أبواب كثيرة تنادي بتجسيد الأنبياء، وهو ما أقتنع به على حد قوله. أكد عمر طاهر أن "طريق التوابل" كتب على أكثر من مرحلة، أول كتابة له كانت في 2010 وحينها كانت الأفكار تأتيني في عدة أشكال، إما قصيدة أو فكرة أو حتى هلوسة، وقررت أن أترجم تلك الأفكار على الورق، فكنت أكتب وكأن هناك من يمليني، كتابة دون تفكير، كتبت تقريباً عشرة نصوص، وكل فترة كانت تأتيني قصة مكتملة فأسجلها، وحين جاء معرض الكتاب هذا العام، حثني الناشر أن أسلمه كتاباً ليلحق بمعض الكتاب؛ وبنبرة مازحة يقول طاهر: و"كأنني محمد حماقي يجب أن أخرج بألبوم جديد كل صيف!". ورغم أن تعجل الناشرين أحياناً يزعجني، لأنني أرى أن بعض كتبي كان يحتاج إلى تطور أو فترة أطول، إلا أن تعجل الناشر هذا العام أفادني فأخرجت نصوصي القديمة، وكتبت قصص متنوعة أخرى، واخترت منها 30 قصة، وحظي الكتاب بترحيب الجميع. وعن النزعة الصوفية التي تغلف نصوص القسم الثاني من الكتاب تحت عنوان "الطريق" يقول طاهر أن الكتابة عن التصوف والروحانيات ليس هدفاً لي، لكن جزء من إنتاج الكاتب يحمل إنعكاساً لخبراته وثقافته، ومن ضمن المجالات المحببة لي في القراءة هو التصوف، لذلك تخرج أعمالي محملة بهذه النزعة لكن الكتابة عن التصوف مرحلة لا تزال بعيدة، ولا أفكر بها الآن. وفي رسائل تلغرافية، قال عمر طاهر أنه لو لم يكن كاتباً، لتمنى أن يصبح طبيباً تلك المهنة التي تمحو الآلام. وعن معرض الكتاب هذا العام، قال أنه كان مليئاً بالأعمال السيئة على عكس الأعوام السابقة، وأثنى على الكاتب الشاب أحمد مراد وقال أنه لم يقرأ له سوى "الفيل الأزرق" إلا أنه استمتع بها جدا، واندهش من مهاجمة البعض وصول الرواية إلى القائمة القصيرة بجائزة "البوكر" قائلاً ان مقياس المتعة هو أمر مهم في تقييم الكتاب. من أجواء المجموعة نقرأ تحت عنوان "الرائحة": كان عالمه السري في الطفوله هو مطبخ الجدة , كانت رائحة المطبخ هي كلمة السر التي يدلف من خلالها الي تلك البهجة, كان يقوم من فراشه ليلا و يتسلل إلى المطبخ و البيت كله نائم ليستنشق ما تيسر له من السعادة و الطمأنينة , ثم يعود الي فراشه فوق حصان بأجنحة. بمرور الوقت كان يفك شفرة تلك الرائحة, في السادسة عرف أن جزءا منها هو رائحة الخميرة المستخدمة في خبز العيش صباحا . في السابعة ميز رائحة السمن البلدي و قد فتته الحر. في الثامنة اكتشف رائحة النعناع المجفف. في التاسعة خليط الشاي و السكر . في العاشرة كان يميز رائحة دماسة الفول وهي ترقد فوق نار هادئة طوال الليل . و في الحادية عشر كان خليط السبرتو والبن المحوج فوق صينية إعداد القهوة . في الثانية عشر ماتت الجدة و لكن البيت لا يزال عامرا بالأهل و السكان . هو لا يزال يتسلل إلى المطبخ من يومها كلما زار المنزل, و في كل مرة يجد كل شيئ في مكانه بالظبط لكن ..