منذ 30 عاما عندما كان عمره 10 سنوات بدأ عبد الرحيم السيد في مساعدة والده تاجر الفاكهة في سوق التوفيقية.. يلتقط حبات الفاكهة بيد حانية يزيل عنها ما علق بها من أتربة في ملابسه ثم يعيدها إلى مكانها لتكمل تناغم اللوحة التي رسمها بفواكهه. أتى عبد الرحيم مع من أتوا من سوهاج في قلب الصعيد، حيث يمتلك السوق تجارا من هذه البلدة توارثوها أبا عن جد ومعظمهم أبناء عمومة أو صلة رحم، أما العاملون فهم من القاهرة أو مناطق أخرى. أغلب الفاكهة في السوق مستوردة، فبعد انتهاء فصل الصيف واختفاء فاكهته يلجأ تجار السوق إلى الاستيراد لتوفير احتياجات الزبائن الذين يمثلون جميع الجنسيات من أجانب وعرب ومصريين. يقول عبد الرحيم أن السوق كان يتردد عليه "زبائن جامدة" من الشخصيات الهامة والفنانين أما الآن فقد قلت فيه الحركة كثيراً لأن أغلب التجار تحولوا لبيع قطع غيار السيارات، وأخذت الناس عنه فكرة أنه أصبح سوقا لقطع الغيار. لا يقتصر استيراد الفاكهة على دولا بعينها بل يتسع من سوريا ولبنان والأردن ويمتد إلى جنوب أفريقيا ليعبر المحيط الأطلسي حتى أمريكا شمالا ثم وصولا للصين شرقا التي وصلت فاكهتها إلى السوق العريق من تفاح وكمثرى وبرقوق صيني. بينما يتوفر الكرز والتفاح الأميركي والموز والمشمش السوري والعنب اللبناني والتمر السعودي والتونسي وغيرها. هذا العام زيادة الأسعار في الفاكهة غير طبيعية. يقول عبد الرحيم "أنت شايفة الضغط على الناس بقى إزاي اللحمة بكام والفراخ بكام ولا الخضار نفسه بكام.. كنت الأول أبيع في اليوم حوالي 20 كيلو أما الآن قلت حركة البيع تماما وأصبحت أبيع بمتوسط أربعة كيلو يوميا". يضيف "الأول اللي كان ينزل يشتري فاكهة بخمسين جنيه علشان يشتري نفس الكمية النهاردة هيدفع له مش أقل من 150 جنيه، يعني اللي عنده أولاد لو نزل يشتري برقوق مثلا تمنه 25 جنيه مش هيجيب أقل من اتنين كيلو يعني دفع 50 جنيه في اتنين كيلو فاكهة بس.. أنا كمان بعد ما أسعار الخضار ولعت بقيت بشتري على قد حالي مش زي زمان". بعكس عبد الرحيم فضل محمد منصور الاتجار في قطع الغيار لأن "سوقها هو الماشي" ودخلها أصبح أعلى من الفاكهة التي "قلت زبائنها" ولم تعد تجد من يشتريها. يقع سوق التوفيقية بين شارعي سليمان باشا ورمسيس، ويعتبر أشهر سوق للفاكهة والخضر في القاهرة، والذي اكتسب شهرته من حي التوفيقية نفسه الذي أنشأه الخديوي توفيق منذ أكثر من 120 عاما، ليكون مقرا لسكن الجالية الانجليزية إبان الاحتلال الانجليزي لمصر، بحيث يكون قريبا من قصر عابدين مقر الحكم في تلك الفترة. بدأت التجارة في السوق على يد عدد من التجار اليهود والإنجليز والفرنسيين، وفي البداية كانت حركة التجارة في السوق مقتصرة على هؤلاء التجار الأجانب الذين كانوا يبيعون لأفراد الجاليات اليهودية والانجليزية والفرنسية بشكل أساسي. وعقب ثورة يوليو اشترى التجار المصريون المحلات الموجودة بالسوق حتى أصبح سوقا مصريا خالصا. والتوفيقية سوق مفتوح لا يغلق أبوابه في أي وقت من اليوم أو العام. ويعتبر مزار سياحي لكل من يزور "أم الدنيا" لشراء أندر أنواع الفاكهة والخضراوات التي لا توجد إلا في هذا السوق. برغم ارتفاع أسعار السوق عن غيره من الأسواق الشعبية إلا أن الطبقة الراقية والمتوسطة من السيدات يفضلن الشراء منه ولا يستبدلن عنه مكانا أخر فهو "مضمون والخضر والفاكهة دائما طازجة ومش موجودة في أسواق بره". بينما لا يقرب المدرس سالم شعبان سوق التوفيقية لأن أسعاره "مش مهاودة.. ده بتاع الناس الهاي والأجانب مالنا إحنا"، مشيرا إلى أن الأسعار أصبحت غولا يلتهم الدخل البسيط . يضيف: عندى 4 أولاد فى مراحل التعليم المختلفة والفترة اللى فاتت كانت كلها مصاريف مدارس ورمضان والعيد حتى الخضار اللى كان بجنيه واتنين بقي ب 5 وب 7 طب فين رقابة الدولة. ولمواجهة زيادة الأسعار وتفاوتها من منطقة لأخرى بشكل غير منطقي؛ يقترح الخبراء توحيد سعر كل سلعة ووجود بورصة تعلن يوميا أسعار كل السلع ووجود رقابة علي التجار، والقضاء علي جشع حلقات التداول بعودة أكشاك وزارة الزراعة التي كانت موجودة من قبل تبيع الخضراوات والفواكه بأسعار المزرعة للمستهلك مباشرة.. نشر بالتعاون مع موقع " شملولة"