بيروت: صدر مؤخرا عن منشورات الجمل كتاب "الراحل على غير هدى شعر - وفلسفة عرب ما قبل الاسلام" لمؤلفه سلام الكندي، ترجمة محمد بنعبود. كتب المقدمة البروفيسور الان باديو استاذ الفلسفة بجامعة باريس وفيها يقول انه ذهل عندما اطلع على المعلقات الجاهلية التي يدور الكتاب حولها، لانه لم يكن يظن ان العرب القدماء او بدو الصحراء، انتجوا شعرا وفكرا بهذه الاهمية "لقد انتابني وانا اقرأ هذه القصائد شعور مرير بأننا (يقصد الاوروبيين) معوقون روحيا دون ان ندري". ووفقا لجهاد فاضل بصحيفة "القبس" الكويتية يتحدث المؤلف عن "الشاعر البدوي كانسان هائم يطوي جراحه، يعود الى الديار بعد شرود غير واضح المعالم، فلا يلقى من اثر الظفائن سوى طلل الرحيل، ووشم المنازل تحت الرمال. ولا تنفك ذكرى هوية الحبيب تلهب آلامه كلما لاحت من عمق غيابه الغارق في غياهب الزحف الراسخ للبيداء. لكن آلامه ليست آلام الحزن الرومانسي في مواجهة صرامة قدر لا يبالي بعواطف البشر، وانما هي آلام الوعي الذي يلتمس بين حبائل العدم شجاعة الاصرار على الجهر بالكلمات، ذلك ان الانسان الرومانسي هو الذي لا يهجو القدر إلا ليفتخر بشدة عاطفته ورسوخها عبر الزمن. فالشاعر البدوي لا يتوجه للزمان، لكنه يسائل الفضاء المفتوح. وشعوره بالفقدان يملأ هذا الفضاء بالقيم الرمزية الجماعية (عشيرة أو القبيلة) دون أن يمكنه هذا الملء الرمزي من استعادة ذاته وامتلاك وجوده والقضاء على اغترابه. ويقول سلام الكندري ان الشعر الجاهلي يتميز أول ما يتميز بموضوعاته ، وهناك تعاقب لمجموعة من الصور تشكل كل واحدة معنى من أجل ان تبني، شيئاً فشيئاً كثافة خطاب يعد مرادفاً لهذا الشعر. وفي كل معلقة جاهلية تحضر، وبنفس الترتيب ويرجى الباحث أن الشعرية العربية الجاهلية التي تفتتح بمعاينة الطلل وتستقر في عمق الضياع، تحيل على تجربة تاريخية وجودية. ان هذا الشعر، منذ الصوت الأول فيه، منذ أول شيء يعلن به عن نفسه، يلتفت إلى موضع آخر، أو ما كان موجوداً ها هنا (الديار، المرأة) ثم ظعن أو ضاع. ان ما يميز هذا الشعر يكمن في تجربة ما لم لا يكف فيها الأليف عن التلاشي. يعالج الباحث قضايا الشعر الجاهلي في بحث جامعي ينهيه بهذه الابيات الجاهلية يهديها للشعراء العرب: فوقفت أسألها وكيف سؤالنا صما خوالد ما يبين كلامها عريت وكان بها الجميع فأبكروا منها وغودر نأيها وثمامها بل ما تذكر من نوار وقد نأت وتقطعت أسبابها ورمامها!