شرع الله لنا يوم الجمعة نحن المسلمين ليكون عيدًا أسبوعيًّا، ومؤتمرًا دوريًّا ربانيًّا، يلتقي فيه الناس على طاعة الله، على كلمة التقوى، على ذكر الله عزَّ وجلَّ، وهذا لأن هذا اليوم يوم عيد للمسلمين، كُره فيه الصيام، فلا ينبغي الصيام في يوم العيد، فهو أشبه بالعيد السنوي، ولهذا كان الصيام في يوم العيد حرامًا، وفي يوم الجمعة مكروهًا. ومعنى الصيام هنا صيام التطوُّع، مَن أراد أن يتطوَّع بالصيام في يوم الجمعة فذلك مكروه، ولكن إذا أراد أن يقضي ما فات عليه، أو صادف يومًا من الأيام التي يُسنُّ فيها الصيام، كأن صادف يوم عرفة، أو يوم عاشوراء، أو صام يومًا قبله ويومًا بعده، فلا حرج عليه. يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} . خصَّ الله تعالي يوم الجمعة بصلاة الجمعة: يوم الجمعة عيد أسبوعيٌّ، ولهذا جمَّله الله بهذه الصلاة الأسبوعية، صلاة الجمعة فرضها الله في هذا اليوم، وجعلها بدل صلاة الظهر، فرضها فرضًا، فإذا نُودي إليها لم يَسَع مسلمًا أن يتخلَّف عنها، فرضها على الرجال دون النساء، وعلى المقيمين دون المسافرين، وعلى الأصحَّاء دون المرضى، ولكن إذا صلَّى المسافر الجمعة، أو صلَّت المرأة الجمعة، فلا حرج عليها، وقد كان النساء يذهبن إلى مسجد النبيَّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الجمعة، وفي الصلوات الخمس. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} ، ينبغي أن تتعطَّل أعمال الدنيا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، يَدَع البائع بيعه، ويَدَع المشتري شرائه، ويَدَع المستأجر إجارته، ويَدَع العامل عمله، يَدَعُون هؤلاء أعمالهم، ويذهبون إلى صلاة الجمعة، إلى ذكر الله عزَّ وجلَّ، إلى هذه الجماعة التي أوجبها الله تعالى في كلِّ أسبوع. لا يجوز التخلُّف عن صلاة الجمعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} . طبع الله على قلبه، ختم على قلبه فلا تصل لهذا القلب أشعة، ولا أنوار التوحيد. يصبح قلبًا مظلمًا مغلقًا مطبوعا عليه، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} . الإسلام لم يحرِّم العمل في يوم الجمعة: يستطيع المسلم أن يعمل في أيِّ يوم من أيام الأسبوع، ليس في الإسلام تحريم للعمل الدنيوي في أيِّ وقت من الأوقات، يستطيع المسلم أن يعمل في يوم الجمعة، وأن يعمل في شهر رمضان، وأن يعمل في الأشهر الحرم. كلُّ ما هو مطلوب منه، إذا سمع النداء يوم الجمعة عليه أن يستجيب، وَيَدَع كلَّ ما في يديه، مهما كان وراء ذلك من مكاسب، ومهما كان وراء ذلك من صفقات، القرآن يقول: {وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، لقد وصف الله المؤمنين أنهم في صلاتهم اليومية لا يشغلهم بيع ولا تجارة، ولا عمل من أعمال الدنيا التي تشغل الناس عن حقِّ الله تعالى. تكلَّم الله عن المساجد فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فكيف بصلاة الجمعة؟ لا ينبغي للمسلم أن يلهيه شيء عن هذه الصلاة، وهذا هو شأن المسلمين، يحرصون على هذا اليوم، وعلى هذه الصلاة، صلاة هذا العيد الأسبوعي. ما يُستحبُّ في يوم الجمعة: يذهب إليها المسلم متطهِّرًا متوضأ، حسن المظهر، في أطيب ريح، من السنة أن يغتسل المسلم ليوم الجمعة، غسل يوم الجمعة سُنَّة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه واجب، لأن هناك حديث يقول: "غسل الجمعة واجب على كلِّ محتلم " ، وحديث يقول: "حقٌّ على كلِّ مسلم، في كلِّ سبعة أيام، يوم يغسل فيه رأسه وجسده". وأحقُّ هذه الأيام هو يوم الجمعة، حقٌّ عليه يوم يغسل فيه رأسه وجسده يذهب المسلم يوم الجمعة مغتسلاً متطهِّرًا متطيِّبًا متعطِّرًا، لابسًا أحسن ما عنده من ثياب، حتى يظهر بأحسن مظهر، يكون طيِّب المخبر وطيب المظهر، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبًا لصلاة الجمعة والعيد، وللقاء الوفود، أعدَّه ليلقى الناس بأحسن هيئة، فالله جميل يحبُّ الجمال