باريس: أصدرت دار "أكت سود" الفرنسية مؤخرا أحدث كتاب للمؤرخ اللبناني جيلبير أشقر حول "العرب ومحرقة اليهود" . وكتب أنطوان جوكي في صحيفة "المستقبل" اللبنانية أن المؤلف أظهر بكتابه أن العرب نظروا إلى الصهيونية التي كانت تعمل آنذاك بقوة لتحقيق مطامعها في فلسطين، كشكلٍ جديد من الاستعمار، وأن مقاومتها لا علاقة لها بمعاداة السامية، إذ نشأت هذه المقاومة أولاً داخل الطائفة اليهودية نفسها في أوروبا، كما بدأت في فلسطين والشرق العربي قبل عام 1933 ووصول هتلر إلى الحكم. ومن تفحّصه لهذه الصحف أيضاً، يبيّن أشقر عدم خلط العرب آنذاك بين الصهيونية واليهودية، بل تعاطفهم مع معاناة اليهود الأوروبيين. أما الالتباس بين كلمتَي صهيوني ويهودي فلم يبدأ إلا مع تصاعُد الاضطرابات في فلسطين، لكن الباحث يبيّن أنه نادراً ما بلغت معاداة العرب لليهود الطابع العنصري الذي عرفته أوروبا. النقطة الثانية المهمة التي يتطرّق إليها أشقر في بحثه - بحسب الصحيفة اللبنانية- هي تورّط العرب المزعوم مع النازية نفسها، فيُبيّن عدم جدّية هذا الاتّهام الجائر نظراً إلى الوثائق والشهادات الكثيرة التي تدل على أن معظم المفكّرين والمثقفين والوجهاء العرب، مسلمين ومسيحيين، انتقدوا بعنفٍ نظريات النازية وممارساتها لأسبابٍ أخلاقية وسياسية وفهموا بسرعة أن قيام الكيان اليهودي في فلسطين مدينٌ بالدرجة الأولى للمحرقة التي سبّبها هتلر. يتناول الباحث أيضا مرحلة عبد الناصر (1948-1967) ليُبيّن أن العقيدة التي دافع عنها ولاقت تأييداً واسعاً في العالم العربي بقيت في حالة تشييد مستمرّة منذ وصوله إلى الحكم، كما بقيت جميع خطاباته وتصريحاته مجرّدة من أي تعابير معادية لليهود كقومٍ أو ديانةٍ أو عرق. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مرحلة منظمة التحرير الفلسطينية (1967-1988) التي شهدت، بفضل مفكّري هذه المنظّمة الليبراليين واليساريين، اعترافها بالمحرقة اليهودية وبالمسألة اليهودية الأوروبية بدون تخفيف تصلّبها حول المسألة الفلسطينية. ولا يهُمل أشقر خطاب التيارات الإسلامية الأصولية الحالية الذي تعبره غالباً عباراتٌ عنصرية ضد اليهود وتشكيكٌ بحقيقة محرقتهم، ونتائج هذا الخطاب السلبية على صورة العالم العربي ومصالحه في الغرب.