لا رائحة!. ومن قصة "الخيمة" نقرأ: بعد أن أنهكه التجوال فى المولد وبعد أن فشل فى الوصول إلى مقام السيدة زينب وجد نفسه يجلس على مقربة من إحدى خيام الخدمة التى تقدم الشاى والطعام لرواد المولد. كان الرجل الجالس أمام موقد البوتاجاز متوليا مسؤولية تقديم واجب الضيافة للرواد يجلس وحيدا مبتسما، التقت عيناهما فدعاه للدخول. دخل وجلس صامتا يشرب الشاى، قال له رجل الخدمة "تعرف ابن عطاء الله قال إيه؟"، هزّ الضيف رأسه نفيًا، فقال رجل الخدمة "ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك"، لم يفهم الضيف، فقال الرجل "ربما أعطاك الصحة الوافرة فاستخدمتها فى المعصية فمنعك عن طاعته، وربما جعل صحتك على القدّ فوقاك شرَّ نفسك التى قد تحدثك بالانفلات"، قال الضيف "فلتكن الصحة وليكن ستر الله إذا استخدمتها فى المعصية»، قال رجل الخدمة «مَن يعرفون الله يا بنىّ لا يطلبون منه أنه يسترهم فى المعاصى، ولكنهم يطلبون منه أن يسترهم عن المعاصى". قال الضيف "لعلك رجل زاهد"، فقال رجل الخدمة "وهل تعرف ما الزهد؟"، قال الضيف "إذا منحنى الله شكرت وإذا منع عنى صبرت"، قال له رجل الخدمة "سأقول لك قول الأكابر: ما تقوله هو حال البهائم.. الزهد يا بنىّ أن يمنع عنك الله فتشكر ويمنحك الله فتؤثر الآخرين على نفسك فى هذه النعمة". ومن قصة "العمارة" التي تحكي عن عمارة حقيقية في "رشدي" بالإسكندرية، يسكنها الأشباح ويتداول عنها الناس قصصاً أغرب من الخيال، نقرأ:"..اسمها عمارة الأشباح، مهجورة منذ الستينيات، لا يقوى أحد على اقتحامها، وكل من سولت له نفسه أن يسكنها كان يواجه نهاية مأساوية، مثل الرجل اليونانى الذى سكن لمدة يومين، ثم اختفى هو وعائلته كلها فى حادثة مركب صيد، أو الرجل الذى ألقى بنفسه من الدور الأخير بعد ليلة كان صراخه خلالها يشق سكون ساحل البحر الأبيض كله، أو العريس الذى فوجئ بعد ساعة من دخول الشقة مع عروسه ببقع دم تنسال من الجدران وقط كبير يطاردهما إلى أن استيقظا فوجدا أنفسهما، فاقدين الوعى فى الشارع شبه عرايا، دراما لا تنتهى، جعلت حارس العمارة يسد مداخلها كلها بالطوب والخشب حتى لا يدخلها أحد، تاركا للأشباح مهمة إدارتها دون تكدير. كانت السنوات تمر ولا حديث عن العمارة إلا وقد اختلط بحكايات الرعب، وفى يوم ما استيقظت الإسكندرية على صفحة تم إنشاؤها على الفيسبوك، أنشأها شاب اسمه الزعيرى، يحرض الجموع على اقتحام عمارة الأشباح. تجمع كثيرون هناك فى الموعد المحدد وكلهم حماس لتحرير الجميع من الوهم بمن فيهم غير المهتمين، تسلل الشباب عبر سور فيلا ملاصقة للعمارة، ثم دخلوا إلى العمارة واحدا تلو الآخر، نجحت المهمة وصور الشباب من الداخل كليبات تكشف للناس كم هى هشة هذه العمارة، وكم هو زائف هذا الخوف المسيطر. حدثت فوضى ما انزعج منها كثيرون، فتدخلت الشرطة تحت ترحيب كبار السن وتم إخراج الشباب، وإغلاق العمارة ولكن بصورة أكبر صرامة. هنا شعر الشباب بالإحباط بعد أن فقدوا قصة تدعو للفخر عن الخوف الذى أزاحوه من قلوب الناس، من المؤكد أنك قادر على تخيل مدى حزنهم، وعلى تخيل مدى رضا كبار الناس عن أنفسهم وشعورهم براحة الضمير. لكن الأمر الذى لن تستطيع أن تتخيله هو تلك الفرحة العارمة التى يعيشها الآن أشباح العمارة!.