« الولاياتالمتحدةالأمريكية هى القطب المهيمن على النظام العالمى الجديد، وأن العالم لا يزال يعيش آفاق العصر الأمريكي، الذى يستمر، فى رأيي، إلى مدى بعيد(نحو خمسة عقود على الأقل)..». إذا صحّ التوقع السابق الذى ذهب إليه جمال سند السويدى فى كتابه الجديد، المعنون ب«آفاق العصر الأمريكى السيادة والنفوذ فى النظام العالمى الجديد»، الصادر فى نهاية يناير المنصرم، فإن مستقبل العلاقة بين العرب والولاياتالمتحدة، لن يكون مثل الحاضر أو الماضى من وجهة نظري، وذلك لأمرين، الأول أن الحاجة إلى العرب فى مجال الطاقة آخذة فى التراجع، وستنتفى كليا قبل انتهاء أو تراجع العصر الأمريكي، والأمر الثانى: ظهور قوى دولية جديدة على الساحة، ليست فقط مؤثرة على القرارات العربية، وإنما متحكمة فيها، ويقدم أصحابها أنفسهم وهم على حق بديلا عن العرب. التوقع السابق، غير آت من تكرار لآراء ومقولات تجاوزها الوقت، إنما هو نابع من الدراسة والتحليل، عبر تجربة سنوات من المتابعة، وبهذا الخصوص يقول السويدي: «هناك من الشواهد والأدلة والبراهين ما يدعم هذه الأطروحة يقصد هنا التوقع السابق وفى مقدمتها أن هيكل القوة فى النظام العالمى الجديد الأحادى القطبية يميل إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن معايير القوة والنفوذ فى المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وموارد الطاقة والنقل، تقدم ما يكفى من الأدلة على ذلك، والمتغير الوحيد القادرعلى نفى هذه الأطروحة أو إثباتهاهو مسارات تطور النظام العالمى الجديد خلال المديين القريب والمتوسط » (ص44). ولتأكيد فكرته السابقة يورد السويدى بالأرقام والإحصائيات ما يثبت تفوق الولاياتالمتحدة على دول العالم فى مختلف مجالات الحياة، من ذلك أن ميزانيتها للدفاع والتسليح تفوق مجموع ميزانيات الدفاع لدى القوى الست التى تليها مجتمعة فى ترتيب القوى قى النظام العالمى الجديد، وأن الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى عام 2012 (685و15 تريليون دولار) يبلغ أكثر من ثمانية أضعاف الناتج المحلى الإجمالى فى الهند، ونحو سبعة أضعاف الناتج المحلى فى بريطانيا، وخمسة أضعاف الناتج المحلى فى ألمانيا، وثلاثة أضعاف الناتج المحلى الإجمالى لليابان، وأكثر من ضعفى الناتج المحلى للصين. بجانب ذلك فإن مؤشرات الابداع والابتكار (حيث لا تزال متفوقة على أى دولة تأتى فى المرتبة التالية فيما يتعلق بمؤشرات الابتكار، وهذه الميزة تبدأ بالنظام التعليمي، الذى يشجع على البحث العلمي، ويتحدى المسلمات، بما يجعل النظام التعليمى الأمريكى متميزا عن أى نظام مناظر فى أى دول أخرى متقدمة)، وكذلك التنافسية التجارية، التى تضع الولاياتالمتحدة فى المرتبة الأولى. والولاياتالمتحدة حسب الخبير الاقتصادى الأمريكى أيه جارى شيلينج تتمتع بمزايا عدة تتفوق بها على منافسيها على المدى البعيد، وفى مقدمتها أن الدولار القوى يمثل ميزة نسبية لها على المدى الطويل، ومن بين المزايا أيضا التركيبة السكانية، كونها من أكثر دول العالم انفتاحا أمام الهجرة واستفادة منها، وكذلك وفرة العمالة، ومرونة سوق العمل. ورغم توقع السويدى بسيادة الولاياتالمتحدةعلى النظام العالمى الجديد خلال العقود الخمسة المقبلة، فإنه يقر بوجود قوى دولية أخرى ستكون مشاركة، لكنها لن تكون مؤثرة، وذلك ضمن الخصائص التى تسهم فى صياغة النظام العالمى بقيادة أمريكا، ومنها: 1 ستبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية، قوة مسيطرة على صعد مختلفة، فهى متفوقة عالميا فى التعليم والثقافة والتقنية، والاقتصاد والقوة العسكرية والنقل، وإن كانت ستدرك الفارق الحاسم بين التفوق والسلطة المطلقة. 2 يظل الاتحاد الأوروبى فى مرحلة استعادة وضعه الطبيعي، المتمثل فى دول عدة متنافسة. 3 ستعاود روسيا الظهور من خلال إنعاش اقتصادها، واستعادة بناء قدراتها العسكرية. 4 سيزداد انشغال الصين بإدارة موقعها الاقتصادى العالمي، والحفاظ على ازدهارها الاقتصادي، وستظل فاعلا كونيا أكثر منها قوة عظمى. 5 سينافس عدد كبير من الدول، مثل دول أمريكاالجنوبية خاصة البرازيلوالهندوجنوب إفريقيا وبعض دول جنوب شرق آسيا، الصين فى كونها مركز الأجور المنخفضة، والنمو المرتفع عالميا. 6 تراجع دور هيئة الأممالمتحدة ومنظماتها الدولية عن القيام بوظيفتها التحكيمية، لتصبح وظائفها أقرب إلى تأدية مهام تخدم مصلحة القوة العظمى المهيمنة، وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية. وكما نلاحظ، فإنه لا وجود لدور عربى مرتقب فى النظام العالمى الجديد فى العصر الأمريكى لجهة المساهمة إن على مستوى الفاعلية الكونية، أو على مستوى التأثير فى صناعة القرارات التى تحدد مسار حركة التاريخ لأن الدول العربية لا تمثل، وهى متفرقة وتتجه نحو مزيد من الاتقسام والتجزئة والتشتت، أى قوة يمكن أن تنافس قوى أخرى كانت إلى وقت قريب فى نفس فضائها المتخلف، ومع ذلك نتساءل:لماذا هذا الخوف من استمرار سيطرة العصر الأمريكى؟، ألسنا جزءا من عالم يواجه نفس المصير؟. لاشك أن الخوف العربى عند فئة منا مبعثه احساس بالخطر عن الوجود من حيث الانتماء والهوية، هذا أولا، وثانيا: عدم التسليم بالواقع والبحث فى أسباب التخلف، وثالثا: غياب العدل فى التعامل الأمريكى مع القضايا العربية المصيرية، ورابعا: الشعور بالعجز من تغيير الواقع المأساوى من جهة وفرض التعاطى الدولى مع شؤوننا بإيجابية من جهة أخرى. وبالرغم من بواعث الخوف السابقة الذكر فإن كتاب سند السويدى يحمل جمالا معرفيا يكمن أن يُزيِّن الباحثين العرب، إذا ما قرئ بنظرة خالية من أى أحكام مسبقة، أو توظيف أيديولوجى أو سياسى، خاصة وأنه يقدم نظرة موضوعية تحليلية معمقة قائمة على الإحصائيات والبيانات والمعلومات، وهو كتاب مستفز علميا إن جاز التعبير لأننا لا نرى لنا وجودا يذكر فى المستقبل الأمريكى المنظور من جهة، وباعث للأمل كون مؤلفه من شوارع الحى العربى التى يسودها الظلام فى مدينة العالم ويخشى الغرباء السير فيها كما ذكر توماس فريدمان، يطرح رؤية تتعلق بالمستقبل، حتى لو كانت آفاق العصر أمريكية. نقلا عن صحيفة " الاهرام" المصرية